; (وقفة مع السيرة) | مجلة المجتمع

العنوان (وقفة مع السيرة)

الكاتب محمد سليمان العبدة

تاريخ النشر الثلاثاء 08-أبريل-1975

مشاهدات 23

نشر في العدد 244

نشر في الصفحة 49

الثلاثاء 08-أبريل-1975

في السيرة النبوية وسيرة الجيل الأول الذي رباه الرسول صلى الله عليه وسلم على يديه، فأعطاه من صفاته الشيء الكثير. وصلهم بالله ثم ارتفع بهم شيئًا فشيئًا في درجات اليقين والإخلاص والتضحية والشوق للقاء الله حتى وصلوا إلى درجات عالية جدًا، وكأنه تيار سرى في الجميع، حتى أنك تجد الصحابي يشعر بلذة في صلاته وقراءته القرآن لا تعادلها لذة أخرى من متاع الدنيا.
 ومصداق ذلك ما حصل للصحابي عباد بن بشر في غزوة ذات الرقاع.

 ففي تلك الغزوة وبعد انصراف الرسول صلى الله عليه وسلم راجعًا لحقهم أحد المشركين وكان قد حلف أن يهريق في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دما ولندع الحديث لابن هشام يقول: «ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلًا في الطريق فقال: من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقالا: نحن يا رسول الله. قال فكونا بفم الشعب والرجلان هما عمار بن ياسر وعباد بن بشر فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب قال الأنصاري للمهاجري أي الليل تحب أن أكفيك أوله أم آخره قال:

 بل اكفني أوله فاضطجع المهاجري فنام وقام الأنصاري يصلي، وأتى الرجل المشرك فلما رأى الأنصاري قائم عرف أنه ربيئة القوم (۱) فرماه بسهم فوضعه فيه فنزعه ووضعه وثبت قائمًا ثم رماه بسهم آخر فنزعه ووضعه وثبت قائمًا ثم عاد له بالثالث فنزعه ووضعه ثم ركع وسجد ثم أهب صاحبه فقال:

اجلس فقد أثبت فوثب فلما رأهما المشرك هرب. ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها وأيم الله لولا أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو انفذها».أ.ھ

سبحان الله وكأننا الآن بعيدون جدًا عن هذه الأحوال، كيف يجد هذا الصحابي راحة نفسية عميقة وهو في الصلاة حتى أنه لا يهتم بالسهام تنزل عليه لا شك أن الروحانية التي كانت تسيطر على هذا الصحابي الجليل الأول تفعل هذا الفعل وما أحوج الدعوات في أي زمان ومكان إلى هذه العاطفة القوية حتى تستطيع أل تثبت أمام أوهان الدنيا ومكائد الأعداء.

 بل لا بد من هذه العاطفة حتى لا يتغلب العقل المعيشي الذي يزن دائمًا الأرباح والخسائر بميزان التجار وحتى لا تتغلب شهوة التلذذ بالكماليات المباحة.

وبعض المشتغلين بعلم التاريخ يقولون: أنه لا بد من هذه العاطفة فلم تنشأ أمة أو تقم من رقدتها إلا بهذه العاطفة. فإذا وصلت الأمة إلى مرحلة الشهوات فقد انتهى أمرها.

 ولا نقصد العاطفة المبهمة السلبية التي لا تؤثر ولا تتأثر، ولا العواطف الغائرة المؤقنة. ولكنها العاطفة الصادقة الواعية التي توجه صاحبها إلى الخير والعمل والبناء أينما أتجه.

الربيئة: هو الطليعة.

الرابط المختصر :