العنوان إياكم ومخالفة الفعل للقول
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1992
مشاهدات 12
نشر في العدد 1028
نشر في الصفحة 66
الثلاثاء 08-ديسمبر-1992
إن دين الإسلام الحنيف الذي أنزله الله رحمة للعالمين ومنهاجًا للمؤمنين عني كثيرًا بتربية الشخصية المسلمة وإعدادها إعدادًا يليق بمن هو أمين على تطبيق منهج الله في الأرض وحقيق بجنة الفردوس الأعلى بجوار الله.. إعدادًا يلتقي عليه المظهر والمخبر معًا يتسم بالاستقامة والرزانةوالوضوح في الضراء والسراء والمنشط والمكره.. إعدادًا يصون المسلم أن يهزأ أو يغمز بيد أو بلسان أو حتى بعين، فقد نهى أشد النهي عن ما يعرض لسوء أو يحط من قدر، يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (الأنعام: 151) ويقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «الإثم ما حاكفي نفسك وكرهت أن يطلع عليه «الناس» صحيح الجامع ۲۸۳۷ ويقول :«فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» البخاري ومسلم ويقول أحد العلماء في نفسه: أنزهها عن بعض ما لا يشينها مخافة أقوال العداء فيم؟ولم؟ وهناك خصلة شنعاء وخصلة نكراء، تحط من القدر مهما تستر صاحبها عليها
ومهما تكن عند أمري من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم
ألا وهي مخالفة الفعل للقول المتضمنة خلق المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون ويبطنون خلاف ما يظهرون يقول الله تعالى عاتبًا على علماء بني إسرائيل ومن شابههم في هذه الصفة من علماء هذه الأمة وقادتها ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 44)
ويقول في منافقي هذه الأمة : ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ (النساء: 81) قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ (البقرة:204- 207).
وقد حدث في تاريخ الإسلام أبان نزول القرآن أن تمنى رجال من المؤمنين فريضة الجهاد- قبل أن تفرض- فلما نزل القرآن يأمر به تقاعس بعض المتمنين فأنزل الله توبيخًا لمن تقاعس وهديًا وتشريعًا لمن عبر إلى يوم القيامة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف: 2-٣) وإذا كان هذا العتاب وهذا الاستنكار ممن تمنى طاعة الله فلما أمر بها نكل فما بالكم بمن يقول هذا منكر في دين الله فاجتنبوه وهذا معروف. فافعلوه، وأعماله ومشاعر مستمعيه تجاريه على ذلك بما صدقت ولا بررت!!
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإن انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل أن وعظت ويقتدي *** بالقول منك وينفع التعليم!
إن هذا النوع من الناس مستخف عمليًّا ومستهتر بحرمات الله ويستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى منالقول إن قلوبهم لو أشربت حقًّا – بغض هذا المنكر الذي ينهون عنه لأبغضته في قرارة نفسها ولحاربته علنًا بفعالها ولو أشربت حقًّا حب هذا الخير الذي يأمرون به لأقامت منه واقعًا في حياتها وادعت إليه بفعالها ولكنها مرضى- إن لم تكن جوفاء خالية من الخير- يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم!!
إن جرم هذا الفعل العظيم وإن خطره سيما على القادة والعلماء ونحوهم لجسيم يكشف أهله في الدنيا وقد يعرضهم لفتنة عمياء ولفح نار تلظىفقد روى «أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه»، وروى البخاري ومسلم- رحمهما الله- عن أسامة رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: يؤتي بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه- أمعاؤه- فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يافلان ما شأنك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر؟ فيقول كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه فانهجوا في أمركم ونهيكم ودعوتكم وجميع شأنكم نهج الإسلام الذي يريده الله نهج رسول الله وأتباعه الكرام بإحسان الذين يعلنونه لأقوامهم بمثل: «وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد الإصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت وإليه أنيب».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
مقال الأسبوع.. أحداث الأفغان والزحف الأحمر على قواعد الإسلام
نشر في العدد 397
13
الثلاثاء 30-مايو-1978