أبطال من «طوفان الأقصى».. تضحيات على طريق القدس

ياسمين عنبر

31 يوليو 2025

86

كانت مسك الختام لشهداء عائلتها، لنجعلها هنا مسك البداية في الحديث، هي الإعلامية الصحفية المصورة حنين بارود التي امتطت جواد العمل الإنساني منذ السابع من أكتوبر، فكانت امتدادًا لإخوتها الشهداء الأربعة ووالدها، تجبر الخواطر في مراكز الإيواء وتعين النازحين، وهي ناشطة إعلامية يعرفها صغار غزة وكبارها.

أبطال من «طوفان الأقصى».. شهداء تركوا أثراً لا يُمحى |  Mugtama
أبطال من «طوفان الأقصى».. شهداء تركوا أثراً لا يُمحى | Mugtama
كان الواقع السوداوي الذي عاشه أهل قطاع غزة منذ...
mugtama.com
×

عائلة مقاومة

عام 2022م، حصلت على الماجستير في كلية الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية، بدرجة امتياز، فقد كانت تلك الطموحة المثابرة التي يسميها الجميع بشعلة النشاط.

منذ بدء حرب الإبادة، رفضت حنين النزوح من شمال غزة، وضربت قرارات الاحتلال بعرض الحائط متشبثة بغزة، وتوجهت إلى العمل الإغاثي الإنساني لإعانة النازحين الذين شردوا قسرًا من بيوتهم.

«العمر واحد»، هكذا كانت تردد حنين أمام نصائح الجميع أن تنتبه وتأخذ الحيطة والحذر أثناء عملها الإغاثي، واجتهدت في العمل الإنساني والإعلامي.

هي ابنة مخيم الشاطئ، ولدت وترعرت بين حاراته، درست تخصص التحاليل الطبية في بداية مشوارها الجامعي، إلا أنها أحبت العمل الإعلامي فحولت دراستها إلى كلية الصحافة والإعلام، فدرست درجة البكالوريوس والماجستير، وأكملت الدكتوراة في الإعلام أيضًا، ولكنها استشهدت قبل نقاش رسالتها بعشرة أيام فقط.

عملت حنين في مسيرات العودة التي كانت أحداثها عام 2017م حين كان المحتجون من غزة يقفون على حدود بلادهم المسلوبة، أما حنين فكانت تصور وتنتج وتصمم أعمالًا إعلامية وتغطي الحدث ميدانيًا لتنقل للعالم شغف أهل غزة بالعودة لبلادهم.

كما عملت في مؤسسة القدس وأحبت العمل لأجل القدس و«الأقصى»، فكانت جميع الفيديوهات التي تقوم بمونتاجها عن القدس، فقد رنت عيونها كثيرًا إلى يوم التحرير، لترحل إثر قصف همجي استهدف النازحين في مدرسة أسماء غرب مدينة غزة، لتلحق بأبيها وإخوتها الأربعة.

حين نتحدث عن حنين، نوقن أن البطولة لم تكن في غزة فردية، بل كانت في كثير من الأحيان عائلية، حين تقدم عائلة أبطالًا كثراً على طريق التضحيات والتحرير، وقد كانوا يرسمون طريقًا مختلفًا لأحلامهم التي كانوا يخطونها في قلوبهم وعقولهم على مدار سنين طوال، ولكن، حين يتعلق الأمر بـ«الأقصى» وفلسطين، يختلف الأمر هنا!

عائلة د. الشهيد محمود بارود واحدة من العائلات التي عاشت مشوارًا طويلًا من التضحية سواء على صعيد المستوى الإغاثي أو الإنساني، أو على صعيد الرفعة والعلم رغم إبادة كل نواحي الحياة في غزة، رحل د. محمود ثم تبعه أبناؤه الأربعة على طريق القدس والعمل الخيري والإغاثي لتقدم العائلة ستة من أبطال الطوفان!

أبطال من «طوفان الأقصى».. أحاديث لا تنتهي عن عباقرة غزة |  Mugtama
أبطال من «طوفان الأقصى».. أحاديث لا تنتهي عن عباقرة غزة | Mugtama
«إلى تكبيرة الفتح على جبل طارق، وإلى صهلة الود...
mugtama.com
×

عدسة الحقيقة

«لن نخرج من غزة، إلى السماء وإلى السماء فقط»، كانت آخر كلمات الشهيد الصحفي رشدي السراج قبل استهدافه، الذي كان يدير مؤسسة «عين ميديا»، شارك في تغطية الأحداث في مسيرات العودة مع صديقه ياسر مرتجى، فارتقى ياسر وبقي رشدي يكمل مسيرة الحق وصوته، كاشفًا عن وحشية الاحتلال وعنجهيته.

كان رشدي وزوجته وابنته يؤدون مناسك العمرة حين جاء السابع من أكتوبر واندلع العدوان الغاشم على قطاع غزة، فأصر رشدي أن يعود إلى غزة كي يكون من قوافل الصحفيين الذي يغطون أحداثها، بعد أن أخبرته زوجته أنها تريد زيارة روضة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد عليها: «الروضة الآن في غزة يا شروق»، وعلى متن أول طائرة عائدة إلى مصر عاد رشدي ووصل غزة، خلع ملابس الإحرام وارتدى خوذة وسترة الصحافة.

في يوم من أيام الحرب الشديدة يوم 22 أكتوبر 2023م، تناول رشدي الإفطار مع زوجته وطفلته، ثم ذهب إلى عمله، وعلى باب بيته في منطقة تل الهوا غرب مدينة غزة، أنزل الاحتلال حقده عليه بصاروخ فتت جسده وارتقى شهيدًا، وانضم بذلك إلى قافلة الصحفيين الشهداء الذين قتلهم المحتل الغاشم لأنهم ينقلون الصوت والصورة للعالم، فأرادوا بذلك إسكات ذاك الصوت وكسر عدسات كاميراتهم لتبقى الحقيقة مضللة، وتبقى الرواية الوحيدة للعالم هي الرواية الصهيونية.

أبطال من «طوفان الأقصى».. تضحيات خالدة لا تُنسى |  Mugtama
أبطال من «طوفان الأقصى».. تضحيات خالدة لا تُنسى | Mugtama
في مارس الماضي، خاطب الفنان الفلسطيني رشاد أبو...
mugtama.com
×

رائد الصحوة

صوت آخر أراد الاحتلال إسكاته، هو د. العالم محمد أبو زور، أحد أعمدة كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية بغزة، ولد كفيفًا وأعطاه الله من الحكمة والبصيرة شيئًا عظيمًا، فلم يكن يثنيه عدم إبصاره عن السفر لتلقي العلم، فقد حصل على درجة الماجستير من كلية الشريعة قسم أصول الدين في الجامعة الأردنية، ثم سافر لطلب العلم فأكمل دراسة الدكتوراة في السودان وعاد إلى غزة معلمًا للتفسير وعلوم القرآن في أروقة الجامعة الإسلامية لسنوات طويلة، فكان له أثر كبير فيها.

حفظ أبو زور القرآن الكريم وسرده عدة مرات على جلسة واحدة، وتمكن من حفظه وتفسيره وتدريسه، وجعل من حر ماله مبلغًا لتجهيز المجاهدين وتثبيتهم في رباطهم ومقاومتهم.

لمدة 40 عامًا، عمل د. محمد داعيًا يرتحل داخل قطاع غزة في مواسم الطاعات وشهر رمضان إلى مساجد غزة، يدعو الناس إلى التشبث بقضيتهم ودينهم.

كان عضوًا في رابطة علماء فلسطين، ومن علمائها المتمكنين بتفسير القرآن وأقواهم، وكان خطيبًا مفوهًا، ولغته العربية قوية، ونبرته ولهجته متمكنة، ومن رجال الإصلاح في حي الزيتون شرق مدينة غزة.

أسموه الناس في غزة القيادي التاريخي ورائد الصحوة في حي الزيتون، اتفق وجيرانه ألا يتركوا غزة منذ بدء حرب الإبادة التي شنت عليهم، وفي الشهور الأولى للعدوان، قصف الاحتلال الغاشم المربع السكني الذي صمد فيه د. أبو زور فارتقى هو و50 شهيدًا من جيرانه ممن صمدوا على أرض غزة ورفضوا الخروج منها.

رحل متشبثًا بغزة

إيهاب الغصين أيضًا واحد من الذين رفضوا الخروج من غزة، هو مهندس ووكيل في وزارة العمل في حكومة غزة عام 2020م، وسياسي فلسطيني، أوجعه الاحتلال حين استهدف زوجته وارتقت شهيدة برفقة ابنته.

شغل الغصين عدة مناصب في العمل الطلابي والنقابي، حصل على شهادتي بكالوريوس، ودرجة ماجستير، وكان متحدثًا باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني، وعين رئيسًا في شبكة الرأي للإعلام، ورغم مولده في الكويت ونشأته في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الغصين قرر الاستقرار وبناء الحياة في غزة، فتزوج من الغزية أماني سكيك، ابنة النائب في المجلس التشريعي جمال سكيك.

في مدرسة عبدالله خلف في الكويت، ومدرسة سبأ في اليمن، أنهى الغصين المرحلة الأساسية في دراسته، ثم انتقل إلى قطاع غزة وأكمل دراسته.

والتحق بالجامعة الإسلامية وتخرج في دبلوم بكالوريوس الهندسة المدنية عام 2004م، وبسبب نشاطه السياسي أكمل الغصين دراسته في الصحافة والإعلام عام 2012م، وحصل على شهادة أخرى من البكالوريوس في تخصص الصحافة والإعلام من جامعة الأمة في غزة، وواصل تعليمه وحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال عام 2012م من الجامعة الإسلامية.

تعددت مناصبه في العمل النقابي أيضًا، فكان عضوًا في نقابة المهندسين، وعضو مجلس إدارة جمعية طلائع الصحوة الشبابية، وفي مجلس إدارة وكالة «صفا» الفلسطينية حتى عام 2013م، وفي عام 2017م أصبح عضوًا في مجلس إدارة «شبكة الأقصى الإعلامية»، وفي عام 2018م أصبح أمين سر تجمع المؤسسات الخيرية.

حين اشتد العدوان على قطاع غزة وانقطعت سبل الحياة فيه، اشتد عليه مرض السرطان الذي فتك بجسده عدة مرات لكنه تماثل للشفاء، ورغم صعوبة حالته الصحية، فإنه رفض السفر للعلاج عبر معبر المحتل الغاشم، وبقي يقاوم مرضه تحت ظروف الحرب.

وفي 7 يوليو 2024م، قصف الاحتلال مدرسة العائلة المقدسة غرب مدينة غزة، التي ينزح بها المهندس الغصين وعائلته وارتقى شهيدًا إثر هذا القصف ليلحق بزوجته وابنته تاركًا إرثًا لمجتمع الصحفيين في غزة لا يزول أثره.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة