أثر النسوية الإسلامية على تشريعات الأحوال الشخصية

أسامة الهتيمي

30 سبتمبر 2025

58

ربما يكون الفارق الأبرز بين ما يسمى بتيار النسوية الإسلامية وغيرها من بقية تيارات النسوية، أنها تزعم الجمع بين المرجعية الدينية والمطالب النسوية المتعلقة بالمساواة، ومن ثم فهي تجعل من النصوص الدينية (القرآن، والسُّنة النبوية) ميداناً لإعادة القراءة والاجتهاد، بل والتأويل أيضاً، بما يتواءم في النهاية مع قيم الليبرالية ومبادئ حقوق الإنسان الغربية وبنود المواثيق الدولية.

وللموضوعية، فالحركة النسوية الإسلامية ليست حركة واحدة متجانسة، بل هي اتجاهات متعددة تختلف فيما بينها حول قدر الانحياز للمفاهيم الغربية بشأن حقوق المرأة، غير أنها تتفق على أن التمييز ضد المرأة ليس من جوهر الإسلام، وإنما نتيجة التفسيرات الذكورية للفقهاء أو نتيجة للظروف الاجتماعية والتاريخية.

جدل فكري

يدرك المتأمل في قوانين الأحوال الشخصية في عالمنا العربي خلال فترة ما عرف بالدولة الحديثة، أنها مستمدة في أغلبها من الفقه الإسلامي بمدارسه المختلفة، وإن جرت عليها تعديلات على مدار القرن العشرين، فهي تعديلات غير جوهرية حيث التطرق لقضايا تفصيلية أو ترجيح لاجتهاد فقهي على آخر ربما لكونه أكثر ملاءمة للظروف والأحوال المستجدة.

وفي غالب الأحيان، فقد سبق إجراء هذه التعديلات الكثير من النقاشات التي وصلت إلى حد الجدل بين المدارس الفكرية المتعددة، سوء كانت إسلامية أو ليبرالية أو يسارية، بل وفي داخل كل مدرسة على حدة.

غير أن قوانين الأحوال الشخصية في بعض الدول العربية قد تضمنت ما يمكن أن يكون استجابة لمطالب نسوية علمانية توافقت مع قرارات سياسية مركزية، فاشتملت هذه القوانين في الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي على مواد تلغي تعدد الزوجات وتقبل بالطلاق المدني.

وبما أن قوانين الأحوال الشخصية تعد أحد أكثر المجالات حساسية في العالم العربي والإسلامي، فقد أدت النسوية الإسلامية دوراً في تعديلات هذه القوانين.

حقوق المرأة

من المعلوم أن نشأة تيار النسوية الإسلامية في عالمنا العربي نشأة حديثة، فتاريخها على أقصى تقدير لا يتجاوز 4 عقود، وهو ربما السبب وراء أنها لم تتبلور حتى اللحظة كحركة مؤسسية يمكن رصد مساهماتها بشكل دقيق، غير أنها عبرت عن نفسها من خلال بعض الأكاديميات والناشطات اللائي ربطن بين المرجعية الإسلامية ومفاهيم المساواة، مع ملاحظة أن البعض منهن لم يكنّ واعيات إلى أن ما يقمن به يخلط بين الدفاع عن حقوق المرأة والنسوية.

ولا شك أنه كان لهؤلاء النسويات الإسلاميات أثر كبير في تشكيل حالة خاصة بالمفاهيم النسوية، فقد ساهم خطابهن الفكري في الدعوة لإعادة قراءة النصوص المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث، كما لفتن النظر إلى التركيز على المقاصد وتجاهل الآراء الفقهية، دون الاعتبار بأن تحقيق هذه المقاصد لن يكون إلا باتباع القواعد وهو ما شكل تناقضاً كبيراً لدى هذا التيار.

كذلك استطاعت الكثير من الجمعيات والمراكز البحثية المدافعة عن مبادئ النسوية أن تستغل خطاب النسويات الإسلاميات في تقليل الفجوة الحاصلة بين دعوات النسويات العلمانيات التي تتسم بالتطرف، وعدم مراعاة القيم والتوجيهات الإسلامية، والمجتمع العربي الذي يحرص على الالتزام بهذه القيم.

وفي الوقت نفسه، حرصت الدول على أن تستفيد هي الأخرى من خطاب النسويات الإسلاميات حيث وظفت أطروحاتهن كجزء من سياسة التحديث المرتبطة بالاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة وحقوق الإنسان، فضربت بذلك ثلاثة عصافير بحجر واحد.

أولها: أنها وفرت إطار ديني شرعي للإصلاحات القانونية تحصل به على قبول المؤسسات الدينية ورجال الفقه، والثاني: أنها حققت تطلعات النسويات، والثالث: أنها أرضت المجتمع الدولي.

نماذج للتغيير القانوني

برزت العديد من التغييرات في قوانين الأحوال الشخصية في عدد من الدول العربية والإسلامية التي جاءت استجابة لضغوط مختلفة.

من ذلك ما شهدته مصر، مثلاً، من سنّ قانون «الخلع» عام 2000 الذي منح المرأة حق طلب الطلاق مقابل التنازل عن حقوق مالية؛ ما أثار جدلاً بعيداً عن الخلع في حد ذاته، الذي له سند شرعي، إذ تباينت الآراء حول بعض بنود القانون.

ولم يكن الخلع وحده ما جرى من تعديلات على الأحوال الشخصية، فقد تضمنت التعديلات النفقة وحضانة الأطفال وضرورة إبلاغ الزوجة الأولى بالزواج الثاني، وغير ذلك.

وفي عام 2004م، نجحت الحملات التي قادتها الحركات النسوية العلمانية والإسلامية بالمغرب في إقرار مدونة الأسرة التي منحت المرأة حقوقًا أوسع في الطلاق وحضانة الأطفال ورفعت سن الزواج لـ18 عامًا.

وشهدت المملكة العربية السعودية عام 2019م تعديلات غير متوقعة، إذ ألغت شرط موافقة ولي الأمر لسفر المرأة وتحديد سن أدنى لزواج الفتيات بـ18 عامًا مع استثناءات محدودة، فضلاً عن رفع حظر قيادة النساء للسيارات.

وتبع ذلك إصدار أول نظام مكتوب للأحوال الشخصية عام 2022م الذي يحدد حقوق الطلاق والنفقة والحضانة بشكل أكثر وضوحًا.

وفي الكويت، صدر قانون يمنح الأم حق حضانة أوسع للأبناء عام 2004م، إضافة إلى إصدار قانون الأسرة السني عام 2009م بالبحرين، وتعديله لاحقًا عام 2017م ليشمل بعض مواد الطلاق والنفقة، وتعديل قانون الأحوال الشخصية بالأردن عام 2019م.

وفي الجزائر التي تم سن قانون الأحوال الشخصية بها عام 1984م، جرت حزمة من التعديلات في عام 2005م تم بموجبها رفع سن الزواج واشتراط موافقة العروس والعريس على الزواج، وتقييد تعدد الزواج، ومنح الزوجة حق الاشتراط على زوجها في عقد الزواج، وغير ذلك.

وفي بعض دول العالم الإسلامي، كان دور النسويات الإسلامية أوضح بكثير عنه في البلدان العربية، ومن ذلك ما شهدته ماليزيا حيث تأسس بها عام 1988م جماعة الأخوات في الإسلام بقيادة زيبا أنور، وآمنة ودود، وهما من البارزات في تأسيس تيار النسوية الإسلامية؛ إذ تمكنت هذه الحركة من الدفع باتجاه إجراء تعديلات قانونية تتعلق بتعدد الزوجات والطلاق والولاية.

وفي إندونيسيا، استطاع ما يسمى بـ«العلماء النسويين» عام 2017م تنظيم مؤتمر أفتى بتحريم زواج القاصرات؛ ما كان له أثره في تعديل قانون سن الزواج في البلاد عام 2019م ليرتفع الحد الأدنى إلى 19 عامًا للفتاة.

وعلى الرغم من أن غالب التعديلات التي شهدتها قوانين الأحوال الشخصية لا تخرج في كثير عن حدود ما أقره الشرع، فإن التخوف الأكبر هو استمرار تماهي حركات النسوية الإسلامية مع أفكار ودعوات النسوية العلمانية التي لها بكل تأكيد صوت عالٍ وقدرات لا محدودة في ظل الدعم الغربي المتواصل والمتزايد لها، وهو ما يمكن أن ينعكس على قناعات المنتميات لتيار النسوية الإسلامية فتتجسد في مطالب جديدة تقصي المرجعية الإسلامية لحساب الليبرالية والعلمانية ودعاوى حقوق الإنسان.


اقرأ أيضاً:

حضانة الأطفال من منظور نسوي

قوانين الأحوال الشخصية العربية.. بين الواقع والمأمول

لماذا يتدخل المجلس القومي للمرأة بمصر في تفصيل قوانين الأحوال الشخصية على مقاس عضواته؟

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة