حضانة الأطفال من منظور نسوي

تُعدُّ حضانة الطفل من أهم النظم الأسرية والقانونية التي وُجدت لضمان مصلحته، وللحفاظ على صحته النفسية؛ ليكون فردًا صالحًا في المجتمع، فوجود الطفل مع شخص يوفر له الرعاية والحنان يقلّل من مشاعر الخوف والقلق الناتجة عن الانفصال أو النزاعات الأسرية.. وهي فضلًا عن وقايته من الاضطرابات النفسية، تلبي احتياجاته الصحية والتعليمية، وتقيه الإهمال، وتعطيه شعورًا بالانتماء لبيئة أسرية تحافظ على عاداته وثقافته وقيمه.

وعند النظر في قضية حضانة الطفل من منظور نسوي، نجد شططًا في مطالب هذا التيار التغريبي الدخيل، الداعي إلى المساواة بين الجنسين بالإطلاق، ضاربًا بهويتنا وثقافتنا عرض الحائط، فانبنى خطابه الخاص بحضانة الطفل وولايته وتربيته وتعليمه على حقوق المرأة النسوية التي تطالب بها تياراتها المختلفة؛ أي ربط حقوق الطفل بالطروحات النسوية المتعلقة بتمكين المرأة قبل الالتفات لحقوق الابن الصغير أو مصلحته الفضلى. 

العدالة الجندرية

تُطرح مسألة حضانة الطفل في الفكر النسوي كجزء من «العدالة الجندرية»، و«توزيع الأدوار داخل الأسرة»، فينتقد هذا الفكر الثقافات والأعراف التقليدية التي تمنح الولاية على الطفل للأب، بادّعاء أنه تفكير ذكوري يضعف سلطة الأم القانونية، ويجعل علاقتها بأطفالها خاضعة لرضا الأب أو ولي الأمر، بل إن بعض التيارات النسوية تعتبر الحضانة حقًّا غير مشروط للأم، والمقصود بالحضانة هنا الولاية الدائمة وليست الحضانة المؤقتة؛ أي رعاية الطفل اليومية، ومن ثم تنتقد التشريعات التي تعتبر الحضانة «واجبًا أموميًّا طبيعيًّا»؛ إذ إن ذلك يفرض على النساء –في ظنهن- مسؤوليات رعاية مطلقة دون الاعتراف بجهدهن أو بتقاسم الجهد مع الأب.

وهناك من التيارات النسوية من يرى أن استمرار تحميل الأم وحدها مسؤولية الحضانة، حتى في حال الطلاق، يعكس استغلالًا مزدوجًا؛ لاستبعادها من الولاية القانونية من ناحية، ولتركها وحدها في مواجهة الأعباء اليومية لتربية الطفل من ناحية ثانية.

باختصار؛ تدعو الاتجاهات الحديثة من النسوية إلى تقاسم الحضانة؛ أي يتشارك الأبوان في رعاية الطفل، والاعتراف من ثم بحقوق النساء (في العلاقات غير التقليدية) في الحضانة القانونية على أطفالهن، وعدم وضع سن محدد لانتقال الولاية إلى الوالد، حتى بالنسبة للذكور، المفترض أنهم بحاجة إلى الأب لتنشئتهم على الرجولة، وتطالب النسويات أيضًا بإلغاء القوانين التي تسقط حضانة الطفل بسبب زواج الأم أو اختلاف الدين.

مصلحة الطفل

مبدأ «مصلحة الطفل الفضلى» هو حجر الأساس في «اتفاقية حقوق الطفل»، الصادرة عام 1989م، ويعني أن جميع القرارات والإجراءات المتصلة بالطفل (قانونية، أسرية، تعليمية، صحية) يجب أن تعطي الأولوية لما يحقق صالحه ونماءه الجسدي والنفسي والاجتماعي.

وقد استغلّ الفكر النسوي هذا المبدأ في الترويج لنفسه عبر الربط بين «حقوق الطفل» و«حقوق الأم»، بادّعاء أن المرأة إن كانت مقيدة أو مضطهدة في دورها كأُم، فإن ذلك سينعكس على جودة رعايتها لطفلها؛ أي لكي نحقق مصلحة الطفل الفضلى لا بد من تمكين الأم اقتصاديًّا واجتماعيًّا وقانونيًّا، ومنحها الدعم المؤسسي الكامل.

وإذا كانت بعض الأدبيات القانونية تتعامل مع حضانة الطفل بمعيار تحييد الأبوة والأمومة، فإن النسويات يرفضن معيار «تحييد الأمومة»، بزعم أن ذلك يتجاهل واقع المرأة التي تتحمل الجزء الأكبر من الرعاية، وأن مصلحة الطفل لا تُقاس فقط بالمعايير المادية (الغذاء، التعليم، السكن)، بل أيضًا بالروابط العاطفية، واستقرار علاقة الطفل بالراعي الأساس (الأم).

ولذلك، تنتقد النسويات القوانين التي تقضي بانتقال الحضانة للأب في حال زواج الأم أو عدم قدرتها الاقتصادية، ويرين وجوب دعم وتمكين هذه الحالات، ومساواتها بالرجل في العمل والأجر والرعاية؛ لتربية أطفالهن في بيئة أكثر عدلًا وأمانًا. 

تشريعات الإسلام

في الردّ على الخطاب النسوي المنحاز لطرف على حساب الطرف الآخر، والمجافي للواقع، لا بد أن نستدعي ما جاءت به تشريعات الإسلام من ضوابط وأحكام بخصوص حضانة الطفل، فلا يختلف الإسلام مع الفكر النسوي في ضرورة أن ينشأ الطفل في بيئة آمنة تحقق مصلحته؛ (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) (البقرة: 233)، (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 233).

ولكنه يختلف معها في كونه يربط الحضانة بضوابط شرعية كالولاية والإنفاق، وسقوط الحضانة بزواج الأم، أو انحرافها وعدم أمانتها، أو إهمالها للطفل وتضييعه، كما أنه ضد منح الأم أولوية مطلقة واستقلالًا كاملًا عن سلطة الأب.

وينظر الإسلام إلى حضانة الطفل باعتبارها قضية إنسانية، فهو يراعي العدالة في توزيع الحقوق والواجبات بين الوالدين، ويضع قواعد يمكن أن تتسع للاجتهاد في ضوء المتغيرات المستقبلة.

والإسلام لم ينحز للذكر كما تدّعي النسويات، بل جعل الأم أوْلَى بحضانة الطفل ما لم تتزوج، فقد ورد أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنتِ أحقُّ به ما لم تنكحي» (رواه أحمد، وأبو داود)، ثم تأتي الجدة للأم، ثم الجدة للأب، ثم الأقرب فالأقرب من النساء، ثم الرجال.

والحضانة لا تسقط عن الأم بمجرد الطلاق، بل تستمر حتى يبلغ الطفل سنًّا يستغني فيه عن خدمة النساء، ويمكنه فيه الاختيار؛ وورد أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا، وإن زوجي يريد أن يذهب به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للولد: «هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت»، فأخذ بيد أمه فانطلقت به. (رواه أبو داود)، فالإسلام وازن بذلك بين حق الأم في الحضانة وحق الأب في الولاية والإنفاق.

اقرأ أيضاً:

فقه الأسرة بين القانون والتشريع.. "حضانة الأطفال"

«فات الميعاد».. مرآة الدراما والعنف الأسري

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة