اعترافات طبيب!

شيماء أحمد

19 أغسطس 2025

129

تعاني كثير من الأسر من إدمان أبنائهم للألعاب الإلكترونية، الذي يصنّف كمرضٍ عقلي، يقود الصبية لأخطار قد لا يتوقعونها وتصل للتشنجات العصبية والوفاة، ومرورًا بكثير من أعراض الاضطراب الدراسي والاجتماعي، والنفسي، والميل للعزلة والتوحد.

يبقى المصاب بهذا الاضطراب مستيقظاً طوال الليل يحملق في الشاشة، وقد يستيقظ قاطعًا نومه في منتصف الليل، ليعاود إكمال اللعب، وقد يتخلى عن أحبائه، ويتنكر لمسؤولياته فداءً لهذا العالم الوهمي، سينسى أن يأكل، سيهمل نظافته الشخصية.

إنه إدمان جدّي وحقيقي كما يشير د. محمد عبدالجواد، مؤسس فريق «واعي»، أحد المبادرين للتصدي لإدمان العصر وأخطار الإباحية، والذي يصاحبنا بكتابه في تجربته الشخصية في التصدي لألعاب الإنترنت.

عادة يقدم الاستشاريون نصائح للتخلي عن إدمان الألعاب، لكنها لا تخرج عن ممارسة الرياضة وتقليل وقت اللعب مع الاهتمام بالقراءة والدراسة والعلاقات الاجتماعية.

هذه النصائح جيدة لكنها غالبًا لا تعمل؛ لأنها لا تبدأ بالبداية المناسبة؛ وهي البحث عن دافع الأبناء في تلك الألعاب التي تدور حول شعورهم بالملل وقلة تقديرهم لقيمة أعمارهم.

مؤلف الكتاب ذاته يعترف بأنه كان مدمنًا لتلك الألعاب، وشارك في بطولات، بل واعتبرها مهنة، ويتذكر أنه كان يلعب «World Of Warcraft» لـ16 ساعة متواصلة أحيانًا، نتحدث إذن عن مدمن حقيقي وعائد من هناك لينصح!

تضرر الدماغ

تخبر الدراسات الحديثة بأن اعتياد المراهقين على السلوك الإدماني تجاه الألعاب يزيد من خطر الأفكار الانتحارية والمشكلات النفسية وميول العنف.

يقول الكاتب الأمريكي جاري ويلسون: إن الاستهلاك الزائد من طفرات الدوبامين يسبب آلية شراهة (تراكم مادة تسمى «دلتا فوسب بي») التي تسبب الرغبة الشديدة في المزيد؛ ما يسبب الاستهلاك المستمر وتغيرات هيكلية في الدماغ.

في الواقع، فإن الفترة الأولى بعد الإقلاع عن الألعاب تصاحبها نوبات مزاجية سيئة، تماماً كأي إدمان، لهذا يجب ألا يترك مدمن الألعاب الفرصة لنفسه وحيداً؛ لأن نقص الدوبامين في المخ يدفعه للاكتئاب والخمول والكسل وانعدام الحافز، وهي أمور تحتاج وقتاً للعودة لمستواها الطبيعي.

إن الألعاب الإلكترونية تحفز إفراز الدوبامين بشكل سريع؛ ولهذا فهي تشعرك بسعادة لحظية وتحفيز مختلف؛ لأن غالب الألعاب مدعومة بنظام مكافآت وعقوبات.

حلل الباحثون مستويات إطلاق الدوبامين في أدمغة حوالي 20 من متعاطي المخدرات السابقين وغير المتعاطين أثناء لعبهم ركوب الدراجة، لقد وجدوا أن لعبة الفيديو تتسبب في إصدار الدوبامين المتأثر بمستويات مماثلة لتلك التي يتم إفرازها باستخدام عقاقير مثل عقار «إكستاسي».

تشير هذه النتائج إلى أن اللعب المفرط لألعاب الكمبيوتر قد يشبه استخدام المخدرات أو الإدمان، لأنه إستراتيجية يستخدمها الأطفال للتعامل مع مشاعرهم السلبية مثل الإحباط والخوف والوحدة والإجهاد من المذاكرة وخلافه.

لهذا، فالمدمنون للألعاب الإلكترونية لا يشعرون بمتع الحياة اليومية ولا ترضيهم الجلسات العائلية، ويجدون كل شيء مملاً باستثناء عالم ألعابهم، كما أنهم يعانون تدريجياً من ضعف الإرادة أمام تلك الألعاب بسبب تغيرات القشرة الأمامية للدماغ، تصاحب تلك الأعراض لامبالاة بأمور مهمة، واكتئاب أحياناً، وضعف تركيز وتشتت دراسي.

قرار حقيقي

منذ عام 2007م، أقلع المؤلف فعلياً ومرة واحدة وليس تدريجياً عن كافة الألعاب، تعرض خلالها لانتكاسة واحدة، كانت فترة ابتعاد المؤلف كافية لأن يتأمل عوامل تجذب الصبيان إليها، منها أنها تضيف أبعاداً اجتماعية وفرصة للتعارف الافتراضي الذي يتصور الابن أنه بديل عن الصداقات الحقيقية.

هي أيضاً تملأ وقتك ولا تشعر معها بأي فراغ ولا تحتاج للتفكير في أشياء تزعجك، هي هروب كامل من الواقع، في الوقت ذاته تسعى تلك الألعاب لإضفاء روح تنافسية مشوقة وتجعلك شيئاً فشيئاً بإتقانها تزهو بقدراتك وتشعر كما لو كنت بطلاً لشيء ما!

لقد فكر المؤلف في تلك الأمور الأربعة التي توفرها الألعاب الإلكترونية وفهم جيداً كيف يملأها من دونها: وتساءل: ما الأنشطة التي أملأ بها وقت فراغي؟ وهنا شعر بالحاجة لتكوين أصدقاء تجمعه بهم هوايات مشتركة وهدف يسعون لتحقيقه، ببساطة أي نشاط تستمتع به، سيعمل!

يحتاج المدمنون لتلك الألعاب إلى أن يجدوا أنشطة حقيقية تثيرهم ويشعرون فيها بالبطولة الحقيقية والصداقات وملء الفراغ، ربما كانت ألعاباً رياضية أو أنشطة تعلم ذكية أو رسماً، نعم عدنا من جديد للنصائح السابقة، لكن بعد أن فهمنا أين هو الخلل أصلاً.

كُن قويًا، يقول الكاتب: إذا كنت قد اتخذت القرار بالإقلاع عن إدمان الألعاب الإلكترونية، فلا بد أن تصعب الطريق إليها.. نعم، أن تحذف الألعاب من هاتفك، واستبدل تطبيقات أخرى مسلية وممتعة بها، فطالما أن الألعاب في متناول الصبي سيهرع إليها مع أول فراغ يقابله.

لقد فعلها المؤلف مع «Leage of Legends»، ومع «Minecraft»، وهي ألعاب كانت شغفه الأساسي وقطع صلته بالمواقع التي تروج لها وبدأ يدرك أن البطولة فيها ليست واقعية.

املأ الفراغ

من بين المداخل المهمة لإدمان ألعاب الإنترنت هي تلك المتعة الذهنية التي يجدها اللاعب، ولهذا فالكتاب ينصح بتعلم لغة ومهارات جديدة وبرمجة الكمبيوتر والتصوير الفوتوغرافي، أما في جانب الشعور بالراحة مع الألعاب، فينصح الكاتب بأنشطة مثل القراءة والطهي والعمل التطوعي وغيرها من الأنشطة التي أضفى عليها طابعاً اجتماعياً بمشاركتها الآخرين.

إن الذهاب إلى الفراش ليلاً بشكل منتظم والحصول على نوم جيد، يساعد الدماغ على أن يكون أكثر تركيزاً على العادات الإيجابية، وعلى المرء أن يكون حذراً بشدة من 4 مشاعر يلخصها المعالجون في كلمة «HALT»، وهي: الجوع والغضب والوحدة والتعب، وجميعها تجعلنا نهرب لأقرب نشاط ممتع مهما كان الثمن.

من المهم أن يجعل الشاب لنفسه روتيناً ثابتاً لملء الفراغ، التزامات ممتعة بالنسبة له، ما الذي يمكنه أن يستثمر فيه وقته؟! ما الذي كان يحلم بإنجازه ويمكنه تقسيمه لخطوات من الآن؟! أن يعلم أن يومه هو جزء منه لو ضاع فقد ضاع بعضه.

لن يكون الإقلاع سهلاً أبداً، حسنًا على كل شاب الاعتراف بذلك وتقبله في البداية، مع أهمية استبداله بشيء أمتع وأهم، وعدم الاكتراث بالتعليقات السلبية من مدمني الألعاب الإلكترونية.

إن البداية القوية هي ضمان الاستمرار دائمًا، وقوة الصباح لا تضاهيها قوة في حياة المرء، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن البركة في البكور، لهذا فمن يستيقظون مبكراً هم الأقدر على التخطيط الإيجابي ليومهم.

الخروج من الشرنقة

بعيدًا عن الكتاب، ينصح الخبراء بترك مساحة للطفل ليمارس الألعاب الإلكترونية كي لا يصبح الممنوع مرغوباً، ويعتمد علم النفس الحديث على العلاج السلوكي المعرفي الذي لا ينظر للألعاب الإلكترونية باعتبارها المشكلة الوحيدة، وإنما جزء من مشكلات أوسع تشمل العلاقات العائلية والمدرسة والنوم؛ ولهذا، فإن تغييرها يستلزم تعاون الأسرة بشكل كبير، وقد بدأ العالم ينجز إلى جانب الألعاب منتديات للمتعافين من تلك الألعاب لتبادل الخبرات «Game Quitters»، ومنتدى «Reddit» لقصص الناجحين.

في تلك الرحلة على الآباء والأمهات أن يقتربوا من أولادهم ويشجعوهم على الجلسات الأسرية والمشاركة في أعمال تعيد لهم شعورهم بالمسؤولية، مع قضاء أوقات ممتعة سوياً داخل وخارج المنزل، ومشاركتهم ألعابهم الحرة الذهنية والحركية ومنها الشطرنج وكرة القدم والركض والقراءة والتسامر، وهو من شأنه أن يخلصهم للأبد من الحاجة لإدمان البطولات الافتراضية.


اقرأ أيضاً:

حين تتحول الألعاب إلى لغم.. «ترند» رقمي يكشف قنبلة في جيوب أطفالنا!

‏«إكس بوكس».. غزو رقمي يهدد عقول الشباب العربي


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة