اقتحام الفاشر.. مستقبل «الدعم السريع» والسيناريوهات القادمة بالسودان

حسن عبد الحميد

28 أكتوبر 2025

475

«نحن نطمئن أهلنا في كل مكان بأننا عازمون على أن نقتص لكل شهدائنا، عازمون على أن نقتص لما حدث لأهلنا في الفاشر، الجرائم التي ارتكبت الآن في الفاشر وارتكبت قبل ذلك في كل بقاع السودان على مرأى ومسمع من العالم، ومخالفات قرارات مجلس الأمن، وكل الأعراف الدولية، الآن يتم انتهاكها ولا أحد يتحدث عن ذلك ولا أحد يحاسب، نحن كشعب سوداني سنحاسب هؤلاء المجرمين، نحن كسودانيين سنقتص لأهلنا الذين لحق بهم الظلم ولحقتهم هذه اليد الغادرة، اليد العدائية، اليد التي لا تنتمي لهذا الشعب السوداني»..

بهذه الكلمات، خاطب الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، شعبه والعالم عبر رسالة قصيرة بثّها «التلفزيون السوداني» و«وكالة السودان للأنباء» مساء الإثنين 27 من أكتوبر 2025م، بعد يوم من إعلان قوات «الدعم السريع» المتمردة الاستيلاء على مدينة الفاشر، آخر عواصم إقليم دارفور، وآخر معاقل الجيش السوداني بالإقليم.

انسحاب تكتيكي

وقد اقتحمت قوات «الدعم السريع» مدينة الفاشر من 3 جهات، الأحد 26 أكتوبر، بعد حصار لأكثر من عام ونصف عام، وهجمات زادت على 250 هجوماً، وسيطرت المليشيا المتمردة على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني، في الوقت الذي أعلن فيه الجيش أنه أعاد تموضع قواته بالمدينة عبر انسحاب تكتيكي، كما أعلن ذلك الفريق أول البرهان في كلمته آنفة الذكر.

«الدعم السريع» عاثت فساداً وارتكبت جرائم حرب بحق المدنيين في الفاشر خاصة النساء والأطفال والشيوخ

وتابع البرهان قائلاً: الجميع يتابع ما حدث في الفاشر، القيادة الموجودة هناك بمن فيها لجنة الأمن، قدروا تقديرات بأنه يجب أن يغادروا المدينة نسبة لما تعرضت له من تدمير وقتل ممنهج للمدنيين، ورأوا أن يغادروا، ووافقناهم على أن يغادروا المدينة ويذهبوا إلى مكان آمن حتى يجنبوا بقية المواطنين وبقية المدينة الدمار.

وأضاف البرهان: على العموم، هذه محطة من محطات العمليات العسكرية التي فرضت علينا كشعب سوداني، ونحن نقولها دوماً ونكررها: الشعب السوداني سينتصر، والقوات المسلحة السودانية ستنتصر؛ لأنها مسنودة بالشعب، ويقاتل معها كل أبناء الشعب السوداني، بدءاً بالقوات المشتركة وقوات خشن والمستنفرين وجميع من يقاتل في صف القوات المسلحة، ونحن نقول: إن هذا الشعب سينتصر، وإن هذه المعركة ستحسم لصالح الشعب السوداني.

المليشيا ترتكب جرائم حرب

وكعادة المليشيا المتمردة عند دخولها المدن منذ بداية هذه الحرب، فقد عاثت «الدعم السريع» في المدينة فساداً، وارتكبت جرائم حرب بحق المدنيين خاصة النساء والأطفال والشيوخ الذين أنهكهم الحصار ونقص الغذاء والدواء، وقد وثّقوا بأنفسهم الجرائم التي ارتكبوها عبر مقاطع مصورة، بل قامت باعتقال وتعذيب مراسل «الجزيرة مباشر»، وهو ما وجد استنكاراً واسعاً من الصحفيين والإعلاميين والهيئات الحقوقية العالمية.

وقد أدانت وزارة الإعلام السودانية، في بيان نشرته «وكالة السودان للأنباء»، في 27 أكتوبر، جرائم مليشيا «الدعم السريع» قائلة: تدين وزارة الثقافة والإعلام والسياحة بأشد العبارات وأقساها الجرائم البشعة والمروعة التي ارتكبتها مليشيا «الدعم السريع» المتمردة بحق المواطنين الأبرياء في مدينتي الفاشر وبارا، حيث تواصل هذه المليشيا ارتكاب المجازر الوحشية وأعمال القتل والتعذيب والسلب والنهب ضد المدنيين العزل، في مشهد يجسد أبشع صور انتهاك حقوق الإنسان والاستهانة بقدسية الحياة.

محللون: دخول «الدعم السريع» الفاشر ربما يقوّي موقفها التفاوضي وهو أهم ما تسعى إليه في هذه المرحلة

وأضافت الوزارة، معدّدة جرائم المليشيا: لقد طالت جرائم المليشيا في تخوم مدينة الفاشر أعداداً كبيرة من المدنيين، من بينهم نساء وأطفال وشيوخ، في انتهاكات يندى لها جبين الإنسانية، تزامنت مع الجرائم الفظيعة التي شهدتها مدينة بارا؛ ما يعكس نهجاً منظماً في القتل والإرهاب تمارسه هذه العصابات الخارجة عن القانون أينما وجدت.

ووصفت الجرائم بالطبيعة العدوانية والأفعال الممنهجة لهذه المليشيا، قائلة: إن هذه الأفعال الإجرامية الممنهجة تؤكد الطبيعة العدوانية لهذه المليشيا، وانعدام كل القيم والأعراف الإنسانية لدى قادتها ومنتسبيها الذين غرقوا في دماء الأبرياء، وتمادوا في ممارسة أبشع صور الوحشية والترويع.

ودعا البيان المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته الأخلاقية إزاء انتهاكات «الدعم السريع» للقانون الدولي، مضيفة : وإذ تعبر الوزارة عن استنكارها وإدانتها الشديدة لهذه الجرائم النكراء، فإنها تدعو المجتمع الدولي، ومنظمات الأمم المتحدة، والهيئات الحقوقية، ووسائل الإعلام، إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية والإنسانية، وإدانة هذه الانتهاكات الصارخة التي تمثل جرائم حرب مكتملة الأركان، وانتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني ولكافة المواثيق الدولية التي تكفل حماية المدنيين.

الموقف الأمريكي

على الصعيد السياسي، أجرت قناة «الجزيرة» الفضائية حواراً مع مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للشؤون العربية والأفريقية، مساء 27 أكتوبر، وبدا فيه بولس مهتماً بالشؤون الإنسانية والإغاثة أكثر من اهتمامه بالآثار السياسية والقانونية لاقتحام مليشيا «الدعم السريع» مدينة الفاشر.

بسيطرة المليشيا على الفاشر تكون قد بسطت نفوذها على إقليم دارفور مُكرِّرة النموذج الليبي وفرض تقسيم السودان

بل أشار بوضوح إلى أن سيطرة المليشيا على الفاشر ربما يسرّع عملية التفاوض غير المباشر التي ترعاها الولايات المتحدة هذه الأيام؛ إذ يتواجد على أراضيها وفد يمثل الحكومة السودانية برئاسة وزير الخارجية، ووفد آخر يمثل المليشيا المتمردة برئاسة ألقوني دقلو، شقيق قائد المليشيا محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ويُذكر أن الرباعية التي تمثل الولايات المتحدة أهم أضلاعها لم يصدر منها حتى الآن إدانة لجرائم «الدعم السريع» وما ارتكبته بحق المدنيين في الفاشر.

مستقبل الأوضاع

ولكن ماذا يمثل سيطرة «الدعم السريع» على الفاشر؟ وما مستقبل الأوضاع العسكرية في إقليم دارفور؟ فقد يرى كثير من المحللين أن دخول «الدعم السريع» الفاشر ربما يقوّي موقفها التفاوضي، وهو أهم ما تسعى له المليشيا المتمردة هذه الأيام، وبسيطرتها على الفاشر تكون قد بسطت سيطرتها على كل عواصم وحواضر إقليم دارفور؛ مما يجعل البعض لا يستبعد تكرار النموذج الليبي وفرض تقسيم السودان عملياً بوجود سلطتين وحكومتين إحداها في شرق البلاد والأخرى في غربها.


غير أن بعض المحللين العسكريين يذهب إلى أن الجيش السوداني عندما يعلن أنه انسحب تكتيكياً من موقع، فإنه من واقع التجارب السابقة القريبة يعدّ العدة لاستعادته ودحر المليشيا، وأن هذا التكتيك من الجيش قد استخدم خلال هذه الحرب في الخرطوم ومدني وسنار وغيرها من المواقع التي انسحب منها تكتيكياً وسرعان ما استعادها مرة أخرى.

وهذا هو الفرق الكبير بين جيش يقوده خريجو الكليات الحربية ودورات أركان الحرب، ومليشيا متمردة تقودها مجموعات متفلتة لا تفقه كثيراً في شؤون الحرب ولا تأبه للأعراف والتقاليد المرعية في الحروب.

على كل حال، فإن مليشيا متمردة لن تستطيع في النهاية هزيمة جيش نظامي متمرس كالجيش السوداني الذي يقف وراءه الشعب السوداني، ويشد من أزره في معركة تحمل اسم «معركة الكرامة».

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة