جريمة هدم المساجد وقتل المصلين.. «الدعم السريع» في السودان مثالاً

قامت قوات «الدعم
السريع» بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال إقليم دارفور بالسودان باستهداف مسجد «الدرجة»
بمسيرة قتلت أكثر من 70 مصلياً في صلاة الفجر، ومنعت وصول الناس إلى المقابر
الرئيسة! ما اضطر الأهالي إلى حفر قبر بالمسجد لدفن الناس به، وذلك في ظل سيطرة «الدعم السريع» على مدينة الفاشر منذ قرابة عامين.
وليست هذه هي
المرة التي تقوم بها مليشيات «الدعم السريع» بهذا العمل، فقد قامت به قبل ذلك، كما
في عام 2023م.
حكم هدم المساجد
هدم المساجد في
صراع سياسي كبيرة من الكبائر، وجريمة من الناحية الشرعية والقانونية، وإثم عظيم،
لا يفعله إلا من كان في قلبه نفاق، وهو من أهل البغي والعدوان، فإذا زاد على ذلك
قتل المصلين؛ كان من البغاة الخارجين عن جماعة المسلمين، ويجب على المسلمين صد
عدوانهم عن بيوت الله تعالى وردهم عن غيهم.
ولا شك أن هدم
المساجد والمصلين من البغي المحرم، وفاعله إن كان من المسلمين لا يخرج عن الملة؛
لكنه يعرض نفسه لعقوبة الله تعالى في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا، فيجوز للحاكم
قتالهم وقتلهم، وأما في الآخرة فهم معاقبون على فعلهم عند الله تعالى، مستحقون
للذم والعذاب.
ويشهد لهذا ما
أخرجه الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من
خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة، ومات؛ فميتته ميتة جاهلية»؛ يعني أنه مشبه مثل أهل
الجاهلية الذين لا إمام لهم؛ لأنه خرج عن جماعة المسلمين، وإن كان من المسلمين.
والإثم في
البغاة على من فارق الجماعة وخرج عليهم بقتال أو فساد، فإن خرج بلا قتال، فلا سبيل
لقتاله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقتاله، بل أخبر عن حال موته، وأنه
كأهل الجاهلية، وإنما يقاتلهم الإمام إذا خرجوا على جماعة المسلمين، لما ورد عن
علي رضي الله عنه حين قال للخوارج: «كونوا حيث شئتم، وبيننا وبينكم ألا تسفكوا دماً
حراماً، ولا تقطعوا سبيلاً، ولا تظلموا أحداً، فإن فعلتم؛ نفدت إليكم بالحرب»، قال
عبدالله بن شداد: «فوالله، ما قتلهم حتى قطعوا السبيل، وسفكوا الدم الحرام»؛ فدل
على أن مجرد الخلاف على الإمام لا يوجب قتال من خالفه. (راجع: سبل السلام
للصنعاني، ج3/ 407).
عقوبة هدم المساجد
هدم المساجد إن
كانت من البغاة من المسلمين؛ فهم مستحقون لحد لحرابة الوارد في قول الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ
يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ
يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة: 33)، وقد عرف الفقهاء البغاة بأنهم:
الخارجون من المسلمين عن طاعة الإمام الحق بتأويل، ولهم شوكة، فإن استعان البغاة
بغير المسلمين؛ كان غير المسلمين من أهل الحرب، وينطبق عليهم أحكام المحاربين.
فالواجب على
المسلمين حماية المساجد من التعرض للهدم، وصد عدوان كل من تسول له نفسه فعل هذا،
والمدافع عن المساجد والمصلين إن قتل؛ فهو شهيد عند الله تعالى، وقد توعد الله
تعالى من يهدم المساجد بالخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، فقال سبحانه: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ
مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا
أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي
الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة: 114).
وقد ذكر بعض
العلماء أن الآية نزلت في الروم، حين ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس من أجل أن
بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا، فخرب بيت المقدس وطرحت الجيف فيه. (زاد المسير،
ج1/ 102)، وقيل: نزلت في مشركي قريش لما منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة
عند الكعبة في المسجد الحرام، فإن كان هذا فيمن يمنع الناس من الصلاة، فما بالنا
بمن يهدم بيوت الله ويقتل المصلين؟!
ولم يحدد الله
تعالى في الآية مسجداً بعينه؛ ليشمل الحكم كل المساجد على الأرض، وفي الآية دليل
على جواز قتال من هدم بيوت الله تعالى بقوله: (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ)، والوعيد بالعذاب
يوم القيامة: (وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
وإن حماية بيوت
الله تعالى من الاعتداء من الفساق أو الفجار أو الكفار لهي من أعظم القربات عند
الله تعالى، فإن عمارة المساجد من أفعال المؤمنين، وإن هدمها من أفعال الكافرين،
وإن أتاها بعض المسلمين، وذلك لقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ
مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ {17} إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ
اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ
الْمُهْتَدِينَ) (التوبة).
إن هدم المساجد
وتعطيلها عنوان النفاق لمن يقوم بذلك، وهو على خطر عظيم عند الله تعالى، مستحق
للعقوبة في الدنيا، والعذاب في الآخرة، والواجب على المسلمين منعه بكل وسيلة
ممكنة، ولو كانت باستعمال القوة في ذلك.