الأكاديمية أمينة جالو تكشف لـ«المجتمع» أسباب انتشار «سحر الفودو» في غينيا كوناكري

محمد العبدالله

13 نوفمبر 2025

142

في موقعها المتميز غرب أفريقيا؛ حيث يحدها غرباً المحيط الأطلسي، وشمالاً غينيا بيساو والسنغال، وشرقاً مالي، وجنوباً سيراليون، رسمت دولة غينيا كوناكري جغرافيتها المتميزة، بأعلى غالبية من المسلمين بنسبة 90% من السكان، ويدينون بالمذهب المالكي.

ورغم موقعها الساحر مع غيرها من بلدان الغرب الأفريقي، وقِدَم الإسلام وانتشاره بها، لكن ينتشر فيها أخطر أنواع السحر الأفريقي، حيث لا يزال يرتبط الكثيرون بالعادات الأفريقية كموروث تراثي؛ الذي تمتزج فيه الخرافات بالحقيقة، والواقع بالأسطورة، والكرامة الحقيقية بالقوة السحرية، إضافة إلى الحملات التنصيرية التي تستخدمه لإضفاء شكل روحي لخداع البسطاء.

«المجتمع» تواصلت مع أمينة جالو، المحاضرة في قسم اللغة والحضارة العربية بجامعة «لنسنا كونتي» بكوناكري في غينيا، لمعرفة المزيد عن هذه الطقوس وكيفية انتشارها، ومواجهتها.

  • ينتشر في الغرب الأفريقي أكبر سوق للسحر؛ «سحر الفودو»، وصار جزءاً من تراث بعض الدول، ما تأثيره، ودرجة انتشاره في غينيا؟

- نعم، يعد غرب أفريقيا موطناً لأكبر أسواق السحر، وأشهرها سوق «الفودو» في لومي بتوغو، الذي صار رمزاً لتراث ديني وثقافي يجذب السياح والباحثين، وهذا النوع من الممارسات أثّر في بعض الدول المجاورة مثل بنين وتوغو، حيث ينظر إليه بوصفه مكوناً من مكونات الهوية الثقافية.

طقوس «الماما أفريكا» موروثات روحية قديمة ما زالت حاضرة

أما في غينيا، فانتشاره محدود؛ إذ يشكل الإسلام الديانة الغالبة، غير أن بعض الطقوس والمعتقدات التقليدية ما زالت حاضرة في القرى والمناطق الريفية، خصوصاً عبر الجمعيات السرية والاحتفالات الشعبية.

  • رغم أن المسلمين الغالبية العظمى في غينيا وجميعهم على المذهب السُّني، فإن البعض لا يزال يعتقد في «الماما أفريكا»، ما نوعية هذه الطقوس، ونسب انتشارها؟

- بعض الموروثات الروحية القديمة ما زالت حاضرة، ومنها ما يعرف في بعض المناطق بـ«الماما أفريكا» أو «الأم الكبرى»؛ وهي رمزية روحية تجسد قوى الطبيعة والأرض والخصب والحماية، بحسب معتقديها، وتمارَس حولها طقوس تشمل الرقص الجماعي، وتقديم القرابين البسيطة (كالطعام أو الدماء الحيوانية)، وطلب البركة أو الشفاء، وهذه الطقوس ليست منظمة دينياً؛ بل تمارَس غالباً في المناسبات الزراعية أو أثناء الأزمات.

  • المسلمون في غينيا على المذهب المالكي، ما مدى قوة هذا المذهب في مواجهة الخرافات والشعوذة؟ وهل توجد مراكز للعلاج بالرقية الشرعية؟

- المذهب المالكي هو السائد عند مسلمي غينيا، وقد شكل على مرّ القرون أساس الحياة الدينية والتعليمية، خاصة بفضل المدارس القرآنية والزوايا الصوفية المنتشرة في البلاد.

وأسهم المذهب، بعقيدته السُّنية الوسطية واعتماده على مقاصد الشريعة، في مواجهة مظاهر الخرافة والشعوذة المنتشرة في بعض البيئات الريفية، حيث يميز العلماء والدعاة بوضوح بين العلاج المشروع بالقرآن والأدعية، والممارسات السحرية أو الطقوس الوثنية.

كما توجد اليوم مراكز معروفة للعلاج بالرقية الشرعية، يشرف عليها أئمة وأساتذة في الفقه والقراءات.

  • تنتشر بغينيا الطرق الصوفية وأشهرها القادرية والتجانية، كان لها أثر في نشر الإسلام ومقاومة الاستعمار، كيف تسربت إليها روح الشعوذة والدجل والتبرك؟

- فعلاً، كانت الطرق الصوفية في غينيا من أهم الوسائل التي انتشر بها الإسلام وأسهمت بقوة في نشر التعليم الديني ومقاومة الاستعمار الفرنسي، لكن ينبغي التذكير بأن مظاهر السحر والشعوذة كانت موجودة في البلاد قبل دخول الإسلام.

لدينا مراكز للعلاج بالرقية الشرعية تحت إشراف الدعاة والعلماء

ومع توسع انتشار الطرق الصوفية واحتكاكها بالمجتمعات المحلية، تسربت بعض الممارسات إليها، فخلط بعض الناس بين الكرامة الصوفية والقدرة السحرية، والتوسل المشروع والتبرك المحرم.

  • تتعلق بعض أشكال السحر والشعوذة في القارة السمراء بكرة القدم، كيف تفسرين هذه الظاهرة؟

- كرة القدم حديثة نسبياً قياساً بقِدَم المعتقدات التقليدية في أفريقيا، وما يقال عن ارتباط السحر بالرياضة يبدو في الغالب من قبيل المبالغات الإعلامية أو التفسيرات الشعبية لبعض الأحداث الرياضية، وأنا لست متابعة دقيقة لما يجري في عالم كرة القدم.

أيضاً النتائج الرياضية لا تعكس وجود تأثير فعلي لمثل تلك الممارسات، بدليل أن المنتخبات الأفريقية لا تحقق تفوقاً دائماً رغم ما يشاع عن استخدام السحر فيها.

  • في حوادث سابقة، تم حصار عمة لاعب شهير في غينيا لاتهامها بإيذائه بالسحر، إضافة إلى استخدام حارس مرمى للشعوذة في دوري أبطال أفريقيا، كيف تفسرين ذلك؟

- إن صحّ وقوع مثل هذه الأمور، فهي في نظري تعبير عن بقايا المعتقدات الشعبية القديمة التي ما زالت تؤثر في بعض الأذهان.

لذلك أرى أن مثل هذه الأحداث تكشف الحاجة إلى مزيد من التوعية العقلية والدينية حتى يبتعد الناس عن ربط النجاح أو الفشل بممارسات لا أصل لها في الدين.

  • هل توظَّف أمور السحر والشعوذة في الانتخابات أو الترويج لمرشح بعينه؟ وهل سبق أن شهدت البلاد مثل هذه الحالات؟

- لا تتوافر لدي معطيات مؤكدة حول توظيف السحر أو الشعوذة في الحملات الانتخابية أو دعم مرشح بعينه في غينيا، غير أن بعض الإشاعات المحلية تتحدث أحياناً عن لجوء بعض الأفراد أو الأنصار إلى ممارسات رمزية يظنون أنها تجلب الحظ أو الحماية.

ومع ذلك، تبقى هذه الحالات محدودة وغير موثقة رسمياً، كما أنها لا تمثل سلوكاً عاماً في الحياة السياسية الغينية التي تتأثر أكثر بالعوامل الاجتماعية والقبلية والدينية.

  • يتعرض الغرب الأفريقي لحملات تنصيرية شرسة، كيف تواجهونها؟ وهل تستغل السحر والشعوذة في نشر أفكارها؟

- فعلاً يشهد الغرب الأفريقي بين حين وآخر حملات تنصيرية منظمة تستهدف المجتمعات المسلمة، خصوصاً في المناطق الريفية التي تعاني ضعف التعليم الديني، ونواجه هذه الحملات من خلال تعزيز التعليم الإسلامي، ودعم المدارس القرآنية والمعاهد الشرعية، وتنشيط الدروس والمحاضرات، كما نسعى إلى إشراك الشباب في العمل الدعوي والثقافي لتقوية الانتماء الديني الواعي.

الغرب الأفريقي يشهد حملات تنصيرية منظمة تستهدف المسلمين

أما استغلال السحر والشعوذة، فهو أمر قائم في بعض الحالات؛ إذ تلجأ بعض الجهات إلى توظيف المعتقدات التقليدية لاستمالة العوام وإضفاء طابع روحاني على نشاطها.

  • كيف تقرئين انتشار الطقوس السحرية، رغم تقدم وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل تستخدم الوسائل الحديثة في الترويج للشعوذة؟

- استمرار انتشار السحر والشعوذة في الغرب الأفريقي، ومنه غينيا، رغم توسع التعليم ووسائل التواصل الحديثة، يعود إلى عوامل ثقافية واجتماعية عميقة الجذور أكثر من كونه مجرد نقص في الوعي أو التعليم، فهذه الممارسات تمثل لدى بعض الفئات امتداداً لتراث روحي قديم يختلط أحياناً بالمعتقد الديني الشعبي.

ومع تطور التكنولوجيا، لم تختف الشعوذة، بل تغيرت أساليبها؛ إذ بات بعض الممارسين يستخدمون وسائل التواصل للترويج لخدماتهم، عبر صفحات تظهر السحر في ثوب «علاج روحاني» أو «حل للمشكلات العائلية».

  • ما الطرق والوسائل التي تنتهجها الدولة بشكل عام، والدعاة بشكل خاص، في مواجهة الشعوذة والدجالين بالبلاد؟

- لا تُعرف في غينيا سياسات رسمية واضحة أو برامج حكومية منظمة لمواجهة الشعوذة والممارسات المرتبطة بها؛ إذ تظل هذه الظاهرة في الغالب تحت المتابعة الاجتماعية والدينية أكثر من المتابعة الأمنية أو القانونية.

أما الدعاة والعلماء، فهم يؤدون الدور الأبرز في محاربتها من خلال التوعية الدينية، وخطب الجمعة، والدروس في المساجد، حيث يبينون حرمة السحر وخطورته على العقيدة والمجتمع.



اقرأ أيضاً:

خبراء: ضعف الإيمان وراء إتيان السحرة.. والنجاة بشروط

المستشار التربوي والنفسي محروس سليمان لـ«المجتمع»: الشعوذة رقمية.. ورواج السحر لهذا السبب!

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة