الجيش الخفي يقهر «إسرائيل»!

عقب انسحاب الوفود الدبلوماسية من قاعة اجتماعات الأمم المتحدة؛ احتجاجاً على كلمة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، سارع الأخير إلى لقاء المؤثرين الأمريكيين على «السوشيال ميديا»؛ في محاولة لدعم الرواية «الإسرائيلية»، وإنقاذ وترميم صورة كيانه، قائلاً لهم: إن منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة وأبرزها «تيك توك» تشكل أهم سلاح في معركة تأمين القاعدة المؤيدة لـ«إسرائيل».

الشهر الجاري، جمعت سورية هي الأخرى أكثر من 380 صانع محتوى ومؤثر سوري وعربي في مؤتمر «إسكربيت» تحت شعار «مؤثرون من أجل سورية»؛ لبحث آليات التأثير عبر المنصات الجديدة، والوصول إلى فئات واسعة من الشباب، وصناعة الوعي في سورية الجديدة.

ومطلع العام الجاري، استضافت الإمارات فعاليات النسخة الثالثة من قمة «المليار متابع 2025»، كأول قمة متخصصة في تشكيل اقتصاد صناعة المحتوى، بمشاركة أكثر من 15 ألف صانع محتوى يمثلون 190 دولة، ويتابعهم أكثر من 2.3 مليار متابع.

القمة التي تفوقت جماهيرياً على قمم الرؤساء والزعماء، ضمت أبرز المؤثرين على وسائل التواصل، من بينهم الأمريكي زاك كينج (لديه 175 مليون متابع)، والأسترالية ألكسندرا ماري هيرشي (125 مليون متابع)، والكويتي حسن سليمان المعروف بـ«أبو فلة» (63 مليون متابع)، واللبنانية سورثاني حجيج (60 مليون متابع)، والمكسيكي أليكسيس أومان (34.7 مليون متابع)، والسعودي أوسي (31 مليون متابع)، وآخرون.

قدرات نوعية

نحن أمام جيش خفي، لا يقل تأثيراً عن قدرات الأسلحة التقليدية في الجيوش النظامية؛ مثل المشاة، والبحرية، وسلاح الجو، والطائرات المسيرة، والأمن السيبراني، بل يتجاوز مداه ما تحدثه القنابل والصواريخ.

ما ينشره مؤثر، ويبثه صانع محتوى، على وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الفيديو، قد يجبر دوائر القرار على انتهاج سياسة ما، وقد يضع السياسيين تحت ضغوط للتراجع عن قراراتهم، وقد يدفع ظلماً عن ضعيف، وقد ينصف مظلوماً، ويردع ظالماً.

هذا الجيش العرمرم يتمتع بقدرات نوعية في التأثير والإعلام، وتشكيل الوعي، وحشد الجماهير، وترسيخ القيم، وتغيير المجتمعات، ورسم السياسات، وربما تغيير مجرى الحروب والتاريخ.

ما حدث مع نتنياهو، وما خلفته معركة «طوفان الأقصى»، وما أحدثته الحرب على قطاع غزة من تداعيات، ومن حراك على الساحة الدولية، وانتشار لحملة مقاطعة البضائع «الإسرائيلية»، ومن تنام للتظاهرات في عواصم الغرب، ومن اعترافات متتالية بالدولة الفلسطينية، كان نتاج تأثيرات عمليات هذا الجيش الذي قهر الاحتلال «الإسرائيلي» في معركة الوعي والمعرفة.

يسطر هذا الجيش الإلكتروني ملحمة بطولية، تقف وراء تسيير أسطول الصمود الذي يتجه إلى قطاع غزة المحاصر، والمكون من 50 سفينة محملة بالمواد الإغاثية والمساعدات الإنسانية، بمشاركة نشطاء ومؤثرين ومشاهير من 44 دولة، في أكبر مبادرة إنسانية عالمية كبرى، تهدف إلى كسر الحصار ومواجهة سياسة التجويع والإبادة التي ينفذها الاحتلال الصهيوني بحق سكان غزة.

اقتصاد ضخم

انتصارات «السوشيال ميديا» تضع الجميع أمام تحدٍّ كبير يتعلق بالاستثمار في قطاع صناعة المحتوى الذي يبلغ حجمه على مستوى العالم نحو 250 مليار دولار، وسط توقعات بارتفاع حجم هذه السوق ليصل إلى 480 مليار دولار بحلول العام 2027م، وتريليون و487 مليار دولار بحلول العام 2034م.

هذا النمو الهائل يستند إلى الانتشار الواسع للمنصات الرقمية مثل «فيسبوك» و«تيك توك» و«يوتيوب» و«واتساب» و«إنستغرام»، وتزايد إقبال البشر حول الأرض على استخدام وسائل التواصل والتسويق الرقمي والتجارة الإلكترونية، ضمن ما يعرف بـ«اقتصاد المبدعين».

ومن المتوقع أن تصل سوق مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي إلى 5.4 مليارات شخص حول العالم بنهاية العام الجاري، وسط تقديرات حديثة بنمو عدد المبدعين البالغ عددهم 50 مليوناً بمعدل نمو سنوي مركب يتراوح بين 10 و20%، خلال السنوات الخمس المقبلة، وفق بيانات صادرة عن شركة «غولدمان ساكس» للأبحاث (مقرها نيويورك).

وبحسب تقرير لمنصة «ماركت. يو إس» المتخصصة في أبحاث السوق، فإن دول أمريكا الشمالية استحوذت على أكثر من 35.1% من حصة المؤثرين عالمياً، بحجم إيرادات زاد على 50 مليار دولار، العام 2024م.

غزو عربي وإسلامي

إزاء هذا المستقبل الواعد لاقتصاد صناعة المحتوى، أين يقف العرب والمسلمون من هذه الصناعة؟ وكم عدد المؤثرين العرب والمسلمين؟ ما حجم حصتنا في هذه السوق؟ وإلى أي مدى بلغ تأثيرنا على هذه الساحة؟ وكيف نغزو تلك المنصات بالمحتوى الهادف والنافع والطيب؟

تساؤلات عدة، ربما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة سباقة في السعي للإجابة عنها، حينما خصصت أكبر وأغلى جائزة عالمية لصناع المحتوى الهادف بقيمة مليون دولار، في محاولة لتعزيز الروح الملهمة والمساهمة في خدمة المجتمعات وترسيخ القيم الإنسانية النبيلة، وفاز بها صانع المحتوى البريطاني سايمون سكويب، مطلع العام الجاري.

الحقيقة المُرّة أن بعض بلادنا العربية والإسلامية لم تتجاوز مربع التنكيل بصناع المحتوى، وتوجيه اتهامات لهم بإساءة استخدام مواقع التواصل، ونشر أخبار كاذبة، وإشاعة الفجور، وهي اتهامات قد تكون حقيقية في بعض الحالات، لكن الواقع يحتم ضرورة تجاوز المعالجة الأمنية في ملف اقتصادي حساس ومغر، سيكون دعامة وركيزة رئيسة في اقتصاديات المستقبل.

الانطلاق نحو الاستثمار في صناعة المحتوى لم يعد ترفاً، بل ضرورة اقتصادية وسياسية وعسكرية ومجتمعية وثقافية وإعلامية، وقد بات سلاحاً فعالاً له الكلمة العليا في ميدان الوعي، وأداة قوية من أدوات القوة الناعمة، يحسب لها ألف حساب.

مقطع فيديو قد يقلب الموازين، صورة قد تربك الحسابات، كلمة قد تعدل ألف طلقة، بث مباشر قد يوقف نزيف دم، حملة رقمية قد تكبد المحتل خسائر فادحة، عريضة إلكترونية قد تجر المجرم إلى ساحات القضاء والمحاكم الدولية، مبادرة إنسانية قد توقف حرب إبادة، سفينة صامدة قد تكسر الحصار، مؤثر قد يقهر جيشاً.. فمتى نطلق النفير لغزو إلكتروني جديد؟


اقرأ أيضاً:

لماذا يدعم الشباب الأمريكي «حماس»؟ فتِّش عن «تيك توك»!

حين يُلهم المحتوى.. صناعة التأثير في العالم الرقمي

الانتفاضة العالمية الـمناصِرة لغزة.. والسيناريوهات المستقبلية

المحتوى الهادف في مواجهة أمواج اللهو الإلكتروني

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة