الحقوق والواجبات بين الأزواج والزوجات

رقية محمد

28 أغسطس 2025

228

عظّم الإسلام شأن الزواج، وجعله آية من آيات الله، فإن أحسن العبد تدبر هذه الآية ووُفق إلى تحقيق ما فيها من مقاصد شرعية وحسنت نيته ورجى تأسيس بيت مسلم على مراد الله؛ زكت نفسه وترقت في مدارج الإيمان، وكانت كل لحظة يبذلها في سبيل حفظ أسرته في ميزان حسناته، ولما كان حفظ الأسرة وصلاحها لا يقوم إلا بصلاح أسس البيت وهي العلاقة بين الزوجين؛ بين الإٍسلام تلك الحقوق والواجبات وشدد عليها، فلا بد من معرفة الزوجين بحقوق كل منهما وواجباته، ليقوم البيت على أساس متين لا عوج فيه، وهذه كلمات في ذلك.

1- الإعانة على طاعة الله:

جعل الإسلام الزواج حصنًا روحيًا لكلا الزوجين، فيُعين كل منهما الآخر على طاعة الله، ويشد كل منهما أزر صاحبه حين يفتر، وقد روي في الحديث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رحِمَ اللَّهُ رجلًا قامَ مِن اللَّيلِ فصلَّى وأيقظَ امرأتَه، فإن أبَتْ نضحَ في وجهِها الماءَ، رحِمَ اللَّهُ امرأةً قامَت مِن اللَّيلِ وصلَّتْ وأيقظَتْ زَوجَها، فإن أبَى نضَحَتْ في وجهِه الماءَ»(1).

وفي ذلك حث للزوجين أن ينشط كلا منهما صاحبه إذا تكاسلت نفسه عن الطاعات، وأن يصاحب ذلك الرحمة والتلطف والصبر والجدية في النصح، وكل ذلك مما يرقي الحب ويزيده.

2- الحقوق الخاصة بين الزوجين:

بين الإسلام أهمية إشباع الاحتياجات الجسدية للزوجين، فلا يهمل أحدهما حق الآخر، وبين أنهما لبعضهما كاللباس في شدة تلاصقهما وسترهما لبعضهما، فكل منهما يمنع صاحبه من الحرام بأن يعفه، قال الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة: 187).

وكعادة الشريعة تضفي على كل شيء قيمة تتجاوز قيمتها المادية؛ فقد أثابت على إشباع تلك الحاجة وجعلتها من الصدقة، جاء فيما رواه أبو ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «.. وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ»! قالوا: يا رسولَ اللهِ، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجرٌ؟! قال: «أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ؟»، قالوا: بلى، قال: «فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان له فيها أجرٌ»(2).

وفي هذه الصورة إعلاء قيمة ما بين الزوجين وبيان لأهميته، فمن المعلوم عدم استغناء الإنسان عن اللباس، وأنه من غير المعقول أن يمتنع اللباس عن احتياج صاحبه، فكذلك الزوجين لا يمتنع أحدهما عن تلبية احتياج صاحبه.

3- حفظ الأسرار:

من أعظم الحقوق والواجبات المشتركة بين الزوجين حفظ أسرار الحياة الزوجية، فهي أمانة لا يجوز إفشاؤها، فعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها»(3).

فالزوج والزوجة يكشفان لبعضهما ما لا يكشفاناه لغيرهما من أسرار مادية ومعنوية، وأي نزع بسيط لهذا الستر يهدد استقرار الزواج وأمانه، وما أشد الحاجة لتعلم هذا الخُلق بين الأزواج في عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي يستسيغ معها كثير من الناس كشف أستارهم أمام غيرهم بلا أدنى حرج!

4- حسن العشرة:

حث الوحي الزوجين على حسن العشرة، فقال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19)، ويتجلى ذلك في الصحبة الجميلة، وطيب الكلام والفعل، وطلاقة الوجه، والإحسان إلى بعضهما بعضاً، وكف الأذى، والرفق واللين، والتغافل عن الزلات والهفوات، فلا شخص يخلو من العيوب، وقد وجهت السُّنة لذلك، فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً إن سخِطَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخرَ»(4).

فلا يخلو المؤمن من خصال طيبة، ولا يخلو من مجاهدة لتزكية نفسه وإصلاحها، فمن حسن العشرة أن يتصبر الزوجان بالصفات الطيبة على ما لا يرضونه من صفات أخرى، ويسعى كل منهما لتزكية نفسه وصاحبه، وكل ذلك يرسخ المودة ويقوي الرابطة ويزرع الطمأنينة ويمنح الطرف الآخر شعوراً بالتقدير والرحمة، فيسود البيتَ جوٌّ من الستر والسكينة والاستقرار.

5- حفظ الأسرة والبيت:

حفظ الأسرة ورعايتها أمانة يشترك فيها الزوجان معاً، فليست واجباً مقصوراً على طرف دون الآخر، بل هي مسؤولية متبادلة تحفظ للبيت نظامه واستقراره، فعن عبدالله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ، فالإِمامُ راعٍ وهو مَسْؤولٌ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِهِ وهو مَسْؤولٌ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها وهي مَسْؤولَةٌ، والعَبْدُ راعٍ علَى مالِ سَيِّدِهِ وهو مَسْؤولٌ، ألا فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ»(5).

فالزوج والزوجة يكمل كلا منهما الآخر، ويقومان معا بحفظ البيت ورعاية الأسرة مادياً ومعنوياً، ليكون البيت مأوى للسكينة وميداناً للمودة، فيخرّج أبناء صالحين أسوياء نفسياً وبدنياً.

6- الميراث:

من اللمحات الطيبة التي يغفل عنها الكثيرون ثمرة بعض الحقوق التي شرعها الله عز وجل بين الزوجين بعد انتهاء الحياة الزوجية بالموت، مثل حق الميراث، فإنه يضمن استمرار المودة حتى بعد الفراق، وحفظ الحقوق المالية للأسرة، قال الله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَۚ وَلهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم) (النساء: 12).

فجعل الله للزوج نصيباً محدداً في تركة زوجته، كما جعل للزوجة نصيباً معلوماً في تركة زوجها، دخل بها الزوج أم لا، وسواء كان لها أولاد منه أم لا، وهذا التشريع الإلهي يحقق العدالة، ويمنع التنازع بعد الوفاة، ويؤكد أن رابطة الزواج ليست مؤقتة بالدنيا فقط، بل ممتدة بآثارها حتى بعد الموت.

إن تنظيم الإسلام للحقوق والواجبات بين الزوجين لم يكن مجرد تشريعات نظرية، بل هو بناء متكامل يهدف إلى إقامة أسرة متماسكة تقوم على السكينة والمودة والرحمة، فإذا التزم الزوجان بما شرع الله؛ استقام البيت، واطمأنت النفوس، وخرج جيل صالح يحمل قيم المسؤولية والمحبة، ليكون لبنة صالحة في بناء المجتمع المسلم.




________________

(1) حديث صحيح، رواه أبو داود (1308) واللفظ له، والنسائي (1610)، وابن ماجه (1336)، وأحمد (7404).

(2) رواه مسلم (1006).

(3) رواه مسلم (1437).

(4) رواه مسلم (1469).

(5) رواه البخاري (5188).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة