الخبير الرقمي أحمد الزعبي لـ«المجتمع»: الفراغ الروحي وراء الإقبال على السحرة

ثراء سريع بدون تكلفة.. اقتصاد يقوم على ضربات الحظ.. وبين ليلة وضحاها يتحول من الفقر إلى الثراء الفاحش.. أرقام مرعبة يجنيها السحرة والمشعوذون من الضحايا سنوياً.

لا يتعلق الأمر بطبقة معينة، خاصة من يبحثون عن «الترند» لحصد المشاهدات، حيث ولّد ذلك نوعاً من الهشاشة النفسية، التي لم تجد طريقاً لراحتها إلا عند المشعوذين وإنعاش جيوبهم بملايين الدولارات.

«المجتمع» تواصلت مع الخبير الرقمي أحمد الزعبي، الأستاذ بجامعة لوسيل في قطر، الذي كشف حجم التحديات التي تواجه الأوطان العربية، رغم انتشار التعليم ودخولها العالم الرقمي، لكن البطالة والهشاشة النفسية وتعفن الدماغ في صدارة هذه التحديات.

  • ينفق العرب سنوياً على الشعوذة والعرافين ما يزيد على 5 مليارات دولار، ويوجد مشعوذ لكل 5 آلاف شخص، كيف تقرأ هذه الأرقام؟

- هذه الأرقام تعكس بعداً ثقافياً واجتماعياً ونفسياً وإعلامياً معقداً وصعباً، وتفسر البعد الحقيقي عن منهاج النبوة، وتحديداً الجانب الاقتصادي الذي أصبح ضاغطاً على شريحة واسعة، التي للأسف لجأت إلى الاقتراض الربوي، فيصبح المرء مضطراً إلى إيجاد حلول للضغط النفسي والاجتماعي، فيلجأ إلى المشعوذين لحل مشكلاته.

  • كيف تفسر دور برامج الحظ وقراءة الأبراج والعلاج الروحاني في إذكاء تجارة الدجل والشعوذة بالعالم العربي؟

- مما لا شك فيه أن هناك بُعداً كبيراً عن تعاليم الدين الإسلامي، هذا بداية للأفراد، فالالتزام المسلم بالذكر والتحصين المستمر من وساوس الإنس والجن، لما وصلنا إلى ما نحن عليه.

وعلى صعيد المؤسسات، فهناك دول عديدة تحارب هذه البرامج الخطيرة على حياة الفرد، وتسن العديد من القوانين والتشريعات والأنظمة، والواجب على التشريعات أن تساهم في المزيد من التثقيف والتوجيه والتوعية المجتمعية، وأن تكون هناك عقوبات واضحة لمن يمارسها بشكل منظم.

  • لا تكاد تخلو دولة عربية من محلات تجارية تروج لمستلزمات ومستحضرات السحر والشعوذة، كيف تقرأ هذا في سياق «السوسيو اقتصادي» أو الاقتصاد الاجتماعي؟

- هذا مؤشر خطير، ويدل على زيادة الهشاشة الاجتماعية التي تكون نتاج ضعف الوعي العلمي، وغياب خدمات الصحة النفسية، والاضطرابات الأسرية، والاضطهاد السياسي.

«الترند» ولّد هشاشة نفسية زادت من رواج المشعوذين

كما أن المديونيات لدى العديد من دول العالم العربي تعاني من زيادة هائلة وغير واقعية؛ ما يعكس المزيد من الاقتصاد الاجتماعي ويكون في أسوأ أحواله.

  • وصلت فاتورة الشعوذة في مصر عام 2020م إلى 40 مليار جنيه، بم تفسر ذلك في دولة تعاني اقتصادياً؟

- بعيداً عن الأرقام، فالمواطن العربي المصري وغيره، الذي ترتفع لديه معدلات البطالة وارتفاع أسعار وفقدان الأمل، وغياب العدالة الاجتماعية، وصعوبة الحياة اليومية وغياب الثقة في المؤسسات الرسمية للدولة، يبحث عن سبب آخر يعلق عليه الفشل والفقر وهي الشعوذة وما رافقها.

ولا طريق إلا طريق العلم والمعرفة فقط، فبدونهما لا يمكن النهوض بالإنسان، الذي هو محور الخلق والتكليف، والذي أكرمه الخالق الله جلا وعلا بالعقل، ليكون خليفته في الأرض.

  • تونس ومصر والجزائر من الدول التي بها كثافة تعليمية، لكن يوجد حوالي 150 ألف مشعوذ في تونس، و300 ألف دجال وساحر بمصر، و20 ألفاً بالجزائر!

- هذا التساؤل يعكس حقيقة تناقض علم الاجتماع في عالمنا العربي، فارتفاع التعليم لا يعني ارتفاع الوعي المجتمعي بالخطر.

فأوطاننا تفتقد منظومة المعرفة والثروة والقدرة على حمايتها، ويمكن اختصاره بالتعليم والزراعة، فمن المفارقات ارتفاع التعليم بالوطن العربي يقابله ارتفاع نسب البطالة بشكل مرعب؛ ما يُشكل ضغطاً اجتماعياً هائلاً لدى الشباب.

كما أن المؤسسات الدينية التقليدية فقدت بريقها وتأثيرها على المجتمعات ومن أبزر أسباب ذلك جراء التدخل الرسمي بقراراتها أولاً، وثانياً: بُعدها عن الواقع الذي يعيشه الناس.

  • كشفت تقارير غير رسمية أن التجار ونساء بعض المسؤولين من أكثر زبائن المشعوذين، كيف تفسر هذه الظاهرة، ودورها في إنعاش تجارة الدجل والشعوذة؟

- هذه الظاهرة ليست شعبية لعموم الناس، بل تمتد إلى طبقات متوسطة وعليا كالتجار، وكذلك تنطبق الحال على النساء، سائلين الله الهداية للجميع.

شعوبنا تبحث عن سبب تعلق عليه الفقر وهي الشعوذة

 ومما يدفع الناس إلى ذلك الفراغ الروحي الكبير لدى هذه الطبقة، التي تعاني من القلق والفراغ والاضطراب العاطفي وغيره من تحديات القرن الحادي والعشرين.

  • في بعض الدول تصل نسبة مشاهير الفن والرياضة إلى قرابة 40% من رواد وزبائن المشعوذين، كيف تقرأ هذا الرقم بين هذه الفئة تحديداً؟

- تعتمد هذه الفئة على محفز نفسي خطير جداً، وهي لغة الأرقام والمتابعات والمشاهدين لما ينشرونه، وغالباً ما يعمل هؤلاء في بيئات تحكمها فرصة أو لقطة عابرة، والكثير من الحظ والصدفة.

وتساهم وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك سلباً لا إيجاباً، بحيث تجعل من بعض الفارغين مؤثرين على وسائل التواصل دون امتلاك الدليل العلمي والمنهجية الصحيحة.

صناعة المحتويات التافهة وراء ظاهرة «تعفن الدماغ»!

كما أن الشهرة و«الترند» خلق هشاشة نفسية، وكلما زادت الشهرة زادت الحاجة إلى طمأنة النفس بأنك خالٍ من العين والحسد والسحر، فأنت باستمرار تحتاج اللجوء إلى المشعوذين.

  • إذا سلمنا بانتشار السحر والدجل في بلدان بعيدة عن شرائع الإسلام، كيف تفسر ما كشفته «الداخلية» السعودية قبل أعوام عن ضبط مشعوذ أفريقي جمع 450 مليون دولار من ضحاياه؟!

- الإنسان عموماً حتى لو كان مقتدراً مالياً وارتفعت درجته العلمية يمكن أن يتأثر بكلام هؤلاء المشعوذين تحت الخوف أو الضغط بحجج واهية لا تمت للواقع بأي صلة.

لكن لا يمكن للعاقل والفرد المسلم الصالح أن يسير وفق عدة أمور مهمة في حياته، أكان شاباً أم كهلاً أعزب أم محصناً في بلاد الإسلام، أم في غيرها.

  • أكثر ما كشفته لغة الأرقام في العالم العربي والإسلامي أن أكثر رواد المشعوذين تتعلق بشر العين والجن، كيف تقرأ مثل هذه الصور في بلاد الإسلام تحديداً؟

- أصبح انتشار ظاهرة العين والجن من التفسيرات السريعة والجاهزة لحل المشكلات التي تواجه الفرد جراء عدم وعيه الكامل أو تقصيره المفرط في جانب من جوانب العلم والمعرفة.

يذكر أنه قد اختير في جامعة أكسفورد كـ«كلمة العام» في 2024م عن «تعفن الدماغ»؛ ليعكس المخاوف المتزايدة حول تأثير الاستخدام الرقمي على العقل، وهو مصطلح ثقافي يشير إلى التدهور العقلي أو الفكري الناتج عن الاستهلاك المفرط للمحتوى التافه وغير المحفز للتفكير.

فالمشكلات النفسية والاجتماعي المتعلقة بالإدمان والشعور بتلبس الجن والحسد والعين وغيره من الأمور التي أصبحت ترافق الأجيال القادمة لأمتنا.



اقرأ أيضاً:

الأكاديمي الموريتاني أحمد سالم لـ«المجتمع»: «شارع السحرة» بنواكشوط مملكة محمية من أصحاب النفوذ!

الأكاديمية أمينة جالو تكشف لـ«المجتمع» أسباب انتشار «سحر الفودو» في غينيا كوناكري

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة