الضفة الغربية.. بين نار الاستيطان وإرهاب المستوطنين
5655 كم2 هي
المساحة الإجمالية لمحافظات الضفة الغربية المحتلة ممثلة 21% من مساحة فلسطين
التاريخية من النهر إلى البحر البالغة 27 ألف كم2، تحتضن 3.4 ملايين فلسطيني، وفق
إحصاءات نهاية عام 2024م.
ومنذ احتلال
الضفة الغربية في عام 1967م، نفذ خططاً ومسارات على الأرض أداتها الاستيطان الذي
شجعته لغايات تفكيك الجغرافيا، ونفي أي إمكانية لإقامة كيان فلسطيني، وبات واحداً
من الأدوات والآليات التي تمثل الهيمنة الفعلية على الأرض المحتلة.
تحول
إستراتيجي في المشروع الاستيطاني
ويتفق خبراء الإستراتيجيا
والصراع على أن الاستيطان تجاوز فكرة الإسكان والتوسع وتحول لإستراتيجيا من أدوات
المشروع الصهيوني تلتقي وغايات تحويل جغرافيا الضفة، وتوفير الظروف القانونية
والديمغرافية لإلحاقها بالكيان في اختلال موازين الديمغرافيا وانفراط عقد الوجود
الفلسطيني المتناثر، وسط هيمنة على أكبر مساحة بأقل عدد من الفلسطينيين، وزرع
تجمعات استيطانية كعائق حالي ومستقبلي أمام التواصل الجغرافي الفلسطيني وحجر عثرة
أمام أي تسويات سياسية، وفي أحسن الأحوال منحهم حكماً ذاتياً محدوداً يفتقد
السيادة والحدود، ويسود المشروع الاستيطاني كأداة للأيديولوجيا التوراتية
والمحددات الأمنية والسياسية.
وتتعامل المؤسسة
الاحتلالية الرسمية مع الضفة كجوهر للمشروع الصهيوني وليست جغرافيا خاضعة للتفاوض،
وتمثل ضرورة أمنية إستراتيجية لحماية العمق «الإسرائيلي»، وتراها الخاصرة الضعيفة
للكيان، ويكشف خبراء الاستيطان أن 85% من مياه «تل أبيب» وضواحيها مصدرها جبال
نابلس الغربية، ويصفون محافظة سلفيت بالخاصرة الضعيفة لـ«تل أبيب» ومنطقة المركز.
وانتهج المحتل
سياسة المصادرة بمسميات قانونية وعسكرية بقوانين انتدابية وأوامر عسكرية بذرائع
الأمن القومي وأراضي دولة، تتحول لقمة سائغة بيد المستوطنين، تنتهي بمستوطنة أو
بؤرة استيطانية تنال دعم البنى التحتية والحراسات ومشاريع وشق طرق ودعم البناء
بإعفاءات ضريبية واسعة والاعتراف بها ومنحها مخططات هيكلية تعطيها قوة الابتلاع
والسرقة.
ويسأل سائل عن أسباب
اختيار الضفة بينما يشغل المحتل ما نسبته 17% فقط من مساحة الكيان الإجمالية، وهو
ما كشف عنه نتنياهو في زيارة مشتركة مع وزير خارجية أمريكي سابق بالمروحية في
أجواء الضفة، وقال له: انظر إلى هذه المساحة الضيقة من نهر الأردن للبحر المتوسط يستغرق
عبورها دقيقة ونصف، إنها حياتنا وأمننا الإستراتيجي!
لماذا
الضفة؟ الدوافع الخفية وراء التمسك بها
ووصل عدد
المستوطنين بالضفة 700 ألف يمثلون نحو 15% من سكان الكيان، تدفعهم رؤى توراتية
وأيديولوجية وتقف خلف ولعهم وتمسكهم بأرض الضفة كأرض للآباء والأجداد، وفق
معتقداتهم، وليست أرض الداخل، وتضم وفق أوهامهم أماكن مقدسة وتاريخية لهم كمدن
القدس والخليل وقمم الجبال يزعمون ارتباطها بالتوراة وأنبيائهم.
أراضي الضفة
تعتبر أراضي زراعية خصبة كما الأغوار ذات التربة الخصبة التي يقع في قلبها الحوض
الشرقي للمياه العذبة والحوض الغربي في غرب جغرافيا الضفة كمخزون إستراتيجي يعتبر
أحد أهم الأسلحة في ميدان الصراع مع المحتل، بينما تتموضع مستوطنات ومعسكرات
وأبراج اتصالات ومراقبة وتجسس، كما هي الحال مع قمم تل العاصور وجرزيم وعيبال
والشيخ يونس، بحيث يتم رصد كل حركات الفلسطيني ناهيك عن كونها نقاطاً متقدمة
للتجسس على الأردن وسورية.
وفي إحدى
الزيارات الموثقة لشارون في أجواء الضفة، نقلت وسائل إعلام عبرية وقتها أن أكثر ما
يمزق قلبه مناظر حقول الزيتون المنتشرة في التلال والجبال ومآذن المساجد المنتصبة
في المدن والقرى والمخيمات، وهو ما ينبئ عن العداء المستحكم للمستوطنين لحقول
الزيتون بالقطع والحرق واستهداف المساجد بالحرق والتدنيس والتخريب.
وكانت وسائل إعلام
عبرية نقلت، خلال أكتوبر الماضي، عن رئيس «الشاباك» الجديد الجنرال زيني تعنيفه
لكبار مسؤولي الدوائر بجهازه، ووجههم للامتناع الفوري عن تداول مصطلح «الضفة» في أحاديثهم
ومراسلاتهم، واعتماد مصطلح «يهودا والسامرة».
مخططات
متواصلة لابتلاع الضفة
ويسيطر الاحتلال
حالياً على ما نسبته 60% من أراضي الضفة المصنفة «ج»، وفق تصنيفات «أوسلو»، بينما
يعتبر خبراء الاستيطان مشروعي «أيالون» عام 1967م الاستيطاني، و«نجوم شارون السبع»
في تسعينيات القرن الماضي، أهم وأخطر المشاريع التي ابتلعت أراضي الضفة ومزقتها،
يضاف إليها الأمر العسكري رقم (50) عام 1983م المؤسس لشبكة طرق إستراتيجية لربط
المستوطنات ببعضها وتعزل التجمعات الفلسطينية، في الوقت الذي تشغل فيه ما نسبته 80%
من المستوطنات تلال وجبال الضفة المرتفعة مواقع طبوغرافية مرتفعة يبلغ عددها زهاء
150 مستوطنة، ونحو 130 بؤرة استيطانية جديدة تنثر الخراب والتهجير والهجمات
الإرهابية ليل نهار.
إرهاب
المستوطنين نشأ مع نشوء أول مستوطنة في الضفة نهاية عام 1967م في مستوطنة محولا في
الأغوار الشمالية، إلا إنه مع صعود اليمين المتطرف في الحكم ويمثلهم بن غفير،
وسموتريتش، تصاعد مؤشره بشكل جنوني رصدته المؤسسات الدولية واعترفت به وسائل إعلام
عبرية وأدانته شخصيات سياسية غربية تحت غطاء حرب الإبادة على غزة منذ أكتوبر 2023م،
في الوقت الذي يقطن فيه بن غفير في مستوطنة كريات أربع بالخليل، وسموتريتش في
قدوميم غرب نابلس، ولبيرمان في مستوطنة نكوديم في بيت لحم.
من
المراقبة إلى المشاركة.. جيش الاحتلال شريك في الجريمة
وتتنوع وسائل
سيطرة المستوطن على الأرض وتصب جميعها في خانة واحدة، وأبرزها ما ترصده الكاميرات
وتبثه مواقع التواصل الاجتماعي من تدمير لموسم الزيتون الذي فقد منذ احتلال عام
1967م مليون شجرة زيتون، منها ربع مليون شجرة خلال الـ15 عاماً الماضية.
حرق الأشجار
وقطعها وسرقة الأشجار العتيقة وزراعتها في المستوطنات ومدن الداخل ومنع المزارع من
الوصول للأرض وهدم الجدران الاستنادية وهدم البيوت في المناطق المصنفة «ج»، ويقف
خلفها مستوطنون وحراس أمن المستوطنات في محيطها والحواجز المنصوبة على بوابات
القرى أشكال من التخريب والإرهاب.
ويضاف لأنماط
إرهاب المستوطنين خطف المزارعين والأطفال وضربهم، ووصل الأمر إلى إطلاق النار
عليهم تحت حماية الجيش وقتلهم وحرق البيوت والمركبات وحظائر الأغنام، وسرقتها ونهب
أعلافها وتخريب خطوط المياه وشبكات الكهرباء والطاقة الشمسية، وتحول فيها الجيش من
المراقب الصامت إلى المشارك في الجريمة، كما كشفت عنه منظمات حقوق الإنسان «الإسرائيلية»
والدولية، ومنها «بتسيلم» و«السلام الآن» ومؤسسات الأمم المتحدة.
أهداف
الإرهاب وخلاصته.. التهجير وصناعة دولة المستوطنين
ولم تغب
المؤسسات التعليمية عن مخططات عدوان المستوطن وهمجيته؛ كتحطيم المدارس وبنيتها
كغرف متنقلة وبركسات وخيام في أرجاء الضفة من جنوبها لشمالها من أم الخير ومسافر
يطا وبيرين مروراً لفصايل وعرب المعرجات والمليحات بالأغوار وخربة إزيق في أقصى الأغوار
الشمالية، يضاف إليها حرق وتحطيم محتويات مسجد الشيخ في خربة طانا بيت فوريك،
وخربة الطويل في عقربا بمنطقة شرق وجنوب نابلس.
وبينما يبدو
إرهاب المستوطنين من الخارج محاولة سيطرة على الأرض وعنف جنوني، لكنه في طياته
يخفي جانباً من مخططات تهجير قسري تدريجي للمواطنين، وإخلاء للمجتمع الفلسطيني في أكبر
قدر من الأرض ليقيموا عليها دولة المستوطنين في الضفة ليكون مشروع حل الدولتين
جوهره دولة الكيان في الداخل المحتلة ودولة المستوطنين في الضفة الغربية، ومنح
الفلسطيني واحداً من خيارات سموتريتش الثلاثة التي نادى بها مؤخراً؛ وهي العمل
كعبيد في المصانع «الإسرائيلية» أو التهجير أو الموت.
اقرأ أيضاً:
«إسرائيل» تعيد رسم حدودها على حساب الضفة الغربية