العدالة الانتقالية وحقوق الضحايا في سورية.. تحديات الاستحقاق وسبل الإنصاف

معاذ الجاهوش

15 يونيو 2025

801

منذ ستينيات القرن الماضي، بدأ حزب البعث العربي الاشتراكي السيطرة على مقاليد الأمور في سورية، وكان الحزب غطاء للتمكن الطائفي النصيري، أو لنكون أكثر دقة كان غطاء لبعض النصيريين للسيطرة على الحكم في سورية، وكان حافظ الأسد على رأس مجموعة استطاعت السيطرة والتغلغل عبر الوقت بمفاصل الجيش السوري.

وبدأت المعارضة لمثل هذا التغلغل من فئات مختلفة من الشعب السوري وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمون السوريين، التي انتهت بمجزرة حماة في العام 1982م، وبعد ذلك دخلت سورية بفترة من الحكم البوليسي المرعب دامت إلى أن هلك حافظ الأسد في العام 2000م.

ومع تولي بشار الأسد مقاليد الحكم خلفاً لأبيه، بادر بعمل انفراجة من الحرية سميت «ربيع دمشق»، ولكن سرعان ما انقلب عليها بنصائح من أجهزته الأمنية، وعادت القبضة الأمنية لتحكم سورية وصولاً لعام 2011م حيث بدأ «الربيع العربي» من تونس لمصر حتى سورية.

التحديات التي تواجه سورية الجديدة وسبل التعامل معها في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية |  Mugtama
التحديات التي تواجه سورية الجديدة وسبل التعامل معها في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية | Mugtama
يُسلط البحث الذي تم تقديمه للمؤتمر الدولي الذ...
mugtama.com
×

وخلال 14 عاماً، قررت الدولة السورية بنكهة طائفية قمع ثورة الشعب السوري، واستخدمت خلال هذه السنوات أبشع الأساليب من اعتقال وقتل، وتدمير وتهجير، ومع نهاية العام 2024م استطاع الثوار هزيمة النظام وهرب بشار الأسد وتبخر جيشه وقواته الخاصة.

ورث الثوار تركة صعبة جداً ببلد منهار اقتصادياً، ومنهك اجتماعياً، وها هم يعملون بكل ما أوتوا من قوة على انتشال هذا البلد من واقعه المر.

ولعل ملف العدالة الانتقالية يكون من أهم الملفات التي يجب العمل عليها بأسرع وقت ممكن، ولقد أدرك الثوار أهمية هذا الملف وسارعوا لتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في يوم 17 مايو 2025م بموجب المرسوم الرئاسي رقم (20) الذي أصدره أحمد الشرع استنادًا إلى أحكام الإعلان الدستوري السوري، ونصّ المرسوم على استحداث «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية» بوصفها هيئةً مستقلةً تتمتّع بشخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري، على أن تمارس مهامها على كامل الأراضي السوريَّة.

مفهوم العدالة الانتقالية

وردت العديد من التعريفات للعدالة الانتقالية، فقد قدم تعريف شامل له في موسوعة «ماكس بلانك» للقانون الدولي العام، بأنه يصف العدالة الانتقالية مجالًا من مجالات القانون الدولي يهتم بمسألة كيفية مواجهة حالة انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات الإنسانية على نطاق واسع في الماضي في فترة الانتقال إلى السلام والديمقراطية.

كما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المقدم إلى مجلس الأمن بشأن سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع، العدالة الانتقالية للعام 2004م، بأنها النطاق الكامل للعمليات والآليات المرتبطة بها مع محاولات المجتمع للتصالح مع إرث واسع النطاق من الانتهاكات الماضية، من أجل ضمان المساءلة وخدمة العدالة وتحقيق المصالحة.

ولقد شاب عمل هذه الهيئة بعض البطء، بسبب الواقع الذي حصل من محاولات فلول النظام الانقلاب على الثورة، وكذلك الواقع الاقتصادي الصعب، وهذا البطء في الإنجاز ولَّد سخطاً مجتمعياً سرعان ما ازدادت وتيرته مع بعض إجراءات لجنة السلم الأهلي التي قامت بالإفراج عن مجموعة من ضباط النظام السابق بحجة أنه ثبت لديها عدم مشاركتهم في عمليات القتل وجرائم الحرب.

الطيار رغيد الططري: لم أقدم طلب استرحام للنظام طيلة 4 عقود.. وتوقعت سقوط الأسد |  Mugtama
الطيار رغيد الططري: لم أقدم طلب استرحام للنظام طيلة 4 عقود.. وتوقعت سقوط الأسد | Mugtama
«المجتمع» تحاور عميد المعتقلين السوريين الطيار رغيد الططري
mugtama.com
×

ويمكنني في هذا المقام اقتراح مجموعة من الخطوات تسرع من عملية العدالة الانتقالية وتخفف من السخط الحاصل لدى جماهير الشعب، وهي على النحو التالي:

1- إعلان قائمة بأسماء المطلوبين وبيان الجرائم التي ارتكبوها.

2- إعلان البدء بتشكيل المحاكم الخاصة بالعدالة الانتقالية على كامل التراب السوري والبدء بتلقي شكاوى المواطنين.

3- تأسيس صندوق لتقديم التعويضات المالية للمتضررين.

4- تشكيل لجان الدعم النفسي والاجتماعي التي تقوم بمقابلة المتضررين ومحاولة معالجة مخاوفهم وآثارها النفسية والاجتماعية عليهم.

5- استلهاما لتجربة جنوب أفريقيا بموضوع العدالة الانتقالية، يمكن ترتيب برنامج للمصارحات والمصالحات عن طريق عمل مقابلات بين الضحايا ومن ارتكب الجرم بحقهم.

6- عمل حملة إعلامية توضح الآليات المعتمدة لعملية العدالة الانتقالية وأطرها المكانية والزمانية.

سيكون من الصعوبة بمكان الوصول إلى عدالة ناجزة 100%، وهو أمر مسلَّم به من الجميع، ولكن البدء بالخطوات أعلاه يريح جماهير الشعب المتضررة، ويبعث الأمل بنوع من العدالة الأرضية، وتبقى العدالة السماوية ملاذ كل ضحية.

ختاماً، يجب أن تعمل هيئة العدالة الانتقالية مع لجنة السلم الأهلي كجناحين لجسم واحد، لكي نتمكن من التعافي والعودة لمجتمع منسجم نوعاً ما، هذا التعافي سيمكن الدولة من التركيز على الخطة الاقتصادية وإعادة الإعمار والتعليم في جو من الأمن يستقطب المستثمر ويحرك عجلة العمل والاقتصاد.


_____________

كاتب سوري، رئيس سابق للحزب الوطني للعدالة والدستور (أسس بالمهجر 2013م).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة