العروبة.. ثقافة لا سياسة

كان حزب البعث
العربي الاشتراكي البائد في بلاد الفراتين أسوأ أكذوبة روجت للمقولة الممجوجة «أمة
عربية واحدة ذات رسالة خالدة»!
إذ إن الحزب
ورعاياه ما كانوا إلاّ تلاميذ صغاراً في حجر المؤسس الماركسي زكي الإرسوزي (ت 1968م)
الذي لم يعرف العربية إلاّ تعلُّماً، ولم يعرف الإسلام إلاّ اطلاعاً قاصراً، وكذلك
ميشيل عفلق (1910 – 1989م) الذي أشيع أنه أسلم قبل موته، وما كان ذلك إلاّ ترويجاً
للرد على المقولة: «إنهم تلاميذ لمؤسس حزبهم المسيحي ميشيل عفلق»، الذي يقال: إن
أصله يهودي، واسمه الأصلي «ميشو».
العروبة مقابل الإسلام
مشكلة الحزب، بل
معضلة وفاصلة كل دعي عروبي كذوب، أو قومجي، أنه يطرح العروبة في مقابل الإسلام، بل
ينعى على الإسلام أنه يفتت القومية العربية؛ بين عرب وغير عرب، من شتى الأجناس
والأعراق!
وهذه دعوة جهولة
عوراء، وشعوبية منقوصة بلهاء، فما ارتفعت راية العروبة، ولا عزت، ولا كان لها شأن
إلا بالإسلام.
وما هدأت دعاوى
الشعوبية، ولا خفت صوت العرقية، ولا تطامن غير العرب إلى العرب إلا بعد أن هذبهم
الإسلام، ورفع من بداوتهم وهمجيتهم، ونفخ فيهم من روحه الحي البناء.
قوة دافعة
والقوميون العرب
لا ينفون فضل الإسلام على القومية العربية، باعتباره قوة دافعة للفتوحات العربية،
وانتشار لغتهم في العالمين، ولكنهم يمتدحون الإسلام -حسب زعمهم- بقدر ما أضاف
للعروبة فقط! وشتان بين الغايتين.
لقد كانت القومية العربية في منشأها ومنبتها إحدى لعنات القومية الطورانية التركية، فما زأرت القومية العربية إلا عندما دخلت الخلافة العثمانية مرحلة «التتريك» بعد انقلاب القوميين الطورانيين الأتاتوركيين، من عصابات «تركيا الفتاة» ومن لفّ لفّهم.. ولو علت هذه النعرة لأصبحنا عشرين قومية أو يزيد! ما بين ترك، وفرس، وبربر، وعرب، وزنج، وكرد، وتركمان، وهنود، وتتر.
النشيد الرسمي للحزب
ولقد نظرت إلى النشيد الرسمي لحزب البعث، الذي كتبه سليمان العيسى باعتباره لسان حال هؤلاء الأدعياء الذين مزقوا كل وحدة يدّعون، وفتتوا كل قطر يقطنون، فلم أجد فيه رائحة لدين، أو أثارة لأي معنى مقدس.
يقول العيسى:
يا شباب العرب
هيا وانطلق يا موكبي
وارفع الصوت
قويا عاش بعث العرب
نحن فلاح
وعامل وشباب
لا يلين
نحن جندي مقاتل نحن
صوت الكادحين
من جذور الأرض
جئنا من صميم الألم
بالضحايا ما
بخلنا بالعطاء الأكرم
موكب الثوار
واحد أو
يقال الظلم زال
صامداً يا بعث
صامد أنت في ساح النضال
وحّد الأحرار
هيا وحّد الشعب العظيم
وامض يا بعث
قويا للغد
الحر الكريم
ففضلاً عن ركاكة
المعاني، وضحالة الأفكار، وسذاجة الشعر، وافتعال الرنين، وسماجة الإبداع، وسخف
التكلف، فإن هذا النشيد يصلح أن يكون نشيداً لمدرسة صناعية صغيرة، أو عمال حقل
بعيد، أو هتافاً لجماعة كادحة من عمال التراحيل، ولا يرقى أبداً أن يكون منطلقاً
فلسفياً لأمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة.
عشرة أعراق
نحن أمة يجمعها
الإسلام، ويضيف إلى عروبتها، تعريب لسان عشرة أعراق من أقدم أعراق أهل الأرض.
فليطامن
العروبيون من روعهم، فإن الطريق إلى الوحدة الإسلامية، يمر من خلالهم، ويضيف إليهم
بعداً وعمقاً، وزخماً عالمياً هائلاً.
ثقافة لا سياسة
رحم الله
الفيلسوف د. زكي نجيب محمود، الذي لخص القضية بقوله: «إن العروبة يجب أن تكون
ثقافة لا سياسة»، فالإسلام هو لسان البلاد التي أسلمت وتم تعريبها، والبلاد التي
تعربت ولم يتم إسلامها، «وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، إنما العربية اللسان».