الفقر والجريمة.. أيهما أشد خطراً على المجتمع؟

محرر المنوعات

28 أغسطس 2025

132

الفقر والجريمة، علاقة متشابكة معقدة، ليس من الضروري الاتفاق على قوة هذه العلاقة من عدمه، لكن يكفي الاعتراف الكامل بوجودها، والتاريخ أصدق شاهد، وخير دليل، فما من مجتمع ظهر فيه الفقر، وشاع بين جماعاته وأفراده؛ إلا ولدت فيه الجريمة، وأصبحت تتغذى وتقوى على الفقر والحاجة، وسرعان ما تكشف عن أنيابها، لتلتهم خضرة المجتمع ويابسه، الأمر الذي يثير التساؤل: أيهما أشد خطرًا على المجتمع؛ الفقر أم الجريمة؟

علاقة الفقر بالجريمة

حينما يعجز الفقر عن الوفاء باحتياجاته الضرورية يعد فقيرًا، وتقرر الإحصاءات والأبحاث أن هناك علاقة وطيدة بين الفقر والجريمة، ففي الأحياء الفقيرة التي تقطنها طبقات فقيرة تنتشر جرائم السرقة، والمشاجرات، والقذف أو السب، وربما القتل في بعض الأحيان، والعلاقة بين الفقر والجريمة تؤخذ شكلين:

1- علاقة مباشرة: تتحقق في حالة ما إذا دفع الفقر أو الحاجة المادية صاحبه لارتكاب جريمة معينة، كالشخص الجائع الذي تدفعه حاجته إلى الطعام للسرقة ليسد رمقه.

2- العلاقة غير المباشرة: لا يشترط في هذه العلاقة أن يسرق الفقير مباشرة حينما يشعر بالجوع، لكن الجرائم تأتي كنتيجة غير مباشرة للفقر، كأن يكون الفقر سببًا في أن يسكن صاحبه في أحد الأحياء سيئة التنظيم، وقد يضطر إلى أن يشارك السكن مع بعض الأشخاص، ومن ثم يمكن أن تدور بينهم المشاحنات التي تتسبب في حدوث بعض الجرائم كالضرب، والاعتداء وما إلى ذلك.

فأياً كانت طبيعة هذه العلاقة، فهي موجودة بالفعل سواء أدى الفقر إلى الجريمة بشكل مباشر، أو نتيجة الظروف المختلفة التي تحيط بالفقير، وتمثل وسطًا منشطًا للجريمة.

العلاقة بين الفقر والجريمة في المجتمع الدولي

امتدت دراسة بالولايات المتحدة الأمريكية لثلاثة عقود، وتوصلت الدراسة إلى أن الولايات التي تعاني من مستويات مرتفعة من الفقر، وعدم المساواة في الدخل، هي الأعلى في معدلات الجريمة والقتل، وفي عامي 2019-2020م لوحظ زيادة معدلات جرائم القتل في 46 ولاية، ومن اللافت أن هذه الولايات هي نفسها التي تعاني من ارتفاع نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر، إضافة إلى عدم المساواة في الدخل.

وفي ذات الصدد، أكدت دراسة أخرى في المملكة المتحدة عام 2015م أن المناطق الأكثر حرمانًا وفقرًا ترتفع فيها مستويات الجريمة خاصة الجرائم العنيفة بنسبة عالية، وأصبح هذا النوع من الجرائم أكثر تركيزًا داخل هذه المناطق.

العلاقة بين الفقر والجريمة في المجتمع المحلي

على الرغم من الانضباط الأخلاقي في المجتمعات المحلية الناتج عن المرجعية الإسلامية، فإن هذه المجتمعات لم تخل من ارتفاع معدل الجريمة في المناطق التي تعاني من زيادة الفقر، وذلك الذي أكدته العديد من الدراسات التي تم إجراؤها في العديد من الدول العربية، فعلى سبيل المثال، قام أحد الباحثين في إحدى الدول العربية بإجراء دراسة عن أسباب الجرائم المنظمة في دولته، وأسند هذه الجرائم إلى عوامل اقتصادية بحتة مرتبطة إلى حد كبير بالفقر.

نسب وإحصاءات

تقدر نسبة السكان في المنطقة العربية الذين يعيشون على أقل من 2.15 دولار يوميًا بحوالي 20.2%، وهو أكثر من ضعف المعدل في عام 2015م الذي بلغ 9.5%، وبعد أن تم استخدام حدود الفقر الوطنية وتحليلها عام 2023م؛ قدر أن أكثر من ثلث سكان المنطقة العربية (35%) فقراء وفق خط الفقر الذي تعتمده «الإسكوا».

ومن جهة أخرى، تتأثر معدلات الجريمة (الاعتداء، السرقة، جرائم النصب.. إلخ) بشكل مباشر بزيادة معدل الفقر، حيث شهدت الدول التي تعاني من مستويات مرتفعة من الفقر، معدلات مرتفعة من الجرية، وعلى الجانب الآخر؛ فإن الدول التي بها مستويات منخفضة من الفقر كالكويت، والسعودية، والإمارات شهدت مؤشرات جريمة منخفضة.

النظريات المفسرة لارتباط الفقر بالجريمة

هناك العديد من النظريات التي حاولت تفسير العلاقة الارتباطية بين الفقر والجريمة، ومنها النظريةالاقتصادية التي تشير إلى أن الفقر يؤدي إلى قلة الفرص الاقتصادية؛ الأمر الذي يدفع الأفراد إلى الانخراط في بعض الأنشطة الإجرامية كوسيلة للبقاء، أما نظرية الفوضى الاجتماعية تفترض أن الفقر يؤدي إلى انهيار الهياكل الاجتماعية، وهذا في حد ذاته يقلل الرقابة الاجتماعية؛ وبالتالي زيادة احتمالية ارتكاب الجرائم، والنظرية الثالثة هي الإجهاد، وفسرت هذه النظرية العلاقة بين الفقر والجريمة أن الفقر يخلق العديد من الضغوط النفسية على الأفراد؛ ما يدفعهم أحيانًا إلى اتخاذ سلوك إجرامي كوسيلة للتعامل مع هذه الضغوط.

الفقر والجريمة.. أيهما أشد خطرًا على المجتمع؟

يتبين من الإحصاءات والنظريات والدراسات السابقة أن الفقر أشد خطرًا على المجتمع من الجريمة؛ ذلك لأن الأول هو الذي يؤدي إلى حدوث الجرائم وانتشارها وليس العكس، والمجتمع الدولي والمحلي خير شاهد على اتجاهات هذه العلاقة سواء في الماضي أو الحاضر؛ لذا يجب على الدول التي تسعى لتقليل مستوى الجريمة أن تقلل أولًا نسب الفقر كوسيلة للحد من السبب الرئيس للجريمة.

____________________

1- غنام محمد غنام، كتاب علم الإجرام وعلم العقاب، المنحل للنشر والتوزيع، 2015، ص122.

2- https://n9.cl/3g7b1o.

3- https://n9.cl/kaosm.

4- https://n9.cl/174uyu.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة