الفنون الشعبية الفلسطينية والحفاظ على الهوية
تعتبر الفنون الشعبية والموروثات الفنية جزءاً أصيلاً من ثقافة الشعوب وهويتها، فهي تنقل جملة العادات والتقاليد من الماضي إلى الحاضر، ومن ثم إلى المستقبل إذا تم الحفاظ عليها دون تغيير جوهري، ودون التأثر بثقافات أخرى.
وقد ساهمت الفنون الشعبية الفلسطينية في الحفاظ على مجموع التراث الفلسطيني وصبغته بروح من الصعب التخلص منها أو النيل من أصالتها، تناقلته الأجيال ليصير جزءاً من التغريبة الفلسطينية حيناً، ويصير جزءاً من حالة النضال المرتبطة بالأرض المقدسة أحياناً أخرى.
ويعد التراث الشعبي والفلكور الفلسطيني إحدى أهم دعائم القضية الفلسطينية اليوم سواء بداخل الأراضي المحتلة أو خارجها؛ «ويمثل الجذور الضاربة للشعب الفلسطيني في التاريخ التي تعود بأصالتها وأصولها إلى الحضارة الكنعانية الأولى على الأرض الفلسطينية قبل آلاف السنين، لتدل على أصالة هذا الشعب وقدرته على الصمود في وجه المتغيرات والنكبات»(1).
وبما أن الفنون عامة، والفنون الشعبية خاصة تعتبر لغة وصل مهمة بين الشعوب، فقد أدت الفرق الشعبية الفلسطينية دوراً حضارياً كبيراً في الحفاظ على القضية حية في قلوب المتابعين، ويكفي الآن أن ترى الدبكة الفلسطينية لتحدد هويتها فوراً، أو الزي الفلسطيني، أو فنون التطريز للثوب المعروف للمرأة الفلسطينية، كذلك «المقلوبة»(2)؛ وهي أكلة شعبية يشتهر بها أهل فلسطين خاصة بالقدس الشريف، ومن المميز من الفنون الشعبية الفلسطينية تلك الأصوات المميزة والرائعة للأنشودة الفلسطينية التي تشحذ روح الجهاد، وتشعل حماسة المستمعين.
دور الفنون الشعبية في الحفاظ على الهوية
1- التعبير عن الهوية الوطنية: تمثل الفنون الشعبية وسيلةً لتعزيز الهوية الفلسطينية وتذكير الأجيال الجديدة بتراثهم وتعبيراً عن الهوية الوطنية.
2- تعمل الفنون الشعبية على مواجهة محاولات الاحتلال لطمس التراث الفلسطيني والاستيلاء عليه.
3- تروج العروض والمهرجانات الدولية، فتستخدم الفنون الشعبية كأداة لنقل قصة الشعب الفلسطيني وثقافته للعالم.
أنواع الفنون الشعبية الفلسطينية
1- الدبكة الفلسطينية(3):
تعد الدبكة الفلسطينية واحدة من أهم رموز التراث الفلسطيني العريق، الذي امتد عبر العصور منذ الكنعانيين وحتى أيامنا الحالية، وهي رقصة شعبية على إيقاع الأغاني الفلكلورية الفلسطينية المستوحاة من التراث الفلسطيني، وبحسب المهتمين بالتراث، فإن الدبكة الفلسطينية هي بالأساس طقوس كان يمارسها الفلسطينيون في العصور السابقة، ومع مرور الزمن تحولت هذه الطقوس إلى رقصات وحركات تعبر عن الأفراح والاحتفالات، ويكاد لا يخلو أي احتفال فلسطيني من الدبكة، وهي بذلك من أبرز الفنون الشعبية التي تعبر عن الروح الجماعية الفلسطينية.
2- الأغاني التراثية:
تتنوع الأغاني الفلسطينية بين الأغاني الحماسية، وأغاني الحصاد، والعتاب، والزجل، تحمل هذه الأغاني مضامين تاريخية واجتماعية تُعبّر عن القضايا الوطنية والأحداث اليومية، ومن هذه الأغاني المؤثرة والحزينة في ثلاثينيات القرن الماضي:
من سجن عكا وطلعت جنازة
محمد جمجوم وفؤاد حجازي
جازي عليهم يا شعبي جازي
المندوب السامي وربعة وعموما
محمد جمجوم ومع عطا الزير
فؤاد حجازي وعز الدخير
انظر المقدر والتقادير
بأحكام الظالم تايعدمونا
3- الزي التراثي الفلسطيني:
يُعتبر الزي الفلسطيني التقليدي، بتطريزاته المميزة وألوانه الزاهية، أحد رموز الهوية الفلسطينية، وبالرغم من أن البعض يحسب أنه زي واحد تتميز به فلسطين، فإن كل مدينة من مدنها تتميز بزيها الخاص، لكنه يتشابه مع بقية المدن إلا في تفاصيل يعرفها أهل فلسطين، فهناك الزي المجدلاوي، وهناك ثوب التوبيت السبعاوي، وثوب الجلجلي، والثوب المقدسي والثوب النابلسي، وثوب جنين، لكن يظل الثوب الفلسطيني علامة عالمية معروفة وخاصة بأهل الرباط.
4- الحِرف اليدوية:
وتشمل التطريز، وصناعة الخزف، والنحاسيات، وهي مهن تعبّر عن الجماليات الثقافية والإبداعية للشعب الفلسطيني، وتربط الأجيال الجديدة بجذورهم التاريخية.
من أشهر فرق الفنون الشعبية في فلسطين
1- فرقة جامعة الاستقلال للفنون الشعبية:
تأسست «فرقة جامعة الاستقلال للفنون الشعبية» عام 2011م، لتقدم أعمالاً فنية فلكلورية ومعاصرة، تساهم في إحداث التغيير في الإنسان والمجتمع، من خلال ممارسة فنية جمالية تمثل جزءاً من التراث الشعبي الفلسطيني، ولتعكس التنوع الثقافي والاجتماعي لدى أبناء الشعب الفلسطيني.
2- فرقة الفنون الشعبية:
تأسست فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية عام 1979م بجهود نخبة من الفنانين المتحمسين والواعدين، ومنذ ولادتها، حرصت الفنون على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، من خلال مزيج من الرقص المستوحى من الفلكلور والرقص المستحدث الخاص بالفرقة؛ فجاءت أعمال الفرقة معبرة عن روح التراث الشعبي وعن الثقافة الفلسطينية.
3- فرقة الأصايل(4):
تأسست عام 1990م في بلدة دير الأسد في الجليل الفلسطيني الأعلى المحتل منذ عام 1948م، على يد المدرب يحيى أبو جمعة، وقد ضمت بعض الشباب من قرية دير الأسد.
4 - فرقة صمود(5):
تأسست فرقة صمود للدبكة والتراث الشعبي الفلسطيني في عام 1988م في بلدة بير زيت، وتبلورت فكرة تأسيس الفرقة بمبادرة شبابية بحتة أخذت على عاتقها حمل رسالة استنطاق البعد الفني للتراث الشعبي الفلسطيني والمحافظة عليه.
تواجه الثقافة والهوية على مستوى العالم عموماً أزمات طاحنة بحيث تضطر للمحاربة كي تحافظ على ما تبقى من أصولها في معظم الأقطار خارج نطاق الهيمنة الغربية الأمريكية ومشروع العولمة التي تستهدفه، ومن بين تلك الهويات والثقافات الهوية الفلسطينية، حيث تتعرض لنكبة كبرى يقوم بها الاحتلال القابع بها منذ عشرات السنين، فهو لم يكتف بسرقة الأرض وحدها، وإنما يحاول سرقة الهوية الثقافية ونسبهاً له زوراً وكذباً.
لقد قام الاحتلال بمحاولات لسرقة التراث وتقديمه على أنه جزء من تراثه، وتلك من أهم التحديات التي يواجهها الفن الشعبي الفلسطيني، أيضاً مسألة توريث الفنون لشباب جدد يستطيعون الانتقال بها للمستقبل دون تحريف أو تضييع جزء منها، ومن التحديات التي تواجهها انعدام الدعم المادي بصورة كبيرة، وذلك ما تعانيه كل فلسطين في كافة المجالات، وليس الهوية الثقافية وحدها.
سبل الحفاظ على الفنون الشعبية
وفي سبيل الحفاظ على الهوية الفلسطينية عبر الفن الشعبي، يجب أن تتضافر جهود عديدة ليتسمر دون انقطاع خاصة في ظل الحروب التي لا تكاد أن تتوقف، واستشهاد أعداد ضخمة من الفلسطينيين العاملين في الحقل الثقافي وغيره من الحقول الأخرى، ومن هذه الخطوات:
1- محاولة إدماج الفنون الشعبية في المناهج الدراسية.
2- تنظيم المهرجانات والفعاليات التراثية بشكل دوري خارج البلاد نظراً للظروف القائمة.
3- دعم الفنانين والحرفيين مادياً ومعنوياً.
4- توثيق الفنون الشعبية باستخدام الوسائط الرقمية، وذلك ما يحدث على شبكات التواصل الاجتماعي بالفعل، ومنها مراجع ذلك المقال ذاته، وهو جهد محمود يجب تقديم الشكر للعاملين عليه، ويجب دعمه بمواقع ومحاولات متعددة كي نضمن الحفاظ عليه حتى تزول الغمة عن هذا الشعب العظيم، ويتم تحرير كافة المقدسات على الأرض الطيبة.
_________________
(1) وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا).
(2) طبق فلسطيني رائج، إلى جانب المفتول والمسخن والمنسف، وتتكون من الدجاج والأرز والقرنبيط أو الباذنجان، بينما تختلف مكوناتها حسب الذوق المناطقي والفردي.
(3) نبيل القرعان (عادات وتقاليد).
(4) وكالة «وفا» الفلسطينية.
(5) المرجع السابق.