المرأة في المشروع الإسلامي.. أسيرات المقاومة نموذجاً

عزة مختار

29 يناير 2025

9186

ما زال الإسلام متهماً في قضايا حقوق المرأة في نظر الآخر وفي نظر بعض أبنائه الذين لا يعلمون عنه سوى أن ميراث الأنثى يعادل نصف ميراث شقيقها الذكر، وأن الزوج يحق له الجمع بين زوجتين أو أكثر، وأن الحجاب مفروض عليهن ليخفى جمالها ويهضمها حقوقها لتظل رهينة محبسين؛ الحجاب والجهل. 

وأن الإسلام منعها حقها في التعلم، وحقها في العمل والتكسب والاستقلال المادي، وأنه تركها نهبة للرجل بالمجتمع الذكوري؛ فصارت رهينة للأب قبل زواجها، وللزوج يرث مسؤوليتها بعد زواجها، وأنها عورة الصوت والجسد، وأنها ظلت هملاً حتى أتت العلمانية الغربية لتجعل لها قيمة، فخرجت للتعلم واقتحمت سوق العمل بدون ضابط أو قيد، ثم تطورت الأحداث المتسارعة لتحمل رياحها مفاهيم جديدة ربما كانت مفاجأة للمسلمين أنفسهم.

مفاهيم جديدة.. أم عودة للمفاهيم الأصيلة؟

تطورت الأحداث في المنطقة لتأتي لنا اليوم بأحلام الأمس، تتحرر سورية بعد نضال استمر 14 عاماً، ويعود أطفال دمشق الهاربون منها رجالاً فاتحين، وتتكون أول حكومة حرة، وإذ بنا نجد عائشة الدبس أول امرأة «محجبة» تتبوأ مكانة مؤثرة في مصاف حكومة انتقالية تدير مرحلة حرجة في سورية الجديدة بعد تحريرها على يد «الملتحي» أحمد الشرع، في نظام وجهته «جهادية»، وفي ظروف استثنائية وعالم مترقب، ليظهر كيف يفكر هؤلاء في المرأة وحقوقها ومكانتها التي يجب أن تتبوأها حين تستحق أن تصل بجهدها كإنسان وليس بواسطة لمجرد كونها امرأة، دون التعلل بحساسية الفترة الانتقالية، أو التعلل بوجوب إبعادها عن صدارة المشهد كي لا يطالها الأذى المحتمل.

ثم يأتي مشهد آخر تابعه العالم بكل تفاصيله يحمل سلوكيات مدهشة، فنرى كيف تتعامل المقاومة المبدعة في غزة الأبية مع أسيرات الكيان المحتل على أرضها، مشهد ربما كنا نقرأه في التاريخ الإسلامي في فترات عزة الأمة ورفعتها حين تتعامل مع أسراها وهي الأمة المنتصرة، كيف كانوا يطعمونهم، ويكسونهم، ويداوونهم. 

بل وكيف جعلت النصوص القرآنية نصيباً للأسرى من الإنفاق في سبيل الله، فقال الله تعالى في صفات الأبرار: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً) (الإنسان)؛ فساوت النصوص في الأجر بين إطعام المسكين مع اليتيم مع الأسير (غير المسلم). 

كنا نقرأ ولم نر، نقرأ وبعضنا يصدق، وبعضنا يقرأ عابراً لم يفكر، وبعضنا أطلق خياله وكأنها كانت حلماً وانقضى، لكن أن نراها اليوم حقيقة منقولة على شاشات التلفاز العالمية، فهذا هو الجديد الأصيل، هذا هو الفهم الذي يجب أن يكون، وحدث كحقيقة تجاوزت الخيال يوماً، وها هي تعاد بجيل جديد تكوَّن في سورية فحررها، وتكوَّن في غزة فصنع المعجزات وأجبر العالم على احترامه وتقديره وسماع روايته ليعاقب اليوم أستاذاً في جامعة بنسلفانيا على وصفه طالباً فلسطينياً بالإرهاب. 

فظهر هذا الذي صنع المعجزات بزيه العسكري المنمق بعد حرب إبادة، ليسلم الأسيرات في صفقة التبادل، وإذا به يجبر الأسيرات ليس قسرًا، وإنما بحسن معاملته لهن على شكره بلغته العربية، يخرجن معززات مكرمات وهن يرتدين زياً عسكرياً؛ أي أنهن كن في حالة حرب مفتوحة معه، لكنه المسلم المتهم بالإرهاب ظلمًا، المدافع عن تراب بلاده بدمائه الحرة، والقارئ الواعي لكتابه المنزل، والمطبق رغم الحرب والعداء لتعاليم دينه الذي ظلم حتى من أتباعه كثيراً، فيتقي الله فيهن، ليخرجن في أبهى صورة، مبتسمات، منمقات، نظيفات، لم يمسسهن بشر بسوء، فتدفعهن حسن المعاملة للانبهار ليخرجن وكأنهن عائدات من منتجع استجمام طويل، وليس من بين الأنفاق وصوت الرصاص والقنابل والموت غير المسبوق بالمدينة التي طال بلاؤها. 

فماذا يحدث؟ وكيف ذلك الرقي في المعاملة للمرأة؟ وليست مجرد امرأة، بل هي عدوة أسيرة على غير دينهم؟ إنه ليس فهماً جديداً لنصوص قديمة، وإنما هو فهم أصيل لنصوص باقية ما بقي الزمان.

يرى البعض أن مقياس الحضارة الإنسانية ظواهر عديدة، منها المنتج الحضاري ومستوى الفرد الاقتصادي، وحقوق الأفراد الاجتماعية والسياسية، لكننا نرى أن مقياس أي حضارة إنسانية هو الجواب عن سؤال محدد: كيف تعامَل المرأة في ذلك المجتمع؟ 

ولقد أثبت الأوائل، ومن أتى على فهمهم من الأواخر، أن المرأة بالفعل هي من يقاس عليها مدى التقدم الحضاري الذي أتى به الإسلام كمعتقد، وكشريعة، وكسلوك وحده يضمن حقوقها ومكانتها، فهي الأم التي بها ينال رضا رب العالمين، وهي الابنة التي بحسن تربيتها وتعليمها وتهذيبها يضمن دخول الجنة، وهي الأخت والخالة والعمة وحتى الأسيرة التي ببرها والإحسان إليها يدخل جنة الرضوان، هي أسيرته لكنه يغض الطرف عنها، هي أسيرته لكنه يجوع ليطعمها، هي أسيرته لكنه يموت دونها حتى تعود لذويها سالمة. 

ثم تتبلور نظرة العائدين من زمن العزة بفهمهم الأصيل في غزة حين نتابع مستوى نسائها التعليمي، وجهادهن الذي يعجز عنه رجال كثر، فأي قدر من العلم تلقته هؤلاء النساء ليكنّ بهذا الثبات؟! أي نوعية من الفهم تلقينها ليظهرن تلك البطولات؟! كيف تأتَّى لهن هذا الجلد؟! هل يمكن وصم هؤلاء النساء بالجهل وهضم الحقوق والتعرض للظلم المجتمعي؟


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة