المرأة والاستهلاك.. رؤية اقتصادية
شهدت السنوات
الأخيرة اهتماماً بالغاً بتفهّم سلوكيات المستهلك، ومبررات تصرفاته والتنبؤ بها
والنظر إلى المستهلك سواء أكان رجلاً أم امرأة أم طفلاً، من خلال علاقات التأثير
والتأثر، والاهتمام بالتغيّر الذي يحدث في سلوكياته وتحديد أسباب هذا التغيّر.
وقد تكون المرأة
الركيزة الأساس في الترشيد الاستهلاكي الاقتصادي، إذا اهتمت بهذا الجانب، ولكن
يلاحظ أن الرشد الاستهلاكي الاقتصادي لدى المرأة ليس بالشكل المطلوب، الذي ينبغي
أن يكون عليه سلوك المرأة الرشيد، فالمناسبات كثيرة والعادات والتقاليد والروابط
الاجتماعية عديدة.
وفي تحقيق صحفي حول «المرأة السعودية والرشد الاقتصادي»، برزت نتائج مهمة، منها: الرشد الاقتصادي للمرأة ليس بالقدر الكافي، ينبغي من وسائل الإعلام أن تسهم في نشر الوعي الاستهلاكي، برامج محو الأمية بحاجة الى معلومات تحث على الترشيد الاستهلاكي الاقتصادي.
وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن 88% من الأسر السعودية تنفق أكثر من حاجاتها الاستهلاكية.
ويمكن تحقيق
الرشد الاستهلاكي الاقتصادي عن طريق نشر الوعي الاستهلاكي بين الزوجات، وتدريس
مادة ترشيد الاستهلاك ضمن المواد الدراسية في مراحل مختلفة من التعليم، وعقد ندوات
نسوية تتعلق بالسلوك الاستهلاكي.
ويلاحظ أن
المجتمع النسوي تأثر بظاهرة المجتمع الاستهلاكي التي سادت معظم دول العالم
الإسلامي، وتحول أفراد هذه الدول إلى التطلعات العارمة للثراء السريع، وإلى اللهاث
وراء الكسب، من أجل استهلاك أوفر ورفاهية أفضل، والرغبة المستمرة في الشراء
والمزيد منه، حتى أصبح همّ أفراد هذه المجتمعات الوصول إلى مستوى المجتمع
الاستهلاكي الغربي.
تقول ديبره
فريدمان: إن تبنّي طرق حديثة في الاستهلاك هو شكل شائع للتغير، إن شراء واستخدام
الأدوات الحديثة يتطلب الاحتكاك بالقطاعات الحديثة في المجتمع وبالتالي اكتساب
أنماط سلوكية حديثة.
إن المرأة في
عصرنا الحاضر تعاني مثل الرجل من شهوة الشراء، أو إدمان الشراء، تقول الباحثة
الاجتماعية الأمريكية باتريشيا روبرتس: إن الإدمان على الشراء لا يقل خطراً
ودماراً نفسياً عن خطر الإدمان على الكحول والمخدرات!
ومن ثم يجب
توجيه الاهتمام إلى ظاهرة إدمان الشراء أو حمّى الشراء، يذكر بعض الباحثين أن
الإدمان على الشراء يمكن أن يكون رد فعل للكآبة والتوتر النفسي وحالات القلق، فيجد
المرء المتنفس الوحيد له في الإغراق في الشراء، فقد يشتري سلعاً ليس في حاجة لها، ويلاحظ
أن الرجال يشاركون النساء في رغبة الإغراق في الشراء، وقديماً قال الفاروق عمر بن
الخطاب لجابر بن عبدالله: أكلما اشتهيت شيئاً اشتريته؟!
ويَغْلُب على
السلوك الشرائي النسوي طابع التلقائية أو ما يسمى بالشراء النزوي، وهو شراء سلع لم
تكن في ذهن المشتري قبل دخول المتجر، وقد أثبتت الدراسات أن 60% من القرارات
الشرائية قرارات نزوية.
وقد أصبح هذا
النوع من الشراء عادة استهلاكية وظاهرة سلوكية شائعة، ومن تحقيق أجري حول «حمّى
الشراء» كانت الإجابات مؤيّدة تلك الظاهرة وذلك النوع من الشراء، يقول أحدهم: ننزل
إلى السوق ونستسلم للإغراء ونشتري ما لا نحتاج إليه، ويقول آخر: أتيت إلى السوق
وليس لدي نيّة للشراء وخطرت على بالي أشياء فاشتريتها، ويقول ثالث: أشتري أشياء
زائدة عن حاجتي.
ويتصف السلوك
الاستهلاكي للمرأة بأنه سلوك استهلاكي ترفي، يتم في شكل إنفاق على سلع ترفيهية أو
كمالية، من أجل المباهاة والمفاخرة، وبدافع حب الشهرة والتميّز، وهذا مظهر من
مظاهر البذخ والإسراف.
ولذا، كان
الاستهلاك الترفي إنفاقاً على سلع كمالية، وفي مناسبات غير ضرورية، يشوبه الإسراف
والتبذير، بقصد التباهي وحب الظهور وتعويض نقص اجتماعي معيّن.
تقول بدرية
المطيري، في تحقيق أجري حول «هوس التسوّق عند المرأة»: هناك من النساء من يشترين
أغراضاً ليست ضرورية ولا في حدود إمكانياتهن ويدفعن بالرجال إلى دفع الكثير وفوق
حدود إمكانياتهم!
لقد باتت حمى
التسوق تستشري كثيراً، لأن ضغوط الشراء الدعائية والتسابق من أجل رفع مستوى
المعيشة وتسهيلات البيع وأسلوب العرض، كل هذه الضغوط بجانب الدوافع النفسية التي
تتحكم أيضاً في الإنسان أوقعت أسراً كثيرة في شباك هذا الهوس غير الطبيعي.
وحول الدوافع
التي تذهب بالمرأة إلى إدمان هوس التسوق الانفعالي، تحدثت فوزية خليل من خلال
تحقيق أجري حول «هوس التسوق عند المرأة» قائلة: إن هذا الإدمان دائماً ما يكون
انفعالياً؛ أي يتولد في نفس الإنسانة ويدفعها في لحظة عابرة تحت قوة الاندفاع التي
تسيطر عليها من أجل تحقيق هذا الانفعال، وهذا يمثل عندها طريقة تعويض عن حاجات
ورغبات مكبوتة، فربما كان تكديس الأطعمة والملابس وملء المنازل بالمشتريات عند بعض
النساء لمعاناة عاطفية نتيجة حرمان أو قلق أو تعاسة زوجية أو انعدام أصدقاء أو قلة
حنان، وهذا الهوس أكثر شيوعاً بين النساء.
والشائع بيننا
أن المرأة أكثر إسرافاً من الرجل، سواء في ملبسها أو إنفاقها، ولكنْ هناك من
الرجال من هم أكثر إسرافاً في أموالهم وسلوكهم ومقتنياتهم، فالأمر نسبي، ويرتبط
بحجم ما يتوفر لدى الفرد من مغريات نحو الإسراف.
ويبقى السؤال
المهم: أيهما أكثر إسرافاً؛ الرجل أم المرأة أم الاثنان معاً؟
قيل: إن المرأة
وحدها هي المسؤولة.
وقيل: إن الرجل
وحده هو المسؤول.
والحقيقة: أن كلاً من الرجل والمرأة مسؤول، وإن كان الإسراف والتبذير أكثر في المجتمع النسوي نسبياً.
تقول صباح المالكي، في تحقيق أجري حول «الإسراف هل هو داء أم دواء؟»، وذلك في معرض إجابتها عن سؤال أيهما أكثر اسرافاً: إن المرأة أكثر إسرافاً من الرجل، حيث تحتاج إلى ملابس متعددة وأدوات زينة وأدوات تجميل، واحتياجات لمنزلها، وتحب تعدد الملابس لأولادها، ليكونوا في مظهر مناسب.
ولعل من المعلوم
أن تعاليم الإسلام تدعو إلى الحد من المبالغة في الإنفاق، والاكتفاء بالضروريات،
كما أن الاستغناء عن الفضول والاكتفاء بالضروريات مطلب رئيس، فللمرأة حق مثلاً في
التزين بكل شيء يزيد من جمالها وأنوثتها، ولكن بلا إفراط، ووفق الضوابط الشرعية
المرعية.
والإسلام يوصي
بالاعتدال في ارتداء الملابس ويكره التباهي والتكلف الزائد، ويستحب البساطة وينبذ
المبالغة في النفقات، ولهذا كان التوسط لُبّ الفضيلة، وهو خير الأمور.
ومن القواعد
الرئيسة التي يرتكز عليها النظام الاقتصادي في الإسلام قاعدة الوسطية، حيث لا إسراف
ولا تقتير، يقول تعالى: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى
عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) (الإسراء: 29)، ويقول سبحانه: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ
يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان: 67).
ومما سبق بيانه،
تختم هذه المقالة ببعض النتائج والحقائق، منها:
1- تبرز فوضى
الاستهلاك بشكل واضح، حينما تبدأ الزوجة بعرض نفقاتها، لتكون النتيجة أن نفقات من
السلع والمواد الغذائية تبتلع فعلاً الدخل الشهري حتى آخر ريال منه.
2- إن رغبة
الزوجة في الشراء، شراء ما تحتاجه وما لا تحتاجه، هو سبب لبعض المشكلات الزوجية.
3- يلاحظ أن
الإدمان على الشراء ينتشر كثيراً بين الناس غير السعداء في حياتهم الزوجية.
4- تنتشر
العقلية الاستهلاكية أو ما يعرف بالثقافة الاستهلاكية لأسباب عديدة، منها: حالة
الترف السائدة، واستيراد التقنية الغربية، والسيولة المالية.
5- يتولد من
الاستهلاك غير الرشيد آثار ونتائج غير حميدة على المجتمع، من مثل: التبذير وعدم
الاكتراث لذلك، والتفكك الاجتماعي، وإعاقة التوجيه الاجتماعي الإيجابي.
__________________
للتواصل: zrommany3@gmail.com.