«النانوكلاي» في الكويت.. إستراتيجية خضراء لتحويل الصحراء وتأمين الأمن الغذائي

تواجه دولة
الكويت كغيرها من دول الخليج تحديات بيئية واقتصادية متزايدة، أبرزها محدودية
الأراضي الصالحة للزراعة وشح الموارد المائية، تظل «رؤية الكويت 2035» رؤية طموحة
تهدف إلى تحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري، غير أن تحقيق الاستدامة والرفاهية
يتطلب أولاً تأمين الأساس من أمن غذائي وبيئي(1).
في هذا السياق،
يقف العالم على أعتاب ثورة زراعية غير مسبوقة، مصدرها ابتكار نرويجي يحمل اسم «النانوكلاي
السائل» (Liquid Nano
Clay - LNC)، هذه
التقنية القادرة على تحويل الصحاري الرملية القاحلة إلى تربة خصبة خلال ساعات
قليلة، لم تعد مجرد نظرية علمية، بل أصبحت واقعًا قيد التنفيذ، يقوده اهتمام
واستثمار عربي متصاعد، ما قد يسهم في تحول جذري في مستقبل الكويت الاقتصادي
والبيئي، وإعادة تعريف العلاقة بين الكويت وصحرائها.
تقنية «النانوكلاي».. استجابة لواقع التربة الكويتية
تبلغ نسبة
الأراضي الصالحة للزراعة أقل من 1% من مساحة الأراضي الكويتية(2)، حيث إن
التربة في غالبية الأراضي الكويتية هي تربة رملية سريعة النفاذية، وهذا يعني أن
مياه الري والأسمدة تُفقد سريعًا قبل أن تستفيد منها النباتات؛ ما يرفع تكلفة
الزراعة ويزيد الضغط على محطات التحلية والموارد المائية الجوفية.
البيئة
الكويتية، التي تتسم بالتربة الرملية السريعة التصريف للمياه وندرة الموارد
المائية العذبة، تُعد البيئة المثالية لتطبيق تقنية «النانوكلاي» السائل، الهدف
الرئيس للكويت في تعزيز الأمن الغذائي والبيئي يتطابق تمامًا مع الإمكانات التي
توفرها هذه التكنولوجيا.
ابتكار «النانوكلاي»
السائل الذي طورته شركة «ديزيرت كونترول» (Desert Control) النرويجية، يقدم حلاً مباشرًا وفعالاً لهذه المعضلة، في صورة «طين
نانوي سائل»؛ يتكون المحلول من ماء الري وجزيئات طينية متناهية الصغر (نانوية)،
يتم رش هذا السائل على التربة الرملية، تخترق جزيئات الطين النانوية سطح الرمل إلى
عمق الجذور (30-60 سم)، حيث ترتبط بحبيبات الرمل، هذا الارتباط يعيد تشكيل الهيكل
المسامي للرمل، محولاً إياه إلى نسيج شبيه بالإسفنج يحتفظ بالرطوبة والمغذيات،
وبالتالي تتحول التربة إلى أرض صالحة للزراعة عالية الغلة خلال 7 ساعات فقط من
الرش(3).
المكاسب المباشرة للكويت
تشير مصادر إلى
أن مؤسسي الشركة النرويجية «Desert
Control» أمضوا
سنوات في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الكويت ومصر والإمارات لاختبار منتج سابق؛
ما دفعهم إلى تطوير تطبيقات الطين النانوي السائل (LNC)، كحل لمشكلات
التربة الرملية والتصحر التي شاهدوها مباشرة في المنطقة، تطبيق الطين النانوي يؤثر
على:
- توفير المياه: أثبتت التجارب الميدانية انخفاضًا هائلاً في استهلاك مياه الري يتراوح بين 50% إلى 65%، مقابل استهلاك مرتفع جدًا للري اليومي قبل تطبيق «النانوكلاي».
- خصوبة التربة: تحتفظ التربة بعد استخدام الطين النانوي بالمغذيات وتوفر في استخدام الأسمدة.
- الإنتاجية الزراعية: سجلت الأراضي المعالجة ارتفاعات كبيرة في غلة المحاصيل؛ ما يعزز قدرتها على إنتاج الغذاء بكفاءة غير مسبوقة.
- الاستدامة:
يدوم تأثير التقنية على خصوبة التربة وقدرتها على الاحتفاظ بالماء لمدة تتراوح بين
3 إلى 5 سنوات(4).
الفرص الإستراتيجية للكويت
تمتلك الكويت
فرصًا إستراتيجية فريدة لتبني تقنية «النانوكلاي» السائل على نطاق واسع، تتجاوز
مجرد دعم المزارع التقليدية:
1- تحقيق
الاستدامة في مشاريع التشجير والبنية التحتية: تُستخدم التقنية في دول مجاورة، مثل
الإمارات، للحفاظ على المساحات الخضراء في المدن وملاعب الجولف والحدائق، ولضمان
استدامة الري وخفض الكلفة التشغيلية، إضافة إلى المزارع التجريبية التي أثبتت نجاح
زراعة محاصيل متنوعة في رمال دبي.
بالنسبة للكويت،
يمكن تطبيق (LNC) على:
- مكافحة التصحر والزحف الرملي: إنشاء حزام أخضر مستدام حول المناطق الحضرية لترسية الرمال ومنع تحركها.
- تخضير الطرق
والمشاريع الجديدة: ضمان نجاح خطط التشجير في مدينة الحرير أو المشاريع الإسكانية
الجديدة بأقل تكلفة مائية.
2- تنويع مصادر
الغذاء وتعزيز الأمن الغذائي: إن الهدف الأساسي للسياسة العامة للكويت في مجال
الزراعة توفير بعض الاحتياجات المحلية، ومع ذلك تعتمد الكويت بشكل كبير على
استيراد الغذاء، حيث لا تلبي الزراعة المحلية سوى جزء ضئيل من الطلب على الأغذية(5)،
وتطبيق «LNC» يفتح الباب أمام:
- استغلال المزارع الحالية بكفاءة: يمكن للمزارع في الوفرة والعبدلي (التي تتجاوز 500 قطعة أرض مساحة كل منها 50 ألف متر مربع)، استخدام التقنية لتقليل اعتمادها على المياه الجوفية (التي غالبًا ما تكون مالحة)، وزيادة إنتاجيتها.
- توطين زراعة
الأعلاف: زراعة الأعلاف الحيوانية (مثل البرسيم) محليًا بكفاءة مائية؛ ما يدعم
الثروة الحيوانية ويقلل فاتورة الاستيراد.
3- تقليل الأثر
البيئي والمالي لندرة المياه: الماء في الكويت مُكلف، سواء عبر التحلية أو ضخه من
الآبار، وأي توفير في استهلاك المياه يترجم مباشرة إلى:
- خفض التكاليف الوطنية: تقليل الضغط على محطات التحلية كثيفة الاستهلاك للطاقة.
- مواجهة التغير
المناخي: المساهمة في أهداف الكويت البيئية عبر استغلال الموارد بشكل أكثر
مسؤولية.
تحديات مستقبلية.. ما وراء النجاح الأولي؟
على الرغم من
النجاحات المذهلة، يبقى انتشار هذه التقنية على نطاق واسع مرهونًا بالتغلب على
تحديات رئيسة، منها:
1- التكلفة
الأولية: قد تكون التكلفة الأولية لمعالجة الهكتارات الشاسعة مرتفعة، تتراوح بين
1800 -9500 دولار أمريكي؛ ما يجعلها غير قابلة للتنفيذ لأغلب المزارعين، ومن ثم
تتطلب دعمًا حكوميًا أو تسهيلات ائتمانية للمزارعين الصغار.
ومع ذلك، فإن
الاستثمار في تحسين أساسات التربة له قيمة هائلة، وفقًا لتقدير الأمم المتحدة
مقابل كل دولار يُنفق على استصلاح التربة والأراضي، يتحقق عائدًا يتراوح بين 7 و30
دولارًا أمريكيًا من زيادة الإنتاج وتوفير فواتير المياه والأسمدة؛ ما يجعله
مجديًا اقتصاديًا على المدى الطويل(6).
2- نقل
التكنولوجيا وتوطينها: لضمان استدامة المشروع، يجب العمل على توطين تصنيع «النانوكلاي»
السائل وتطويره محليًا بدلاً من استيراده.
3- الملاءمة
البيئية: التأكد من أن الطين المستخدم طبيعي ومناسب للبيئة المحلية، وهو ما تؤكده
الشركة النرويجية بأنه منتج طبيعي 100%.
خارطة طريق للتبني الوطني في الكويت
لتحويل
الإمكانية إلى واقع مستدام في الكويت، يجب اتخاذ خطوات واضحة:
1- الشراكة
البحثية مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (KFAS): إطلاق
دراسات تجريبية موجهة محليًا لقياس الأداء الفعلي لـ«النانوكلاي» السائل في بيئة
الكويت ذات التحديات المناخية والملوحة المحددة.
2- التوسع في
القطاع الزراعي: دعم المزارعين في المناطق الزراعية كالوفرة والعبدلي ببرنامج
إعانات أو قروض ميسرة لتبني التقنية، مقابل التزامهم بخفض استهلاك المياه.
3- دمج التقنية
في مشاريع البنية التحتية: جعل تطبيق تقنية «LNC» إلزاميًا
للمساحات الخضراء في المشاريع الحكومية الكبرى لضمان استدامتها وكفاءتها المائية.
4- البعد
التنظيمي والتشريعي: وضع معايير قياسية وطنية لجودة «النانوكلاي» المستورد من خلال
الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية الكويتية، بالإضافة إلى تخصيصها لأراضٍ
تجريبية واسعة النطاق لإجراء تقييمات حكومية مستقلة وضمان التطبيق المسؤول
للتقنية.
خلاصة الأمر؛ تُقدم
تقنية «النانوكلاي» السائل للكويت فرصة ذهبية للجمع بين طموح التنمية ورؤية
الاستدامة، إنها ليست مجرد إضافة زراعية، بل هي أداة إستراتيجية تتيح للكويت تحويل
تحديات التربة والمياه إلى فرص لتعزيز أمنها الغذائي، تماشيًا مع أهداف «كويت جديدة
2035» لبناء مستقبل أخضر ومستدام على رمالها الذهبية.
_______________________
(1) الأمانة
العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، (2020)، «الكويت تقرير الاستعراض الوطني
الطوعي الثاني بشأن أهداف التنمية المستدامة»، متاح على: https://www.scpd.gov.kw/archive/VNR2_Arabic_Final.pdf
(2) الهيئة
العامة للبيئة (2019)، «التقرير الحولي الأول الخاص باتفاقية الأمم المتحدة
الإطارية بشأن تغير المناخ»، متاح على:
https://epa.gov.kw/Portals/0/PDF/KuwaitBiennialReport.pdf
(3) Kamel A. Abd-Elsalam et al. (2024). “Liquid Nanoclay:
Synthesis and Applications to Transform an Arid Desert into Fertile Land”, Soil
Systems, 8(3), 73. https://www.mdpi.com/2571-8789/8/3/73
(4) Corsa Liu. (2020). “Liquid Nanoclay: Transforming Soil
to Shape the Future of Farming”. earth.org.
https://earth.org/liquid-nanoclay
(5) الهيئة
العامة للبيئة (2019)، «التقرير الحولي الأول الخاص باتفاقية الأمم المتحدة
الإطارية بشأن تغير المناخ». متاح على:
https://epa.gov.kw/Portals/0/PDF/KuwaitBiennialReport.pdf
(6) Desert Control. (2022) “From sand to soil in 7 hours”.
https://impact.desertcontrol.com/uaefarming