النسوية الإسلامية.. إشكالية النشأة والمنهج

من المصطلحات المثيرة للالتباس والغموض
مصطلح «النسوية الإسلامية»، حيث يتم الخلط بين التيار الذي يدعو لتحرير المرأة
وفقاً لقيم وأفكار الإسلام، وباستخدام أدواته التي لاقت قبول الأمة وعلمائها على
مدار قرون ويأتي على رأسها القراءة اللغوية للنص وفقاً لقواعد اللغة العربية كما
وضعها علماء اللغة، فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، فاحتكم أنصار هذا التيار
التحرري لقواعد اللغة ومقاصد الشريعة ولأصول الفقه، وتعاطوا مع التراث سواء في
مجال التفسير أو الفقه على اعتبار أنه تراث الأمة الذي ينظر له بتقدير خاصة مع
الأئمة الكبار.
وفي الوقت ذاته، نظروا لهذا التراث على
أنه اجتهاد بشري في فهم النصوص المقدسة، ولأنه تراث ثري ومتنوع للغاية، فقد
انتصروا لبعض الآراء وإن كانت أقل شهرة لأنهم رأوا أنها تخدم المقاصد العليا
للشريعة أكثر، وأضافوا اجتهادات جديدة ناتجة من التغيرات المعاصرة المتلاحقة،
ولكنها استلهمت الأصول المتفق عليها وعلى رأسها ألا يتعارض الاجتهاد الجديد مع
المعنى اللغوي، وألا يتعارض مع المبادئ والمقاصد العليا المحكمة للدين.
تحرير المرأة من منظور إسلامي
نشط هذا التيار كرد فعل لدخول البلاد
الإسلامية في مرحلة الضعف الشديد التي انتهت بسقوط هذه الدول في قبضة الاحتلال،
وتصور البعض أن التحرر من الاحتلال يأتي من تبني توجهاته الفكرية وفي القلب منها
موقفه من المرأة، حيث كانت النسوية في أولى مراحلها تطالب باعتبار المرأة إنساناً
كاملاً، وتدعو لرفع الظلم التاريخي عنها، وتناشد الضمير الإنساني منحها حقوقها
الأساسية كالحق في الملكية والحق في التعليم والحق في التصويت.
وكانت المرأة العربية مثلها في هذا الوقت
محرومة أيضاً من الكثير من الحقوق التي منحتها لها الشريعة بفعل الجهل والضعف الذي
ميز هذه المرحلة من تاريخ أمتنا، فكانت الحاجة للتجديد ماسة، وبمرور الوقت تبلورت
الرؤية الفكرية لهذا التيار وأصبحت له أدبياته الموسوعية ونجح في اجتذاب ملايين
النساء المسلمات خاصة من الطبقة الحاصلة على تعليم راق، دون أن يكون لهذا المصطلح
وجود أو دلالة.
النشأة والمفهوم
نشأ مصطلح «النسوية الإسلامية» متزامناً
مع انطلاق المرحلة الثالثة من النسوية العلمانية حيث طبقات الاضطهاد وحقوق مجتمع «الميم»،
في بداية التسعينيات من القرن الماضي، تم استخدام هذا المصطلح في المجلة الإيرانية
«زنان»؛ وتعني المرأة، واستخدمته في نفس التوقيت تقريباً الكاتبة التركية نوليفير
غول.
وفي منتصف التسعينيات، استخدمته الكاتبة
السعودية مي يماني في كتابها «الإسلام والنسوية»، ثم استخدمته الكاتبة الأمريكية مارجو
بدران في نهاية التسعينيات، ثم أصبح من المصطلحات الشائعة المتنازع عليها وحولها.
في رأينا أن النسوية الإسلامية تعني
الجهود الفكرية المبذولة لوضع تأصيل إسلامي للنسوية العلمانية، وبينما ترى كثير من
النسويات الإسلاميات أنهن يحاربن ويرفضن النسوية العلمانية التي تقاطع وتنبذ الدين،
إلا أنهن في الحقيقة يستخدمن نفس مصطلحاتها مع إضافة لفظ «إسلامي»، فهناك «تمكين
إسلامي» وهناك «جندر إسلامي»، بل هناك ما يطلق عليه «جهاد الجندر»! ليس المصطلحات
فحسب، بل ونفس التمركز حول الأنثى ونفس الأهداف والغايات ونفس أدوات القياس!
مناهج التفكيك
الإضافة التي مثلتها النسوية الإسلامية
هي السعي لتفكيك المقدس من الداخل باستخدام عدد من الأدوات والمناهج المقتبسة من
علوم وثقافات أخرى، ومن ذلك:
1- استخدام منهج لغوي هرمينوطيقي مستعار
من اللاهوت النسوي المسيحي، وتم استخدام هذه الأداة في تفسير أو «تأويل» القرآن
الكريم، ومن أشهر الرموز النسوية التي استخدمت هذا المنهج الأمريكية أمينة ودود،
أستاذة الدين والفلسفة في جامعة فرجينيا.
2- اعتبار القرآن الكريم نصاً تاريخياً
مقدساً يمثل عتبة مهمة علينا عبورها للوصول لمرحلة ما بعد النص (مثل آمنة ودود في
كتابها «داخل جهاد الجندر: إصلاح المرأة في الإسلام» (Inside
the gender Jihad: women's reform in Islam)
عندما طرحت فكرة تجاوز حرفية النص القرآني تماماً في بعض الأحيان، واعتباره عتبة
تعبر بنا إلى مساحات أوسع أو نافذة مفتوحة نطل منها على عوالم أخرى؛ وعليه، تتحدث
ودود عن الاعتراض على النص القرآني والولوج إلى مرحلة «ما بعد النص»، واعتبار
القرآن مجرد إشارة إلى الأمام لنمضي إلى ما بعده من مسارات متطورة ومواكبة للأزمان
المتعاقبة)(1).
3- يترتب على ذلك رفض كل ما جاء في كتب
التفسير القديمة والحديثة متعلقاً بالمرأة، على اعتبار أنه إنتاج ذكوري، والعمل
على إعادة قراءة للنص المقدس من منظور المرأة، وكان لأمينة ودود أطروحة بعنوان «القرآن
والمرأة» استخدمت فيها هذه المنهجية.
4- رفض التراث الفقهي الذكوري الذي عمل
على ظلم وانتقاص واضطهاد النساء، ومن أبرز الداعيات لذلك الإيرانية زيبرا مير
حسيني، الباحثة المتخصصة في الفقه الإسلامي و«الجندر».
5- التعامل مع الحديث النبوي وفق منهج
الانتقائية (فيتم القبول أو الرفض حسب قرب أو بعد الحديث من الفكر النسوي
التقليدي) كما فعلت المغربية فاطمة المرنيسي.
منهج تلفيقي
لا يمكن أن ننكر أن هناك تباينات بين
الإنتاج الفكري لما يطلق عليه الإسلام النسوي أو النسوية الإسلامية داخل البلاد
العربية وخارجها، ففي الداخل العربي تبدو هذه النسوية معتدلة قريبة من تيار تحرير
المرأة على أسس إسلامية، فلا تشتط في التأويل وتحاول إنصاف المرأة بتفكيك التاريخي
والبشري عن النصوص الإسلامية التأسيسية.
بينما في الكتابات غير العربية خاصة في
أوروبا وأمريكا، تبدو الأمور أكثر سيولة، ومساحات الحرية شاسعة، والجرأة على نقد
المقدس واعتباره غير مقدس بلا خطوط حمراء، ويبدو أن النسويات العربيات يطمحن لهذا
المستوى (أميمة أبو بكر تشيد بالمناخ الغربي الحر الذي أنشأ تشابكاً نسوياً بعلوم
التفسير والفقه، وأنتج معارف غاية في الأهمية).
إلا أن ما يجمع تيارات النسوية الإسلامية
على الرغم من هذه التباينات الفكرية أنها ترفض إعلان استئصالها للدين وتعلن
احترامها له؛ لذلك فقد استحدثت هذا المنهج التلفيقي الذي اعتبر القيم النسوية هي
الأصل وتم محاكمة الدين إلى هذه القيم.
على الرغم من هذا، ترفض النسوية
العلمانية هذه النسوية الإسلامية رغم اتفاقها معها في الرؤي والمنطلقات والأهداف،
حيث تراها هي الأخرى فلسفة تلفيقية، فالدين أحد أعمدة الظلم التاريخي الذي وقع على
النساء، والذي لا يمكن أن يكون ملهماً للتحرر النسوي مهما قمنا بتفكيكه، أو كما
تقول دلال البرزي: «ورثت النسوية الإسلامية كل مفاعيل اندفاعية النسوية الغربية،
لكنها تنكرت لها، وقالت: إنه الإسلام»!
كما تنعى النسويات العلمانيات على
النسويات الإسلاميات اللاتي يرتدين الحجاب، فالحجاب في نظر العلمانيات رمز وأداة
لقهر المرأة، ومن ثم يرين في فكرة النسوية الإسلامية تلفيقاً هجيناً ومتناقضاً
ورغبة في الاستفادة من ثمار ونتائج النسوية مع جواز سفر قابل للمرور في العالم
الإسلامي بعد إضافة لفظ «إسلامي» للمصطلح.
اقرأ أيضاً:
فاطمة المرنيسي.. ودين نسوي جديد!
هل خرجت النسوية من عباءة «هدم المقدس»؟
الأكاديمية الأردنية رولا الحيت لـ«المجتمع»: شرطان للقبول بـ«النسوية الإسلامية»
_____________________
(1) الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات، د. ريتا فرج.