ثقافة المقارنة.. كيف دمرت «السوشيال ميديا» حياة الناس؟

محرر المنوعات

14 ديسمبر 2025

73

في عالمٍ تتحرك فيه الأصابع أسرع مما تتحرك العقول، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا من يوم الإنسان، لكنها في الوقت نفسه تحوّلت إلى بوابة واسعة لانتشار ثقافة المقارنة، لم يعد الناس يقارنون أنفسهم بما يصنعونه أو بالإنجازات التي حققوها، بل بما ينشره الآخرون من صور منتقاة ومشاهد لامعة لا علافة لها بواقعهم.

ومع الوقت، بدأ كثير من الناس يشعرون أن حياتهم أقل قيمة وأكثر عناء، وأن الآخرين يعيشون رفاهية لا تنتهي، رغم أن ما يُعرَض ليس إلا لقطات مُجمَّلة وصور محسّنة.

ما هي ثقافة المقارنة؟

مصطلح ثقافة المقارنة مصطلح مبني على ميل الإنسان لقياس حياته وفق ما يراه لدى الآخرين، سواء في النجاح أو المال أو السفر أو الزواج أو المظاهر.. إلخ.

ومع انتشار «السوشيال ميديا»، أصبحت المقارنة عادة يومية تُمارَس دون وعي، وأصبح الناس يقارنون أسوأ ما يشعرون به بأجمل ما لدى الآخرين.

«السوشيال ميديا» وتضخيم المقارنة

رغم وجود ثقافة المقارنة وكونها غريزة أساسية لدى كثير من الناس، فإن منصات التواصل تعمل بشكل مباشر على تضخيم هذه الثقافة؛ لأن هذه المنصات أتحات للمستخدمين عرض لقطات منتقاة من حياتهم (الأجمل، والأحسن، والأنجح)، أو تأليف قصص لا علاقة لها بواقعهم من الأساس، فباتت هذه المنصات مزدحمة بالابتسامات وصور السفر والهدايا والعلاقات.. إلخ، بينما يختفي خلف الشاشات الحزن والمشكلات والضعف والدموع والديون، وهكذا يجد الشخص نفسه يحكم على حياته بناءً على مشاهد مزيفة أو غير كاملة؛ ما يزيد شعوره بالنقص.

الأثر النفسي لثقافة المقارنة

تؤدي ثقافة المقارنة إلى آثار نفسية خطيرة مثل ضعف الثقة بالنفس، وزيادة القلق، والشعور الدائم بعدم الرضا، ومن ثم الكسل وتقليل الجهد والإنتاج، وكلما ازداد التعرّض لمظاهر الآخرين، والمرآة التي تعكس أوهامهم؛ تضخّم الإحساس بأن الحياة غير عادلة، وكأن كل الناس في نعيم وهو وحده في معاناة، والله تعالى يقول: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد: 4)، دون استثناء لأحد، فهذه طبيعة الحياة الدنيا.

البعد الإسلامي في مواجهة المقارنة

لقد واجه الإسلام ثقافة المقارنة قبل ظهور «السوشيال ميديا»؛ إذ نهى الله عن تمني ما عند الآخرين بقوله: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) (النساء: 32)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ»، هذه التوجيهات تربي النفس على الرضا والقناعة، وتحميها من الغيرة والحسد، وتُذكّر بأن لكل إنسان نصيبه وقدره، فلا حاجة لتعذيب النفس بمقارنة لا تنتهي.

كيف تتسلل المقارنة إلى داخلنا؟

تبدأ ثقافة المقارنة من تفاصيل صغيرة؛ صورة صديق في مطعم فاخر، وشخص يعلن عن وظيفة جديدة، أو فتاة تنشر هدية باهظة، أو زميل ينتقل إلى عمل مرموق، شيئًا فشيئًا يتحول الأمر من مشاهدة بريئة إلى مقارنة مؤلمة، ثم إلى حسد وكره مكتوم، ثم إلى اضطراب داخلي يسرق الراحة من القلب.

خطوات عملية للتحرر من ثقافة المقارنة

للخروج من دائرة ثقافة المقارنة، يمكن اتباع بعض الخطوات العملية كأن نطور الذات بدل مراقبة الآخرين، ونرضى بما قسمه الله لنا، ونمارس الامتنان اليومي لاستحضار النعم، ونقترب من الله بالذكر والصلاة لتهدئة القلب، كما يفضل عدم متابعة الحسابات التي تُشعل الغيرة، أو تلك التي تتعمد التفاخر بالنعم.

المعادلة الذهبية للنجاة

التحرر من ثقافة المقارنة يتحقق عندما يقارن الإنسان نفسه بنفسه، لا بغيره، فعندما ينشغل المرء بتحسين ذاته، يقلّ تأثره بالآخرين، ويستعيد ثقته ورضاه، ويبدأ يرى جمال حياته كما هي، وليس كما يعرِضها الناس على شاشاتهم، وفي هذا المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ، لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحلهِ».

من هنا يتبين أن ثقافة المقارنة واحدة من أخطر الأمراض الناتجة عن «السوشيال ميديا»؛ لأنها تنخر في القلب كما ينخر الداء، ومع ذلك، فإن علاجها ليس صعبًا؛ فقليل من الرضا كفيل بأن يعيد الإنسان إلى فطرته الهادئة، وتجعله يقارن نفسه بنفسه لا بالآخرين.

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة