حقوق المرأة بين الحداثة والإسلام

محرر الأسرة

06 أغسطس 2025

152

 

في عالم اختلطت فيه المفاهيم، وتداخلت فيه القيم والمبادئ، وتقاطع فيه الدين بالثقافة بالحداثة، فلم يعد معروفًا بداية كل أمر من نهايته، تقف المرأة المسلمة اليوم على مفترق طرق بعد فترات صراع طويلة حول حقوق مدعاة، لتجد نفسها محاطة بالكثير من المهام التي لا تتوافق مع طبيعتها البيولوجية والسيكولوجية، ومنهكة بالكثير من الأعمال التي لم تصل من خلالها لأي محطة وصول آمنة.

انهارت الأسرة، وضاعت هوية الجيل، وغابت مهمة الأم والزوجة لصالح مهام لا تخصها من الأساس، وما زالت تقع في تيه البحث بالرغم من عدم الوصول، تبحث عن المزيد من الحقوق، متغافلة عن جملة من الحقوق التي لم تحظَ بها امرأة أخرى على وجه الأرض، فلا هي صارت امرأة كاملة الحقوق الإسلامية، ولا هي استطاعت أن تقوم بذاتها وتحصل على سعادتها المرجوة نتيجة تلك الحرية والاستقلالية التي طالبت بها كثيرًا، وما زالت تقف مترددة أمام طريقين: طريق يدّعي أنه يريد لها الحرية المطلقة التي تضعها على قدم المساواة مع الرجال، وبين طريق الدين الذي تجهله، والذي غيّبه عنها الإعلام المأجور، والثقافة الوافدة، والعلمانية، والعولمة، والتعليم المزيف.

فهل أنصفت الحداثة المرأة حقًّا؟ وهل أتت لها بحقوق كانت محرومة منها؟ وما هي حقوقها التي كفلها لها الدين؟

الأسرة العربية في ميزان الأمم المتحدة |  Mugtama
الأسرة العربية في ميزان الأمم المتحدة | Mugtama
الأسرة العربية اليوم ليست ضحية الحروب فحسب، بل ‏ضحية خطابٍ دولي منافق
mugtama.com
×

مراحل إشكالية المرأة مع الحداثة الغربية

ارتبط مفهوم التنوير والتطوير والتقدمية لدى الكثيرين، خاصة في الأوساط النسوية، بتتبُّع خُطى الغرب باعتباره المخلص الوحيد لما آل إليه المستوى الثقافي المتدني للمرأة العربية المسلمة، خاصة في مراحل التدهور الحضاري منذ انهيار دولة الخلافة العثمانية.

بل ذهب البعض إلى أن الخروج من حالة الانهيار الاقتصادي والحضاري في بلاد المسلمين يلزمه التقليد لكل ما يرد من الغرب دون اختيار، بما في ذلك نبذ مفاهيم التدين القديمة، وخلع كافة مظاهر التدين المعروف، باعتبار أن ذلك سوف يمحو كافة مظاهر التخلف والانحطاط الحضاري الموجودة.

وتلك الأحكام والمفاهيم ليست وليدة اليوم، بل هي واردة مع المستشرقين في بعض الأوقات، ومع الحداثيين الذين درسوا في الغرب في فترات ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي مثل طه حسين وقاسم أمين وغيرهما، ولاقت تشجيعًا كبيرًا مع الاستعمار الذي كان يحكم في ذلك الوقت، فبرر للفكرة ورَوَّجَ لها بشكل كبير، وقد لاقت قبولًا في بعض أوساط الطبقات المتوسطة ثم تلقَّفها الإعلام، سيما الفضائيات، ثم عالم السوشيال ميديا حتى طالت معظم بيوت المسلمين، فخرجت المرأة للعمل بعد تأخرها في الزواج بعد تأجيله لإتمام التعليم الجامعي، ثم لصعوبة الحياة الاقتصادية، ثم مرحلة الانهيار الأسري والتي لم تجد لها حلًّا حتى اليوم.

وكاد المشروع الغربي أن يهيمن بشكل كبير، بل كاد أن يكون المهيمن الوحيد على الساحة الثقافية العربية، إلى أن تصدت الحركة الإسلامية بعقلانية ومنطقية لكافة الأفكار الواردة والتي كانت سببًا في عمليات انبهار ثقافي كانت مصحوبة بجهل بأحكام الدين وحقوق ومكانة المرأة فيه.

وقد اختلف تعريف مصطلح الحداثة بين المفكرين وخلاصة القول فيها: «أن الحداثة من الألفاظ التي تطوَّرت تطوُّرًا دلاليًّا، من الحدَث الذي لا يملك الخبرة في الحياة، إلى الحديث الذي يعني الكلام، إلى الحديث الذي يعني الجديد الذي هو ضد القديم، إلى الحداثة كمصطلح مستقل له أُطُرُه وفلسفته» (1).

المرأة.. وخطر «الفيمينزم» |  Mugtama
المرأة.. وخطر «الفيمينزم» | Mugtama
الدعوة إلى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة تتجا...
mugtama.com
×

المرأة والحداثة

بعد مرور عشرات السنوات منذ انطلاق النسوية العربية للمطالبة بحقوق المرأة في التعليم والعمل والمساواة مع الرجل، هل حققت المرأة بُغيتها من تلك الحرية المزعومة؟ أم قد حققت سعادتها المرجوة؟ أم أنه قد ظهرت مع خروجها للشارع بغير ضوابط ظواهر أخرى مثل ظاهرة أطفال الشوارع الذين يُعدون بالملايين في العالم العربي؟ وليس بالضرورة أن يكونوا أطفالًا يبيتون في الشوارع بغير أسر ترعاهم، فمن أطفال الشوارع من يعيش في قصور وشقق فارهة ويلبسون أفخم الثياب، ويأكلون أطيب الطعام، لكنهم محرومون من الرعاية والحب والدفء الأسري، يفتقدون الحاضنة الأولى التي تربي وتغرس القيم، وتُعلّم الأخلاق، فهم أطفال شوارع تحجبهم جدران جافة، مع أمهات مشغولة، وآباء يمثلون ماكينات أموال لا أكثر.

وبالنظر للمرأة الغربية حيث نشأت الدعوة النسوية بعد الثورة الفرنسية، نجد أنه حتى اليوم لم تتحقق المطالبة بالمساواة في الأجور، لتظل الدعوة الغربية محط سخرية ذكورية تجاه المرأة، لم تستطع الحداثة أن توقف العنف ضد المرأة، ولا تقليل التحرش بها في أماكن العمل، وظلت النظرة للمرأة كسلعة وجسد يباع ويُشترى كما هي، بل لقد ازداد نَهَم الحضارة الغربية على جسد المرأة كمتعة رخيصة، لا تستطيع أن تبيع سلعة إلا وعليها صورة امرأة شبه عارية.

اقرأ أيضاً: كيف سبق النبي ﷺ العالم في تكريم المرأة؟

خسرت المرأة الرجل المسؤول عن رعايتها والإنفاق عليها، وأصبح لزامًا عليها أن تدفع نفقة بقائها بالبيت، وثمن طعامها مناصفة مع الرجل، وإن خَفُتَ شبابها وجمالها، فقد الرغبة بها ليستبدلها بخليلة، لتكون نزيلة بيوت الرعاية إن كانت تملك نقودًا تكفي للإقامة، فلا ولد يرعى، ولا زوج يتحمل، فالأخلاق معدومة، والقيم غائبة، والقانون السائد، قانون من يملك يأخذ، ومن لا يملك يُلقى في ساحات الشوارع يعرضن ما تبقى من أنوثة لمن يدفع قوت اليوم. لقد عاشت المرأة الغربية اليوم أسوأ عصورها، وتعرضت لانتهاكات لم تعرفها البشرية يومًا، فهل هذا هو النموذج الذي تريده المرأة العربية المصونة بدينها؟

الإسلام والمرأة.. صورة مغلوطة ونصوص عادلة (2)

تعرضت المرأة لظلم بيّن عبر العصور، خاصة في نهايات الدول وفترات الاضمحلال الحضاري، لكن الحقيقة، أن المرأة وحدها لم تتعرض لذلك الظلم من الحرمان من ممارسة حقوقها المشروعة في الشريعة الإسلامية من تلقٍّ للعلم، والذهاب للمساجد، وممارسة حياتها العملية وإدارة أموالها بكل حرية، طالما أن كل ذلك لا يتعارض مع طبيعتها كأنثى، ومع مهامها المنوطة بها في تكوين أسرة قوية تمثل اللبنة الأولى في المجتمع، وإنما تعرض الرجل كذلك لنفس الظلم، حيث وقع تحت براثن دولة تنهار ولا تضع اعتبارًا لحق الفرد في المجتمع، أو حتى حق المجتمع كله.

فعن الحياة الاجتماعية للمرأة المسلمة، يقدم كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" مفاجأة للمسلمين أنفسهم، حيث إن المرأة المسلمة ليست حبيسة الحرملك، وليست حبيسة الجهل، وإنما يسوق أمثلة تاريخية للمرأة في فجر الرسالة حيث شاركت بقوة في الحياة الاجتماعية العامة ولاقت الرجال في حدود مهمتها، وفي ظل مجموعة القيم والأخلاق الإسلامية، وشاركت في الحروب، وفي التجارة، بل وتولت وظيفة الحسبة ليتم "الاختلاط المشروع" كما أسماه هو.

اقرأ أيضاً: إشكالية الحركة النسوية.. من الحقوق إلى الانحراف والمغالاة!

نصوص شرعية في مكانة المرأة في الإسلام

وردت النصوص الشرعية مؤكدة مكانة المرأة السامية ومساواتها بالرجل مع اختلاف وظيفتهما، ففي أصل الخلق يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء:1). وعن مسؤوليتها كاملة مثلها في ذلك مثل الرجال يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97). وفي تحريرها من مظالم الجاهلية يحذر الله تعالى من الاستمرار في عادة وأد البنات يقول تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) (التكوير:8-9).

وفي القوامة التي جعلها للرجل عليها، حفظ حرمتها ومكانتها وجعلها تحت مسؤولية الرجل في الإنفاق، ولذلك فله حق الطاعة، ولو كانت صاحبة مال وإرث أو عمل، فلها النفقة الكاملة على زوجها، فكانت القوامة مسؤولية وليست مجرد رئاسة أو سطوة، فيقول تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء:34). وجعل لها حقًا مفروضًا في مال زوجها إذا كانت مطلقة أو أرملة، لضمان كرامتها وحمايتها من الحاجة، يقول تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة:233). وشاركت المرأة في فجر الرسالة في الهجرة الشاقة إلى الحبشة ثم إلى يثرب، في عملية خطيرة تهدد حياتها، لكن مهمتها في الإسلام في حمل دينها ودعوتها لا تقل عن مهمة الرجل، ولا تقل عن تضحياته، ومن هنا يتضح كيف أن المرأة المسلمة قد خسرت كثيرًا بانسياقها خلف دعاوى غربية لا تتوافق مع قيمنا، خسرت قيمتها ومكانتها حين جهلت بأحكام دينها وتركت عقلها لأهواء غربية باسم الحداثة والتجديد.

___________________________________

(1) تعريف الحداثة للدكتور محمود بن أحمد الدوسري.

(2) قراءة في كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة / عبد الحليم أبو شقة.

 


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة