حينما يصبح غض البصر جريمة!

تربينا منذ الصغر على غض البصر، وعلمنا أنه سمة من سمات المسلمين، وخصلة من خصال المؤمنين، ومن الأمور التي تضمن لصاحبها الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اضمنوا لي ستًا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيدكم»، إلا أن الأمر تحول من فضيلة إلى رذيلة، حيث أصبح الرأي العام الدولي يغض بصره عن الحقائق، ويخشى النظر بعين الإنصاف إلى المستضعفين، وكأنها عورة حُرم عليهم النظر لها، بينما استباحت أعينهم كل جريمة، وصفقت أيديهم لكل اعتداء، ووقفوا يهتفون باسم الظالم الأقوى، فهل هذا من وجهة نظرهم غض بصر، أم طمس حقيقة؟

غض البصر عن جرائم السودان

أكدت صحيفة «واشنطن بوست»، في افتتاحية لها، تكرار تقاعس الولايات المتحدة الأمريكية والرأي العام الدولي عن التحرك في وجه الفظائع الجماعية في السودان، وشبهت ذلك بما حدث قبل أكثر من 50 عامًا حينما تجاهلت الولايات المتحدة الإبادة الجماعية التي ارتكبها «الخمير الحمر» في كمبوديا، إلا أن المأساة الإنسانية في السودان كانت أكثر مأساة، حيث خلّفت أكثر من 150 ألف قتيل، وأكثر من 12 مليون نازح.

وعلى الرغم من إعلان وزارة الخارجية الأمريكية أن ما يحدث في إقليم دارفور يشكل إبادة جماعية في ضوء عمليات العنف الجنسي، والقتل الممنهج ضد جماعة قبيلة المساليت في غرب دارفور –كما تعلن الآن عما يحدث في قطاع غزة– فإن أمريكا والرأي العام فيها اختاروا غض أبصارهم وكأن شيئًا لم يحدث!


انظر أيضًا: السودانيون في مواجهة حرب الكوليرا


غض البصر عن الحرب الأهلية في سورية

على مدار أكثر من عقد، شهدت سورية انتهاكات هائلة ما بين هجمات كيميائية وعزل وحصار كامل للمدن، ونزوح جماعي، إضافة إلى أكثر من 130 ألف حالة اعتقال تعسفي أو اختطاف أو اختفاء داخل الحدود السورية، ناهيك عن السيارات المفخخة، والعبوات الناسفة، وقتل المدنيين بمن فيهم الأطفال كدروع بشرية، ومئات الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية كجزء أساسي من سياسة الدولة.

إلا أن هذا كله لم يحرك الرأي العام، ولم يلفت نظره، حيث تقاعس مجلس الأمن الدولي عن تحمل مسؤوليته في حماية الشعب السوري، فعلى مدار العقد الماضي، عرقلت روسيا والصين 16 حق نقض (الفيتو)؛ الأمر الذي مكن الجناة من التصرف دون خوف من المساءلة –كما يحدث الآن على مرأى ومسمع من العالم– أو التفات لقوانين وهمية من المفترض أنها شرعت لحماية الحقوق الدولية للإنسان في كل مكان!


انظر أيضًا: سورية.. المسألة الطائفية من منظور وطني


غض البصر عن الإبادة الجماعية في غزة

على الرغم من استمرار الإبادة الجماعية والكارثة الإنسانية بغزة، وقتل ما يزيد على 61 ألف شهيد، و19 ألف طفل، و13 ألف امرأة، وألف من القطاع الصحي، إضافة إلى 14 ألف مريض بحالة مزمنة، وشهداء هنا ومصابون هناك ليتجاوز عدد الضحايا 150 ألفاً، هذا إلى جانب آلاف المنازل التي هدمت على رؤوس ساكنيها.

وهناك مليونا إنسان الآن يعانون من حصار خانق، ونقص حاد في الغذاء والدواء، وما زالت التغطية الإعلامية محدودة، وعلى الرغم مما يصل إلى العالم من هذه المعاناة، فإن التحليل السطحي ما زال يكتم صوت الصراخ، ويقلل من وعي الجمهور، وما زال الرأي العالمي يغض بصره متعمدًا ليمنح المشروعية لهذه الانتهاكات!

غض البصر عن اغتيال الصحفيين وطمس الحقائق

منذ أن بدأ الاحتلال حربه المجرمة على الأرض الطاهرة وهو يحاول طمس الحقائق بقتل ناقليها ليروي الرواية كما يشاء، حيث قتل أكثر من 180 صحفيًا آخرهم الشهيدان أنس الشريف، ومحمد قريقع، ضاربًا بالقوانين الدولية عرض الحائط، وعلى الرغم من تكرار هذا النوع من الجرائم في مناطق مختلفة حول العالم؛ فإن المجتمع الدولي ما زال يغض بصره تارة، ويتهاون مرات أخرى، الأمر الذي شجع على مزيد من الانتهاكات والجرائم حتى بحق أولئك الذين لا يحملون إلا كاميرا على أكتافهم؛ لأن الصهاينة يعلمون أنهم إن دفنوا القلم؛ ستموت معه الكلمة، وتدفن معه الحقيقة!


انظر أيضًا: استهداف الصحفيين.. وهْم اغتيال الحقيقة!


إن غض البصر عن الجرائم ليس جريمةً فحسب، بل شراكة في الجريمة ذاتها.

__________________

1- محمد الزبيدي، إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين.

2- https://n9.cl/dp650r.

3- https://n9.cl/apult.

4- https://www.bbc.com/arabic/articles/c0ql8q29qxdo. 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة