كلمة ترمب في الكنيست.. خطاب العلو الأكبر!

باختصار شديد، هو خطاب صهيوني بامتياز، أكد أن أمريكا بجيشها وسلاحها ومالها في خدمة الدولة الصهيونية، وسلامة أمنها، واستقرارها، وحتى توسعها، وتحقيق حلمها المستقبلي في التوسع والتمدد، فهي اليوم على رأي دونالد ترمب الرئيس الأمريكي صغيرة جداً جداً بالنسبة لمحيطها.

كلمة ترمب في الكنيست.. خطاب المستبد المتعالي

وأظن أن هذا أمر محل اتفاق، لا يختلف عليه اثنان على الإطلاق، لكن ما يعنيني في هذا الخطاب هو اللغة والألفاظ والكلمات التي استخدمها، والنفس المغرور الذي ألقى فيه خطابه، الذي يجسد خطاب المستبد المتعالي، فقد تضخمت فيه الأنا، حتى كادت من شدة تضخمها أن تنفجر، يوحي للسامعين أن القوم أنجزوا انتصارات عظيمة، وحققوا الوصول لأهداف أعظم.

ولو أن شخصاً ما من الكيان الصهيوني كان قد دخل في غيبوبة قبل السابع من أكتوبر العظيم، يوم العبور واقتحام الكيان، يوم مرغت كرامته، وديست هيبته، لو أن هذا الشخص استيقظ من غيبوبته على خطاب ترمب في «الكنيست الإسرائيلي»، لتبادر لذهنه فوراً أن رئيس الكيان نتنياهو قد أنجز مهمته، وحقق حلمه في إعلان الدولة الصهيونية الكبرى، وأنه قد خرج للتو من انتصارات عظيمة خاضها بجيشه، الذي نال حظاً وافراً من مديح ترمب، وبمساعدة جيش الحرب الأمريكي، الذي لا مثيل له في العالم،، ويملك ما لا يملكه جيش في العالم كله من عدة وعتاد، من أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا السلاح والقدرة والكفاءة، كما أكد ذلك الرئيس ترمب في خطابه.

ولهذا استحق رئيس الكيان وجيشه أن يأتي الرئيس الأمريكي شخصياً لزيارة الكيان الصهيوني، وأن يلقي خطاباً طويلاً، بكل هذه الحماسة والفخر والإعجاب مديحاً وثناءً، وغروراً وزهواً.

من نشوة النصر إلى مرارة الانكشاف

نعم، ستأخذ العائد للتو من غيبوبته نشوة النصر والفخر، والاعتزاز بدولته وقيادته، التي استطاعت أن تحقق حلمهم الذي طال انتظاره، منذ أن قامت قبل 77 عاماً.

في غمرة النشوة التي أخذته بعيداً، من خلال استماعه للخطاب الصهيوني المتعالي، المملوء حماسة وفخراً وإعجاباً بما قام به جيش الدفاع «الإسرائيلي»، وحققه من إنجازات كبيرة.

على الفور غرق هذا العائد من غيبوبته في صور الحروب والمعارك التي خاضها جيش الكيان بمساعدة جيش الحرب الأمريكي حتى استطاع تحقيق هذا الحلم الكبير، ففي الحدود الشرقية مع الأردن والسعودية حتى وصل إلى خيبر في الجزيرة العربية، وأخرى في حدوده الشمالية مع لبنان، وفي حدوده الشمالية الشرقية مع سورية حتى تضم دمشق، وأخرى في حدوده الجنوبية مع مصر.

وتراءت في خياله وهو يتابع خطاب العلو الأكبر أن الكيان قد أصبح دولة يهودية خالصة، لا وجود فيها لغيرهم في الضفة والقطاع، وأن «حماس» قد ذهبت إلى غير رجعة، وتم مسحها مع كتائبها من الوجود، فلا وجود لخطر يهدد دولتنا بعد اليوم، بفضل نتنياهو، وترمب، وبجيشيهما الأعظمين في العالم.

وأخيراً، حققت الصهيونية حلمها الأكبر، الدولة التي تمتد من النيل إلى الفرات، كيف لهم أن يحققوا كل هذه الإنجازات العظيمة في فترة وجيزة وقصيرة؟!

عامان أخذتني فيهما غيبوبة كانا كفيلين أن تتربع فيهما «إسرائيل» على قمة المجد، هل حقاً هذا ما حدث؟ قولوا لي بربكم: هل أنا في حلم جميل؟!

«إسرائيل» انتصرت على كل خصومها وأعدائها في المنطقة، وأزالت كل العقبات التي كانت تهددها، وغدت هي الدولة الأكبر والأقوى في المنطقة!

في هذه الأثناء، التي استغرق فيها العائد من غيبوبته في تفكيره، انتبه لصوت زوجته التي طلبت منه أن يشرب قهوته، فانتبه إلى حديث الرئيس الأمريكي الذي وصل فيه للإشارة إلى شرم الشيخ، واجتماع القادة، وحفل التوقيع، وقطاع غزة، وإعادة البناء، هنا بدأ الرجل بالتساؤل:

ما قصة شرم الشيخ؟!

لم سيذهب الرئيس ترمب إلى هناك؟!

وعن أي اتفاق يتحدث؟

وما قصة غزة التي يريد إعادة إعمارها؟! هل تسببت عملية تحريرها بتدميرها؟!

تجيبه زوجته: من أجل وقف الحرب وعودة الأسرى من غزة.

أسرى من؟

«حماس» قبل عامين وبعد دخولك في الغيبوبة مباشرة، أعلنت عملية ضد دولتنا أسمتها «طوفان الأقصى»، دخلت وخطفت جنودنا ومواطنينا، وقد عجز جيشنا خلال عامين من الحرب ضدهم، من استعادة أسرانا، أو القضاء على حركة «حماس»، واضطر أخيراً لأن يتم عقد اتفاقية، يتم وقف الحرب بموجبها، ويتم تبادل إطلاق سراح الأسرى، كما قال ذلك قادة «حماس»: لن تأخذوا أسراكم إلا بصفقة.

من هول الصدمة التي سمعها، لم يملك العائد من غيبوبته إلا أن يقول: ولمَ كل هذا الخطاب المتعالي؟ ولمَ هذا الاجتماع؟ ولمَ هذا التجمع؟ ولمَ هذا التصفيق بين الفينة والأخرى؟ لم كل هذا؟ عجزوا عن استرداد أسرانا بعد أن فشلوا في حماية حدودنا؟ ومن ثم فشل جيشنا مدعوماً بأعظم جيوش العالم مزوداً بأحدث الأسلحة، مؤيداً من كل دول العالم وأنظمتها وجيوشها، أمام حركة فدائية إرهابية، تعد بعشرات الآلاف فقط، فكان الأولى بهم أن يدسوا رؤوسهم في التراب حياء وخجلاً، بدل هذا التبجح بالخطابات الفارغة، من كل مضمون ومعنى، ليتني لم أعد من غيبوبتي، ليتها كانت القاضية!

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة