خطط عملية لمذاكرة مبدعة

شيماء أحمد

28 سبتمبر 2025

76

وردت عن ألبرت أينشتاين مقولته الشهيرة: «التعليم ليس مجرد تعلم الحقائق، وإنما تدريب العقل على التفكير».

في كتاب أصدره أستاذا علم النفس هنري روديجر، ومارك دانييل، عن جامعة هارفارد، وتحت مسمى «اجعله يثبت»، يتأكد لنا خدعة أن الذكاء وحده كفيل بالنجاح في تعلّم الطالب وتقليل أخطائه، والحقيقة أننا هنا نغفل جوانب لا غنى عنها وهي العامل النفسي أو الدافعية للتعلم والإنجاز، وكذا قوة الذاكرة وأهمية تنشيطها للاستعادة على المدى الطويل، لأن ما نكتسبه بسهولة دون جهد حقيقي نفقده بسهولة ويصبح كالسير على الرمال.

كيف نستدعي المعارف؟

تكمن أهمية التمارين الدورية في كل شيء نتعلمه في تدريبنا على تذكر أهم النقاط التي تعلمناها، وهنا تبرز إستراتيجيات عدة لاسترجاع المعلومات وتجسيدها بشكل بصري وربطها بحياتنا اليومية، إن الطيّار حين يواجه خللاً ما في رحلته يستعيد من دون تردد وبسرعة فائقة كافة أنظمة القيادة وتصليح الأعطال ويطبقها على الفور، وهذا أمر يحتاج لمران طويل ليصل لتلك المرحلة، وهو ما نحتاجه في عملية التعلّم.

إن التكرار مفتاح تعلم شيء بشكل جيد، وتأتي تلك الخطوة بعد التركيز الجيد في هدف واحد نوجه المتعلم في الفصل إليه.

لا نتحدث هنا عن التكرار الممل في وقت متقارب ولا تكديس المعلومات في الذهن وسرعة تلاشيها بعد الاختبار، بل السماح للنفس بترك المعارف والتعرض لها من جديد، ولكن في المرة الجديدة سنعيد كتابتها في الحواشي بشكل ملخص وبأسلوبنا فنفعّل في العقل الذاكرة البصرية وذاكرة اللمس مع ذاكرة البصر، في مرحلة متقدمة يقوم المرء بالتفكر فيما تعلمه وهو نمط من التدريب الذهني الإبداعي.

تساعد الاختبارات المتكررة قليلة المخاطرة على تقليل قلق الاختبار بين الطلاب، ولهذا لا ينصح -وفق كتاب علم النفس بين أيدينا- أن نقصر الاختبارات على نهاية المرحلة، بل تصبح اختبارات تراكمية صغيرة مصاحبة لكل رحلة التعلم.

الطريق للإبداع

تأتي عملية الإبداع الحقيقية بعد مرحلة استيعاب ما قرأته جيدًا ومن ثم تشعر بأن لديه ما تضيف إليه بأسلوبك الخاص.

في كتاب «إستراتيجيات التعليم الإبداعي» والصادر حديثًا عن دار «المحرر» للباحث مهند التكريتي، يستعرض أبرز تلك الأساليب المعينة لكل المنشغلين بالعملية التربوية وصنع المناهج التعليمية.

تبدو المهمة الأبرز في التعليم الإبداعي في تدريب الطلّاب على الطلاقة في التفكير الحر وتحليل الفرضيات والتصدي لأي عقبة تواجههم واتخاذ قرارات حيالها في زمن قصير.

تأتي الخطوة الثانية وهي المرونة في صنع قوائم من الأسئلة حول كل فكرة وتصنيفها والتأمل فيها وإعادة تلخيصها، وتعد الأصالة الخطوة التالية مباشرةً؛ ويقصد بها تشجيع المتعلمين على العمل، أفرادًا وجماعات، لتطوير الأسئلة والمعلومات المتاحة في أفكار واستنتاجات تخصّهم، ومن ثمّ استكمال الحلقات الناقصة ومشاركة أفكارهم سويًا في كيفية التطبيق العملي الأمثل.

تحتاج تلك المهارات لمتعلم يثق في قدراته وقد تربّى بشكل غير تقليدي، ووجد معلّماً يستمع إليه ويناقشه، ووجد بيئة تشجعه على متعة التفكير وإيجاد الحلول واستثمار الوقت، بعيدًا عن أجواء الاختبارات التقليدية للمعلومات المحفوظة أو أسلوب التلقين.

القبعّات الست

تعد إستراتيجية «القبّعات الست» واحدة من أبرز أساليب تعليم التفكير الإبداعي لأبنائنا، وقد أسهم في وضعها الطبيب المالطي إدوارد دي بونو، يتضمن هذا الأسلوب تعويد الطلّاب على تخيل ارتدائهم قبعات بلون محدد لكل مهارة مطلوبة وطرح أسئلة حول كل مشكلة تصادفهم من عينة «من يقوم بالشيء؟ وماذا يحدث؟ ومتى؟ وأين؟ ولماذا يحدث هذا؟ وكيف؟».

نبدأ مع القبعة البيضاء لبحث الطالب الحيادي عن المعلومات متجرداً من انحيازاته وعواطفه، بينما القبعة الحمراء تتضمن التعبير عن انطباعاته النفسية على ما تم جمعه، وتأتي القبّعة السوداء لترفض الأمور غير المنطقية أو المقبولة، وتحذّر من العواقب المرتقبة.

بخلاف ما سبق، تقوم القبّعة الصفراء بتسليط الضوء على الفرص المتاحة وإيضاح نقاط القوة، أما القبّعة الخضراء فهي المسؤولة عن توليد أفكار إبداعية وبدائل للأفكار المطروحة.، وأخيرًا نلتقي مع القبعة الزرقاء التي تبلور الأفكار والتصورات للوصول لقرار سليم.

عباءة الخبير

هذه الإستراتيجية أسهمت في ابتكارها دورثي هيثكوت، ويُفضّل تطبيقها في نهاية الحصّة الدراسية، وتتضمن قيام عدد من المتعلمين بارتداء عباءات بسيطة ومن ثمّ يسترسل في  شرح ما تعلّمه بشكل مسرحي درامي متفق عليه مسبقًا، وفق المنهج الدراسي، وهنا يشعرون بالمتعة والثقة بالنفس، وهي تصلح بشدّة للموضوعات التاريخية والإنسانية، كما يمكن للطلاب صنع مشروعات مشتركة للبحث في جوانب إثرائية وتشجيعهم على ذلك بعلامات إضافية تضاف لرصيدهم.

شجرة الفكرة

تقوم تلك الإستراتيجية على رسم خرائط ذهنية تلخّص التفاصيل على هيئة فروع من شجرة كبيرة، أو وضع حلول متنوعة لإشكالية أو فرضية معينة.

أحيانًا يلجأ المعلّمون لإستراتيجية عجيبة حقًا وهي «الأفكار السخيفة»، التي وضعها العالم فون فانج، ولتدريب الطلاب على معاودة النظر في التفاصيل التافهة التي تحمل أحياناً حلولاً لمشكلات كبرى؛ فلا ننسى أن قانون الجاذبية بدأ من تفّاحة سقطت فوق نيوتن!

جوانب المكعّب

هي طريقة لتحفيز المتعلمين في النظر إلى أي موضوع من جوانب ستة تمثّل وجوه المكعب وهي: «الوصف، والمقارنة، والارتباط، والتحليل، والتحويل، والبرهان»؛ وبالتالي تجعل تفكير الطلاب مرنًا.

في البداية، يجلس الطلاب في مجموعات كل منها تقوم بجانب من المكعّب حتى يعتادوا أن يفكروا بهذا الأسلوب ويدخلوا لأي مشكلة بداية من تحليل الحلول الممكنة وارتباطها بالواقع والتأكد من صلاحيتها.

مفاتيح التفكير

تقوم تلك الإستراتيجية التي صاغها توني رايان، الباحث الأسترالي، على تحفيز الطلاب على التفكير بطريقة مغايرة للمألوف؛ كأن يتخيل تبعات مواقف لم تحدث وماذا لو كانت في الواقع، من عينة: «ماذا لو لم يكن القمر موجودًا؟»، وتتضمن المفاتيح طريقة العصف الذهني الشهيرة بين عدد كبير من الطلاب، وهو أسلوب متبع في كافة المؤسسات اليوم لحل المشكلات وإدارة المشاريع وبناء فرق عمل والتخطيط، ويجري فيها تفكير حر في البدائل المتاحة ثم دمجها بطريقة جماعية ونحو قرار أكثر مرونة وإصابة للهدف.

هناك أسلوب آخر لوضع مصفوفتين لعيوب ومزايا أي تجربة يريد خوضها، وهل يمكن الخروج بفكرة مدمجة توفيقية تجمع أكبر مزايا وأقل عيوب؟!

أحياناً تقوم المفاتيح على تشكيل مجسمات والإضافة والحذف منها أو اختراع أشياء من مواد غير تقليدية، وهناك مفاتيح للتنبؤ بنتائج متوقعة لأي سلوك نقوم به، وهل يمكن عمل استخدامات مختلفة لذات الأشياء المحيطة بنا؟

اجعله يثبت

بالعودة لكتاب علم النفس التعليمي «اجعله يثبت»، ينصح المؤلفان الطلاب بأن يتذكروا أن الخطة المنضبطة المستمرة هي ضمان نجاحهم وليس الذكاء المطلق بلا خطة، على كل طالب أن يزاول مهارة استرجاع المعارف فيتوقف كل بضعة صفحات ويسأل نفسه: ما الأفكار الرئيسة؟ مع رسوم بسيطة قريبة تلخص المشهد وتجعله أكثر ألفة، وبالطبع تفيد الأسئلة المتاحة في نهاية كل درس في تقنية الاستعادة والتحليل ومعالجة جوانب القصور سريعًا.

يهمس الخبراء للطلاب بأن يأخذوا قسطًا من الراحة ويحولوا التعلم لمتعة حقيقية، يصبح فيها المجهود مرغوباً فيه ومتقطعاً وطبيعياً، ولا ينقصه ذلك الشغف الذي يتمرن به لاعب كرة القدم لإحراز الأهداف.



اقرأ أيضاً:

10 خطوات تمنحك مذاكرة ناجحة

الأسبوع الدراسي الأول.. والتحديات الجديدة

مع بدء العام الدراسي.. 5 خطوات تتعلق بمذاكرة طفلك

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة