دروس بعد عاصفة غزة
حياتنا العامة
والخاصة مليئة بالدروس والعبر التي يُمكن للعقلاء والحكماء أن يستشفوها من أحداثها
المتنوعة والمختلفة، وأفضل الدروس وأروعها تلك التي تُعطى بطريقة عملية وواقعية
بعيداً عن التنظير والكلام غير القابل للتطبيق.
وقد تعلّمت
الأمم من رجالها الكثير، ومن هنا فقد علّمتنا المدرسة الغزّية ما لا يُحصر من
الدروس والعبر وخصوصاً خلال معركة «طوفان الأقصى» التي استمرّت لعامين كاملين!
دروس للتاريخ
ونحاول هنا ذكر
بعض تلك الدروس للتاريخ والاستفادة منها، ومن بينها:
1- عدالة
القضية: لا يمكن للزمن والقوة والظلم أن يمحو القضايا العادلة، ولهذا فإن الشعب
الفلسطيني، ورغم الدعم المفتوح والمطلق للكيان الصهيوني والحصار والخناق على غزة،
لم يستسلم، ولم ييأس لأن الإيمان بعدالة قضيتهم لا يمكن أن يموت.
2- الإعداد
والترقب: كانت عملية «طوفان الأقصى» من المعارك التي أذهلت «إسرائيل» وغالبية
المتابعين للشأن الفلسطيني، وذلك لأنه، ورغم الحصار والتشدد، نجحت المقاومة
الفلسطينية في بناء مدينة كاملة من الأنفاق تحت غزة، ورتبت أوراقها لمرحلة الحرب،
تلك العملية البطولية المفاجئة والنادرة.
3- الجرأة
واختيار الفرصة المناسبة: بداية الهجوم وتوقيته كانت ضربة ذكية ودقيقة؛ حيث صدرت
الأوامر النهائية بشكل مكتوب عند الساعة 6:00 صباحًا، وتقضي بعبور السياج المحيط
بغزة نحو غلافها المكون من نحو 50 مستوطنة عبر 7 ثغرات، وقد أربكت تلك العملية
القيادات السياسية والأمنية والعسكرية الصهيونية التي لم تستوعب العملية إلا بعد
72 ساعة تقريباً.
4- الثبات في
الميدان: ورغم التضحيات الضخمة في صفوف المقاومة، لاحظنا قدرتها النادرة، وكذلك
عموم الأهالي، في التحمل والثبات دون ضجر، أو تراجع بعد عامين من المواجهات،
وتابعنا العمليات العسكرية الجريئة ضد المدرعات الصهيونية حتى خلال الساعات
الأخيرة من توقيع اتفاقية شرم الشيخ في مصر.
5- تحمّل
الخسائر لتحقيق الأهداف: لا يمكن تصوّر مقاومة مؤمنة بقضية أصيلة أن تحقق أهدافها
دون تضحيات وإن كانت جسيمة، ومن هنا رأينا هذا التحمل، العسكري والشعبي، العجيب
للخسائر المادية والبشرية وصولاً إلى تحقيق بعض الأهداف، ومنها استنزاف قدرات
العدو، وعودة القضية الفلسطينية إلى النقاشات والتفاهمات الإقليمية والدولية.
6- القيادة في
الصفوف الأولى للقتال: يغلب الظن أن غالبية القيادات تقف في الصفوف الخلفية في
العالم اليوم، إلا في غزة، فَهُم في الصفوف الأمامية، ويكفي هنا أن نَذكر حادثة
استشهاد القائد يحيى السنوار، التي نقلت للعالم أجمع عبر وسائل الإعلام «الإسرائيلية»
قبل غيرها، ورأينا قتاله حتى الرمق الأخير بيد واحدة، فأيّ صنف من القادة هؤلاء،
وهكذا بقية القادة الشهداء!
7- التلاحم
الشعبي: الدرس الأبرز في غزة كان في التلاحم الإنساني المذهل بين الغزّيين وكأنهم
أسرة واحدة تتعرض لمصير واحد.
ولا يمكن تجاهل
ذلك التلاحم الشعبي مع المقاومة، حيث إنهم، ولأكثر من عامين، وقفوا معها، ولم
يغدروا بها إلا بعض العملاء الذين باعوا ضمائرهم للمحتل.
8- محاربة
الخونة والعملاء: وهذا المحور مرتبط بما قبله، حيث لاحظنا أن كافة عشائر غزة أيّدت
آليات التعامل مع الخونة الذين تعاونوا مع المحتل ضد أهلهم، وهذه صورة راقية من
التلاحم الوطني والمبدئي بعيداً عن الروابط الثانوية الأخرى.
9- الميدان
الدبلوماسي: وهذا الميدان لا يقلّ أهمية عن الميدان القتالي، وقد وقف قادة
المقاومة، بكل رجولة، في الميدان القتالي والدبلوماسي وكأنهم آمنوا بأن
الدبلوماسية هي سلاح آخر في يد الرجال المؤمنين بالقضية.
10- عدم التمييز
بين المناضلين، وهذا الأمر تَمثّل في مرحلة تبادل الأسرى حيث تصرّ المقاومة، وحتى
الساعة، على ضرورة إطلاق سراح المناضل مروان البرغوثي كونه من رموز المقاومة بعيداً
عن انتمائه الفكري والفصائلي، وهذه قمّة الاندماج والذوبان في الروح النضالية ضد
الاحتلال ومشاريعه التوسعية.
11- محاربة
العدو إعلامياً: تفهمت المقاومة أهمية ودور الإعلام في المعركة، ولهذا كانت بيانات
أبي عبيدة مرعبة للعدو، وتنشر الخوف في أرجاء المدن المحتلة.
وبهذا فقد نجحت
المقاومة في إيصال صوتها للعالم؛ ما ساهم في إحياء القضية الفلسطينية في الأروقة
الأممية والمحادثات الدولية.
وغيرها من
الدروس البليغة والأصيلة.. وصدقاً، لا يمكننا أن نسجل كافة الدروس المستفادة من
حرب غزة، لأنها بالعشرات، وعليه سنكتفي بالقول: إن الشعوب الحرة، ومراكز الدراسات
والأحرار حول العالم سيكتبون عن ملحمة غزة الكثير والكثير لأنهم أَذهلوا العالم،
ونشروا قضيتهم بثباتهم وصمودهم وتضحياتهم وإنسانيتهم.