رئيس المركز الثقافي الإسلامي بمدينة فيغو الإسبانية لـ«المجتمع»: نقوم بدور توعوي لمحاربة الدجل والخرافات

محمد العبدالله

25 نوفمبر 2025

262

ساحرة دائماً هي إسبانيا -الأندلس- بتاريخها وعبقها وأنهارها وجداولها وسهولها وجبالها.. كل شيء يزداد جاذبية وسحراً من الجمال كلما اقتربنا من تاريخها، حيث تأخذ كل آثارها وسياحتها مجامع قلبك.

لكن يكمن وراء هذا السحر والجمال، سحر من نوع آخر يعكس منعطفاً غريباً في حياة الإسبان؛ الذين لم ينسوا طقوساً عفى عليها الزمن وصارت عنواناً للجهل والأسطورة، لكنهم أعادوها مجدداً في مهرجانات واحتفالات سنوية، ليجنوا من ورائها ملايين الدولارات ويجعلونها مزاراً سياحياً، غير مكترثين أنهم في عالم متحضر.

«المجتمع» تواصلت مع سمير عزام، رئيس الجمعية الإسلامية والمركز الثقافي الإسلامي في مدينة فيغو بمقاطعة غاليثيا الإسبانية؛ الذي كشف تفاصيل ما يتم تداوله من أعمال وطقوس روحية، وأنها في الأغلب تأتي في سياق المسار الترفيهي والسياحي والإحياء التراثي.

  • بداية، نجد أنفسنا كأننا في تناقض أمام الثقافة الإسبانية، فعلى الرغم من ملاحقة الساحرات في «محاكم التفتيش»، فإن إسبانيا تحتضن بطولات للسحر، كيف تقرأ هذا التناقض؟

- بالرغم من أن إسبانيا تستضيف سنوياً العديد من البطولات في فن استعراض السحر، كالبطولة السنوية التي تقام في يوليو بمدينة بلد الوليد والمهرجان السنوي للسحر بمدريد، فإن هذا النوع من السحر استعراضي مسرحي، بهدف الترفيه وليس القائم على الشعوذة.

مدارس تعليم السحر تعتمد على فنون الخدع البصرية

و«محاكم التفتيش» لم تقضِ تمامًا على المعتقدات والممارسات السحرية، بل تم تكييف هذه الممارسات أو دمجها في التدين الشعبي؛ ما ساهم في ثراء ثقافة إسبانيا وتعقيدها.

تذكر الإحصائيات الأخيرة أن نسبة الملحدين تشكل أكثر من 40%، فالانتماء الديني حالياً أقل حيوية، مع الاهتمام بالأشكال الروحانية كبديل لدى بعض الإسبان.

ويلقى هذا التراجع رواجاً تجارياً لقراءة «الطالع» و«التاروت» -طقوس لقراءة الحاضر والمستقبل- خدمات عبر الهاتف والإنترنت، حيث توجد شركات تعمل بهذا المجال.

  • ما زال بعض الإسبان يزورون كهف «ثوغاراموردي»، ومتحف الساحرات، ويمارسون الطقوس بحجة الحفاظ على هذه العادات، ما تفسيرك لذلك؟

- كهف «ثوغاراموردي» ومتحف الساحرات المجاور له في «نافارا» شمال إسبانيا، تحولا إلى مقصد سياحي، يجذب المهتمين بالتراث والأساطير والسياحة السوداء (الغامضة)، والعديد يزورون الكهف والمتحف بدافع السياحة والفضول.

  • إسبانيا رغم تقدمها، لكن توجد بها عادات وكأننا في القرون الوسطى مثل «يوم الموت الإسباني»، و«الجماجم بالسكر»، من خلال معايشتك، كيف تقرأ ذلك؟

- هذا الكلام صحيح، لا يمكن أن ننسى أن الشعب الإسباني شعب بسيط، تحكمت الكنيسة الكاثوليكية في جميع مناحي حياته لقرون، ومارست بالقوة الرقابة الفكرية والدينية والثقافية على الضمير الجمعي الإسباني.

شركات وخدمات لقراءة الطالع و«التاروت» عبر الهاتف والإنترنت!

فلا يكاد يخلو أسبوع دون مناسبة دينية أو ثقافية حتى أطلق عليهم الأوروبيون «شعب السييستا»؛ بمعنى شعب القيلولة اليومية والمناسبات.

وأما احتفال بيوم الأموات، فهو مناسبة كرّستها الكنيسة، قائمة على الأساطير؛ حيث تصنع جماجم من السكر تزين وتقدم للأموات كهدية من الأحياء.

بينما يعد «يوم الموتى» مثالاً واضحاً على اندماج المعتقدات الوثنية مع الأعياد الكاثوليكية، مثل «عيد جميع القديسين»، و«عيد جميع الأرواح».

  • أيضاً تحتفل إسبانيا في يناير من كل عام بيوم «الملوك السحرة الثلاثة»، وتوزع الهدايا على الأطفال، فهل أصبحت الطقوس السحرية جزءاً من التراث الثقافي؟

- الاحتفال السنوي الذي يقام ليلة 5 يناير من كل عام للاحتفال بأحد أهم الأعياد عند الكاثوليك في إسبانيا، ويتم عبر مسيرات الملوك الثلاثة، ويرتدي المحتفلون زي الملوك الثلاثة، ويوزعون الهدايا على الأطفال، ليستيقظ الأطفال في اليوم التالي، ليجدوا الهدايا التي جلبها «الملوك الثلاثة»، وهو يشبه الاحتفال بـ«بابا نويل».

  • هل تفسر ممارسة الطقوس السحرية أو أعمال الشعوذة لتشابه العادات بين إسبانيا والمغرب؟ وإن كان كذلك، فكيف تفسر تواجدها في بلدن أوروبية أخرى؟

- ممارسة السحر أو الشعوذة في إسبانيا، إن وجدت، ليست نتيجة مباشرة لتشابه العادات بين إسبانيا والمغرب، فهي نتاج تراكم تاريخي طويل من التقاليد الأوروبية والمتوسطية والمغاربية، فمثلاً في:

1- مقاطعة غاليثيا، التي أعيش فيها يمارس سحر شعبي فلكلوري يسمى «الساحرات الطيبات/الشريرات»؛ حيث يتم حرق مشروب كحولي مع قراءة تعاويذ لطرد الأرواح الشريرة، وهو طقس روماني قديم.

2- في أستورياس وكانتابريا في الشمال يمارَس تقليد فلكلوري خيالي مصدره شمال أوروبي لاتيني، ضد «العين الشريرة» يسمى «Xanas» (حوريات الماء).

3- في الجنوب تنتشر الرموز، التي يظهر فيها التأثير المغربي/ المتوسطي، مثل رمز «يد فاطمة– الخمسة» كتميمة ضد العين، واستخدام البخور والأعشاب لجلب الرزق أو طرد النحس.

4- في إقليم كتالونيا في الشرق وفي غاليثيا في الغرب يحتفلون بليلة القديس يوحنا، حيث يقفزون فوق النار للتطهير، وهو موروث أوروبي متوسطي قديم.

  • في رأيك، هل الاقتصاد السياحي وراء الاهتمام بالتراث السحري في إسبانيا، على سبيل المثال «قرية الساحرات» لجذب السياح؟

- يلمس سؤالك جوهر الموضوع، فالاقتصاد السياحي واستثمار الرمز والموقع الثقافي لجذب الزوار أحد أهم الأسباب وراء اهتمام إسبانيا بما يسمى «التراث السحري».

الاقتصاد السياحي وراء اهتمام إسبانيا بما يسمى «التراث السحري»

ومنذ عام 2000م، بدأت إسبانيا بما يسمى «السياحة الثقافية البديلة»، و«السياحة الغامضة»؛ لجذب السياح إلى القرى والمناطق الجبلية والتاريخية، بهدف تنشيط الاقتصاد الريفي.

فالقرى التي تحوي تلك المعالم غالباً ما كانت مهددة بالهجرة والفقر، فوجدت في «الأسطورة المحلية» فرصة اقتصادية ذهبية لجلب السياح.

  • في وقت سابق، هدد ساحرٌ شهيرٌ رونالدو وفريقَ «ريال مدريد» عامة بفنون السحر، هل توجد مدارس لتعلم السحر هناك؟

- نعم توجد بالفعل في إسبانيا العديد من مدارس تعليم السحر القائم على فنون الخدع البصرية والخفة؛ بهدف فني ترفيهي محض، وليس السحر القائم على الشعوذة والقوى الخارقة.

  • يقترب عدد المسلمين في إسبانيا من 3 ملايين، هل يوجد مراكز للعلاج بالقرآن والرقية الشرعية؟

- على حسب علمي، لا توجد مراكز قانونية مرخصة لتقديم خدمات العلاج بالقرآن والرقية الشرعية في إسبانيا، غالباً ما تتم الرقية الشرعية من خلال ممارسات فردية من قبل بعض أئمة المساجد أو عبر أشخاص.

  • يوجد بإسبانيا عشرات المراكز الإسلامية، كيف تساهم هذه المراكز في نشر الوعي ومحاربة الدجل والخرافات؟

- المراكز الإسلامية تقيم العديد من الندوات التوعوية لمحاربة الدجل والخرافات، وتخصص العديد من خطب الجمعة للتوعية وتحذير المسلمين من أعمال السحر والشعوذة والتمائم والخرافات حيث يرفضها الإسلام، ولكن يبقى الأثر محدوداً جداً، وبالأخص في أوساط المسلمين الأفارقة الذين تتجذر فيهم الكثير من الممارسات السحرية والشعوذة.

  • أخيراً، هل ما زال من المسلمين بإسبانيا من يمارس أعمالاً للشعوذة رغم تواجدهم بدولة أوروبية وحرمة ذلك في الدين الحنيف؟

- في إسبانيا على خلاف باقي الدول الأوروبية، تشكل الجاليتان الأفريقية والمغربية (القادمان من الريف أو من بيئة تقليدية فقيرة) الغالبية العظمى من مرتادي المساجد.

وأكثر من 80% من مرتادي المساجد في إسبانيا هم من هؤلاء، وقد نقلوا معهم من بلدانهم تلك الممارسات الشعبية القديمة.



اقرأ أيضاً:

الخبير الرقمي أحمد الزعبي لـ«المجتمع»: الفراغ الروحي وراء الإقبال على السحرة

الأكاديمي الموريتاني أحمد سالم لـ«المجتمع»: «شارع السحرة» بنواكشوط مملكة محمية من أصحاب النفوذ!

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة