زعم اليهود أنهم مظلومون (1 - 2)

زعم اليهود أنهم مظلومون، وأنهم قد نكّل بهم وأُوذوا، وأن هتلر أباد خضراءهم وقتل أبناءهم، فتحركت (الرحمة!) في قلوب الأقوياء من دول الأرض فأرادوا أن يجدوا لهم داراً فلم يجدوا إلا أرضنا، فأجبرونا أن نخرج من مساكننا، وأن نمنحهم خيرات بلادنا، وجاء وزير المتمدنين الذين يلبسون جلود الظباء على أجساد الذئاب، فأعطاهم (وعداً) بأن يجعل لهم من قلب بلادنا ملجأً: يمنحهم ما لا يَمْلكْ، وهم لا يستحقون ما منح، فكانت فضيحة التاريخ البشري التي لم يُسمع بمثلها في حاضر ولا غابر، وها هم أولاء اليوم يدعوننا إلى السلام ونبذ الحرب يقولون: أليس السلام خيراً لكم، فلماذا تراق الدماء، وتزهق الأرواح؟

إن السلام الذي يدعوننا إليه كالسلام بين اللص الذي اقتحم دارك وقتل بعض أهلك، وسكن في بعض منزلك، فلما أردت أن تخرجه، قال: انظروا إلى هذا (الإرهابيّ).

ودعوا إلى الاجتماع على حرب الإرهاب(1).

«السامية».. ومعاداة البشرية! |  Mugtama
«السامية».. ومعاداة البشرية! | Mugtama
احتكر اليهود «السامية» لأنفسهم، وادعوا أنهم وحدهم أبناء سام بن نوح عليه السلام
mugtama.com
×

لقد هببنا ندافع عن أرضنا، وهذا الدفاع حق لنا، ومن يسكت على من يحتل أرضه؟ أترضى أمريكا أو إنكلترا، لو سرق عدوُّ لها لقطعة من أرضها عند واشنطن ولندن، وقتل ونهب وارتكب السبع الموبقات ثم قال: لماذا القتال؟ تعالوا يا جماعة نتفاهم.

كنا سنة 1948م نقاتل ولاحت لنا تباشير النصر، فأكرهونا على (هدنة) شَلَّتْ أيدينا، ومكنت لعدونا، وكان بنا نقص في القوة وفي التجربة، فخدعنا وصدقنا، فتمكن

اليهود منا وضربوا ضربة الجبان، والجبان إذا تمكن جمع قوته كلها وضرب ضربة واحدة، لا يقدر على غيرها، يضربها في ظلمة الليل، فيكون فيها نجاته أو مماته.

وقد انقضى الآن الليل، وتنبه الغافل، وكبر الصغير واشتد عوده، هل ترون الشجيرات التي تزرع على حافات الشوارع تكون ضعيفة فيمسكونها في قفص من الحديد، تعتمد عليه ولكنه يكون كالقيد لها، فإذا غلظ ساقها، واعتمدت على نفسها، نبذت القفص عنها. أو استدار عليه جذعها فاحتواه.

فنحن اليوم كالشجرة التي اشتد عودها، وكنا يوماً كالغصن الطري الذي كان يحتاج إلى ما يدعمه ويعمده.

لقد بدأت الأمور ترجع إلى نصابها، وانزاحت الغشاوة قليلاً فرآها الناس على حقيقتها، وما أزاحها إلا حرب رمضان. أعني حرب اكتوبر أو تشرين، صغرت إسرائيل في عيونهم بعد تلك الحرب وزادت صغاراً بعد هذه الانتفاضة المباركة، كانت كالبالون الذي يلعب به الأولاد، فأصابه

ثقب.. فخرج منه بعض الهواء، لقد بدأت «إسرائيل» تفتضح وتظهر حقائقها، حتى إذاعة إسرائيل صارت بعدها هزأة ولم يعد يصدقها أحد، حتى دعايتها وإعلامها التي طالما خوَّفت به، لم تستطع يوماً أن تصنع شيئاً مع كرايسكي مستشمار النمسا، مع أنه يهودي تنصَّر، سلطت إسرائيل عليه سيوف إعلامها، واستعانت عليه بأنصارها وحماتها، وضغطت عليه بكل قواها، حتى تدخل نيكسون بذاته، وذهبت عجوز النحس كولدا مائير بذاتها، ليعيد فتح (ممر الشر) في (شوناو). الذي مرّ منه إلى إسرائيل ثمانون ألفاً فيهم كثير من أهل الفكر أو الفن أو الصناعة ليكونوا جنوداً لإسرائيل في حربنا، فعادت إسرائيل بإعلامها وحماتها ورئيسة وزرائها بالخيبة والهوان، وكان ذلك في حرب رمضان.

بكتْ «إسرائيل» وشكت أننا هاجمناها في يوم الغفران، ولم نحترم مقدساتها...! وأنا أسال أولاً من قال لإسرائيل أنها قد ضمنت الغفران وحددت له يوماً؟ كذبت إسرائيل. إن الله لا يغفر أن يشرك به، و«إسرائيل» (أعني شعبها لا إسرائيل الذي هو يعقوب نبيُّ الله عليه السلام) إسرائيل أشركت حين قالت عزيرٌ ابن الله، تعالى الله أن يكون له ولد، أو يكون له كفواً أحد. ما كان الله ليغفر لمن قتلوا النبيين، وكذبوهم، وافتروا عليهم، ولم يدَعوا في قاموس الجرائم جريمة لم يرتكبوها، فَعَدُّوا عن قصة الغفران هذه، ويوم الغفران، فليس أمامكم إلا النار، تصلونها في الدنيا بأيدينا بعون الله، ولنار الآخرة أشدّ.

المستوطنون اليهود يتولون الإشراف على المسجد الإبراهيمي رسمياً! |  Mugtama
المستوطنون اليهود يتولون الإشراف على المسجد الإبراهيمي رسمياً! | Mugtama
هناك قرار صهيوني بالاستيلاء بالكامل على الحرم الإ...
mugtama.com
×

أما المقدسات، فما أوقح «إسرائيل».. هل احترمت مقدسات أحد حتى تطالب بأن تحترم مقدساتها التي لا قداسة لها؟ أما أحرقت المسجد الأقصى؟ أما حاولت زعزعة أساسه؟ وهزَّ أركانه، لعله يسقط؟ أما حفروا بحذاء جداره -ينزلون في بطن الأرض يأملون أن يصلوا إلى الأساس فيظهر تحته أثر من هيكل سليمان- تبلغ الحفر أكثر من خمسة عشر متراً. وليس أمامهم إلا جدار الأقصى، ولو حفروا بحذاء قلعة خمسة مترا لتزعزع جدارها ومالت للنهار.

أما دنسوا وآذوا كنيسة القيامة التي يقدسها النصارى وسرقوها؟ سرقوا الكنيسة كما أحرقوا المسجد! ...

لصوص ومخربون، ويبكون ويشكون أن هاجمناهم في يوم عيدهم، وهم الذين لم يتركوا لأهل فلسطين عيداً يعيّدون فيه، لقد حوَّل هؤلاء المجرمون أعيادهم مآتم.

هل رعَتْ «إسرائيل» مريضاً؟، أما خربت المستشفيات وقتلت المرضى والأطباء والممرضات؟

هل رعت طفولة؟ حتى تطلب أن يرعى الناس أطفالها؟

هل تذكرون أني قلت لكم عشرين مرة -كررت القول حتى مللتم- أن «إسرائيل» ليست كما تظنون، إنها ضبع تعيش على الجيف وجَدَتْ جلد سبع أو قُدِّم لها فلبسته، وحملت شريطاً مسجلَاَ عليه زئير سبع فظنها الناس سبعاً، ثم قلدت أشعب فَصدَّقَتْ هي نفسها.

كان الناس يظنون أن استخبارات إسرائيل أقوى استخبارات على وجه الأرض، وإنها تعرف حركاتنا وسكناتنا، حتى لقد ظن ناس منا (وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو) أنها تعلم ما تخفي صدورنا. فها هي ذي فوجئت (يوم حرب رمضان) بالهجوم، ولم تستطع استخباراتها أن تحسَّ به أو تشم له رائحة.

وبارك الله هؤلاء الزعماء الذي تعلَّموا من حرب 1967م فضيلة الكتمان، بل تعلموها من سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، إن محمداً لقائد استطاع يوم الفتح أن يُخفي تحركات جيش من عشرة آلاف كان في جريرة العرب في تلك الأيام يُعَدُّ جيشاً ضخماً، فيه من كل القبائل، ومع ذلك فقد سدَّ كل طريق يصل منه خبره إلى قريش.

ومعركة «بدر» الظافرة كانت بعدها هزيمة، وإن كان ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكبار، ردَّ الهزيمة ظفراً، ذلك لتعلموا أن الحروب سجال، والدهر دولاب، والدنيا ليل ونهار، والأرض صعود جبل وهبوط واد، ولكن العبرة بالنهاية، والأمور بخواتيمها، والنهاية لنا إن شاء أدبه، للإسلام، ما دمنا معه فالنصر لنا.

إن الذي صنعناه في رمضان شيء عجيب، تصوروا لو أن تَلاً من الرمال غير ممهد علوه عشرون متراً كلفت صعوده لتعبت، فكيف إن كان حوله من يقذفك بالحجارة ليمنعك من صعوده، فكيف إن كان بدل الحجارة الرصاص والبارود، فكيف إن كان هذا الرمل يُغطي حصوناً من يابس الصخر ومتين الأبرق (أي الإسمنت المسلح)، فيها المدافع والدبابات وأقوى المتفجرات، فكيف اقتحمها جنود مصر؟! أقوى وأحدث خط دفاع، كلف ٢٨٣ مليون دولار اجتازوه بأقدم وأضعف وسيلة هجوم، بسلم من خشب ثمنه ثلاث دولارات كيف تمت هذه الأعجوبة؟! ... بالإيمان ومعه ما يستلزمه الإيمان ويطلبه العقل والدين من الخطط والسلاح والكتمان، كل هذا لا بدَّ منه، ولكن كل هذا كأعضاء الجسد والإيمان الروح، وفي حرب 1967م كان عندنا هذا كله ولكن بلا روح الآن جاءت معه الروح، وهو نزول عجيب، لعله مثله نزول الحلفاء على ساحل نورماندي خلال الحرب الأخيرة، بل أعظم، وأحسب أن نزول المصريين يوم 6 تشرين الأول 1973م على ضفة القناة الأخرى سيدخل في تاريخ الفن العسكري الذي يدرس في الكلية الحربية.

لقد دهش العالم وعجب مما رأى من جنودنا في سيناء وفي الجولان، وكان عليه أن يعجب من هزيمتنا في حرب ٤٨ وحرب 1967م لا من ظفرنا في رمضان، العجب مما يأتي من غير أهله، ابن حاتم الطائي لا يعجب منه أحد إن كان كريماً، لأن الولد سرُّ أبيه، (ومن يشابه أَبَه فما ظلم)، ولكن العجب أن يبخل ويشحَّ ابن حاتم الطائي.

«إسرائيل».. دولتان في واحدة! |  Mugtama
«إسرائيل».. دولتان في واحدة! | Mugtama
كشفت الضربات الإيرانية في عمق الكيان الصهيوني حقي...
mugtama.com
×

تعجبين من سقمي؟ صحتي هي العجب

العجب أن يظفر اليهود الذين ضربت عليهم الذلَّة والمسكنة. لا أن يظفر أبناء من فتحوا الشرق والغرب، وكانوا سادة الدنيا وأساتذتها، على أننا ما غلبنا نحن في الحربين 1948 و1967م، ولا اليهود ظفروا، إنما غلبت فينا خلائق اليهود التي دخلت علينا في غفلة منا، خلائق الانقسام والتردد، وفقد الكتمان، وارتجال الخطط، والإصغاء لمشورة الأعداء.

صغرت «إسرائيل» أكثر لما بدأت هذه (الانتفاضة)، صبيان يقاتلون بالحجارة جيشاً يملك أعْتى وأقسى ما أوحى به الشيطان إلى أوليائه من وسائل القتل والتدمير والهلاك، وحسبوها فورة حماسة استمر ساعات لم تخمد، تمتد يوماً

أو يومين، فإذا هي تستمر الشهر والشهر الذي بعده، والشهور تتوالى والانتفاضة لا تزداد إلا قوَّة، ذلك بأنها ليست حركة وطنية، ولا قومية، ولا لمجرد استرداد الأرض، وطرد الواغل الدخيل منها، هذه كلها مقاصد قد تشترك في مثلها أمم الأرض، بل لأنها جهاد، جهاد بالمعنى الذي عرفه الإسلام، بذل الروح لله وحده، وابتغاء الجزاء منه وحده، جهادٌ مَنْ يظفر فيه يَظْفَر بنيل الأماني وبلوغ الغايات، ومن يَمُتْ يَنَلْ ما هو أكبر من مِتَع الدنيا كلها رضا الله والجنة،

كتب الله لهذه الانتفاضة الاستمرار والقوة، كما كتب مثل ذلك للحرب الجهادية في الأفغان لأنهما قامتا لله لا للدنيا، وما كان لله فهو المتصل.





____________________

(1) إننا نسمع كل يوم عن فلسطيني أخذ بتهمة (مقاومة الاحتلال) فهل تكون تهمة مقاومة الحرامي المجرم الذي جاء يحتل دارك؟

المصدر: من كتاب «قصتنا مع اليهود».


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة