زوجك ليس نِدّاً يا سيدتي!‏

منى عبدالفتاح

14 سبتمبر 2025

121

تنتقل الحياة الزوجية إلى مربع آخر من الصراع والخلاف، وصولاً إلى الانفصال والطلاق، إذا تسلل داء الندية إلى الأسرة، وأصاب العلاقة بين الزوج والزوجة، كفيروس خطير ومدمر للمناعة الأسرية، والسعادة الزوجية.

قد يكون الداء الأخطر خلال السنوات الأخيرة، مع تنامي أصوات النسوية المتطرفة، وتعالي نبرة تمكين المرأة، وتفشي ثقافة هدامة للبناء الأسري، تقوم على نثر بذور الصراع بين الزوجين، انطلاقاً من شعارات زائفة مثل المساواة، وحقوق المرأة، وحرية المرأة.

قبل سنوات، انتشر كالنار في الهشيم «ترند» «الست مش ملزمة»! وهي دعوى مشبوهة تبنتها إعلامية مصرية، تروج لإعفاء الزوجة من أي مسؤوليات منزلية أو واجبات زوجية، باعتبار أنها غير ملزمة بالرضاعة أو تجهيز الطعام، أو القيام على شؤون بيتها وزوجها وأبنائها.

«لا وألف لا، رأسي برأسك»، هكذا عبرت زميلتي على خلاف لها مع زوجها، لأجد نفسي، وقد انتابتني لحظة صمت، سرعان ما أنهيتها، كي أهدئ من غضبها، موجهاً لها هذا السؤال: وماذا بعد؟

قال أعرابي لابنه: مالي أراك ساكتاً والناس يتكلمون؟ قال: لا أُحسن ما يحسنون، قال: إن قيل: لا، فقل: نعم، وإن قيل: نعم فقل أنت: لا، وشاغبهم ولا تقعُد غافِلاً لا يُشعرُ بِك.

في بعض الأحيان، وربما في كثير منها، تكون كلمة «لا» لإثبات موقف، أو من أجل الإحساس بالذات، أو محاولة لتحدي الآخر، حتى لو كان الزوج نفسه، دون أن يستند ذلك إلى أسس عقلانية ومنطقية، أو يقوم على مبدأ شرعي يوافق الكتاب والسُّنة، فقط هو حضور لـ«الأنا»، وإحساس مبالغ فيه بقيمة الذات، دون إدراك للعواقب والنتائج.

الخراب يطرق أبواب الكثير من البيوت؛ جراء الندية والعناد والجدال، ليتحول بيت الزوجية إلى حلبة صراع، وتتصدع جدران الأسرة، بفعل الشجار والخلاف، وقد يتطور الأمر إلى العنف والقتل، في لحظة غضب أعمت البصر والبصيرة، ليدفع الجميع ثمن «لا وألف لا».

إن الزواج، مودة ورحمة، وسكن منيع، يحمل بين جدرانه معاني الحب والدفء، والحنان والعفاف، ولباس من الستر والاحتواء يجمع بين الزوجين، آية من آيات الله، ميثاق غليظ، سُنة نبوية، فطرة إنسانية، ضرورة حياتية، حاجة مجتمعية، لا ساحة صراع يا سيدتي.

أين القوامة؟

تتوهم بعض النساء بأن مناطحة الرجال ستجني لها الكثير من المكاسب، أو أنها ستحقق لها ذاتها وسترفع قدرها في أوساط المجتمع، وستنال المديح والثناء باعتبارها ذات شخصية قوية، أو أنها مستقبلاً ستنفرد بسلطة اتخاذ القرار في البيت، وقيادة السفينة.

لكن الحقيقة المرّة أنها تهدم بيتها، وتدمر تماسكه واستقراره، وتطعن رجولة زوجها في مقتل، وتعصف بقوامته، التي قال عنها الله عز وجل في كتابه الكريم: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: 34).

والقوامة معناها: القيام على الشيء رعاية وحماية وإصلاحاً، يقول ابن عباس: «الرجال قوامون على النساء يعني: أمراء، عليها أن تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته: أن تكون محسنة إلى أهله، حافظة لماله، وفضله عليها بنفقته وسعيه».

فإذا قام الرجل بالقوامة على أكمل وجه، وإذا أدى حقوق الزوجة عليه، وأحسن إليها، وأكرمها، وعاشرها بالمعروف، فلماذا الندية يا معشر النساء؟! ولماذا التناطح، والاستفزاز، والعناد، وتصيد الأخطاء؟! وإذا تخلى عن قوامته، فهذا شأن آخر، حينها وجب تنبيهه ونصحه وتذكيره بحقها بالوسائل المشروعة؛ دينياً ومجتمعياً وقانونياً.

نتائج العناد

تؤكد دراسات حديثة أن العناد بين الزوجين أحد الأسباب الرئيسة لتفاقم المشكلات بينهما، وأن عناد الزوجة وتهور الزوج أحد أسباب ارتفاع معدلات الطلاق، وأن العناد الزوجي يلقي بظلال نفسية سلبية على الزوجين، وقد تمتد لتنال من أبنائهم وتعصف باتزانهم النفسي والتربوي.

أعرف أكثر من جارة وزميلة «ركبت دماغها» أو «ركبت راسها»؛ وهو تعبير عامي يطلق على من لا يثْنِيه شيء عما يريد ويهوى، دون مشورة أو تروٍّ، أو دراسة للأمر، أو طلب للنصيحة من أحد، والنتيجة كانت التفكك والطلاق، وضياع العمر في ساحات القضاء، فأين مكاسب الندية والتناطح؟!

قال أبو الدرداء: «إذا رَأَيْت نُعَرَة النَّاس وَلم تستطع أَن تغيرها فدعها»، قَالَ الْأَصْمَعِي: «النُّعَرَة ذُبَاب كَبِير أَزْرَق لَهُ إبرة يلسع بهَا، وَرُبمَا دخل أنف الْبَعِير فيركب رَأسه فَلَا يردهُ شَيْء، وَالْعرب تشبه ذَا الْكبر بذلك الْبَعِير إذا ركب رَأسه، وتُشبّه الرجل يركب رَأسه ويمضي عَلَى الْجَهْل فَلَا يردهُ شَيْء بذلك» (كتاب غريب الحديث لابن الجوزي).

إن الزواج تسامح وتحاور، وتفاهم وتوافق، وتواد وتراحم، وتشاور وتناصح، لا غلظة وصراع، أو ندية وعناد، فليس من العيب أن يأخذ الرجل برأي زوجته، فقد يكون سبباً في تزايد عنادها، بتسلطه وتجاهل رأيها والسخرية منها، كذلك ليس من الحكمة أن ترفض الزوجة رأي زوجها، ما دام في طاعة وخير، فهو ربان السفينة، يدير دفتها، ويتحمل مسؤوليتها.

طاقة إيجابية

لنحول العناد والندية إلى طاقة إيجابية، ولنمنع خراب بيوتنا وتدمير زواجنا بسبب الإفراط في ذلك، ولنتمسك بآداب الحوار البناء، واحترام الرأي الآخر، وتجنب الجدال، والتغاضي عن الصغائر، والعفو عند المقدرة، ولنتذكر وصية أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس عند زواجها: «كوني له أمة يكن لك عبدًا».

عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرًا بشرًا أن يسجد لبشر، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها» (رواه الترمذي).

زوجك هو سكنك وشريك حياتك، صديقك ورفيقك، سندك وعضدك، وليس نداً أو عدواً أو منافساً لك، وقتها ستغمر السعادة بيتك، وستزول الشحناء، وسيعود شيطان النسوية المتطرفة خاسراً أمام بيت آمن مطمئن، عماده التقوى، بنيانه الإيمان، عنوانه المودة والرحمة.

اقرأ أيضاً:

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة