سلام غزة أم احتلال فلسطين؟!

د. عصام يوسف

23 نوفمبر 2025

71

بعد حرب انتقام وإبادة جماعية دمر فيها الاحتلال «الإسرائيلي» كل مقومات الحياة في قطاع غزة، تُرك القطاع بأكثر من مليوني مشرد بلا مأوى، مع دمار واسع طال الأحياء والمدن والمحافظات والبنى التحتية وكافة القطاعات.

وفي 9 أكتوبر 2025م، أُعلن عن وقف الحرب في غزة بضمانات أمريكية وعربية وإسلامية، ورغم ذلك استمرت الحرب بأشكال مختلفة، من بينها استمرار القصف وإن كان بوتيرة أخف، مع استمرار إغلاق المعابر وتقييد دخول المساعدات والبضائع.

ضربت «إسرائيل» عرض الحائط كافة القرارات الخاصة بإدخال المساعدات الإنسانية والتجارية لغزة وفتح معبر رفح لنقل المرضى والجرحى والسكان، واستمرت في منع تنفيذ التفاهمات، فيما توهم العالم بعكس ذلك عبر تضخيم إدخال بعض المساعدات، رغم قلتها وعدم تلبية حاجة الناس الحقيقية من توفير خيام وكرفانات للنازحين، ومستلزمات طبية وعلاجية للمستشفيات والجرحى.

كما يواصل الاحتلال منع المنظمات الدولية من ممارسة دورها الإنساني في توفير ما يقي الناس برد الشتاء وأمطاره، خاصة أن النسبة الأكبر من سكان غزة يعيشون في خيام مهترئة ومنازل آيلة للسقوط ومدمرة بشكل كبير.

وصاية دولية

بدل إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية، وحماية الشعب الفلسطيني من الاعتداءات «الإسرائيلية»، ومنع استخدام «إسرائيل» للأسلحة الفتاكة التي تسببت بدمار شبه كامل لقطاع غزة وتدمير العديد من مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، تتجه بعض القوى لتجريد الشعب الفلسطيني من أي قدرة على الدفاع عن نفسه.

ويفرض القرار الأممي وصاية دولية على قطاع غزة، عبر ما أسموه «مجلس السلام»، الذي يذكر بالانتداب البريطاني على فلسطين وقد مهد الطريق لقيام وزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي.

يهدف هذا المجلس إلى حماية الكيان واستمرار احتلاله لأرض فلسطين، ومنح القوة الدولية صلاحيات حكم انتقالية وسيادية تعيد إنتاج الاحتلال بأشكال وصيغ جديدة، وهو الأمر الذي يرفضه الشعب الفلسطيني تمامًا.

لماذا لا يمنح الشعب حقه؟

تضمن القوانين الشرعية والدولية لكل من يقع تحت الاحتلال حقه في الدفاع عن نفسه وشعبه، فلماذا لا يُمنح الشعب الفلسطيني هذا الحق؟

أهم ما يسعى القرار الأممي لتحقيقه هو نزع سلاح المقاومة، وتجريد الشعب الفلسطيني من أي عناصر قوة وصمود في وجه الاحتلال.

لقد أثبتت التجارب التاريخية أن نزع السلاح من يد المقاومة الفلسطينية تبعه مجازر بحق الشعب الفلسطيني رغم الضمانات الدولية بما فيها الدولة الساعية لفرض هذا القرار ودول أوروبية كانت ضمن هؤلاء الضامنين، سواء في العام 1948 أو 1981م، وأن نزع سلاح غزة اليوم، مع التهديدات «الإسرائيلية» المستمرة وغياب حماية حقيقية للسكان، لا يضمن عدم وقوع انتقام «إسرائيلي» كما يحدث الآن، ما سيؤدي إلى سقوط العديد من الأرواح البريئة، بينما إقامة دولة فلسطينية مستقلة قد يؤدي إلى سلام واستقرار في المنطقة استعدت له السلطة الفلسطينية والدول العربية المحيطة وقبلته قوى المقاومة الفلسطينية.

تجاهل وجود الشعب

يحاول القرار إخراج الشعب الفلسطيني ومرجعياته من المعادلة السياسية، ويتجاهل وجود هذا الشعب المكافح، ويفرض حلولًا تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، كما يسعى القرار لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والقدس، وتكريس هذا الفصل لتفتيت وطمس كامل للحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة كما نصت عليه قرارات أممية.

وبالنظر إلى التجارب في المحيط العربي، فقد أثبت وجود قوى حماية دولية في لبنان عدم منعها لمجازر صبرا وشاتيلا، ولم يمنع الاحتلال من الاعتداء على القوات الدولية نفسها حتى اليوم.

الحل الجذري

تقتضي المعادلة السياسية حلاً جذريًا يعطي الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة في دولة مستقلة قابلة للحياة، دون وصاية ظالمة.

المطلوب من الدول العربية والإسلامية رفض هذا القرار ومنع استغلاله؛ لأنه سيشكل مقدمة لمزيد من التوسع والأطماع الصهيونية التي تستهدف الأرض العربية، وفرض ما يسمى «إسرائيل الكبرى»، وإعادة رسم خرائط المنطقة بأسرها.

المشروع «الإسرائيلي» ليس سرًا، بل تحدث عنه رئيس حكومة الاحتلال وقادته مرات عديدة بشكل واضح ومباشر، وهو حلم يعاد تطبيقه في إعادة احتلال الأراضي السورية واللبنانية والوصول المباشر إلى الحدود المصرية، والتهديد للأراضي الأردنية في غور الأردن، والمستهدف إقامة دولة «إسرائيل» الكبرى، فيما يعني زعزعة الاستقرار في المنطقة لعقود طويلة.

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة