سيناريوهات «اليوم التالي» بغزة صهيونياً.. ودور العرب فيها

الحديث عن «اليوم التالي» بغزة يشغل مساحة كبيرة في أروقة السياسة والإعلام؛ لأنه يتعلق بمستقبل غزة، التي أصبحت الآن جوهر القضية الفلسطينية؛ ومن ثم فـ«اليوم التالي» لغزة هو في الحقيقة «اليوم التالي للقضية برمتها».

ولا شك أن «اليوم التالي» بغزة يخضع في شكله النهائي لما ستؤول إليه موازين القوى على الأرض بين المقاومة والاحتلال الصهيوني من جهة، والتفاعلات التي تجري هنا وهناك سياسيًّا وشعبيًّا من جهة أخرى؛ ولهذا، فنحن لسنا أمام صورة جاهزة التحضير لليوم التالي بقدر ما نحن أمام سيناريوهات متعددة.

وفي النقاشات التي تجري من طرف الاحتلال وفضائه السياسي والإعلامي، قدّم الكاتبان عاموس يادلين، وأودي أفينتال، 4 تصورات لما يمكن أن يكون عليه «اليوم التالي»، وطبيعة كل تصور بالنسبة لدولة الكيان، وخلصا إلى أن واحدًا منها فقط لن يُلحق ضررًا جسيمًا بـ«إسرائيل»؛ وذلك في مقال مفصل ترجمه موقع «مؤسسة الدراسات الفلسطينية».

الخيارات الأربعة لليوم التالي أو لنهاية الحرب، وبحسب الكاتبَيْن، هي: الأول: «النصر التام» الذي يروّجه بنيامين نتنياهو، ويتحدث عن الحسم العسكري والسياسي مع حركة «حماس»، ونزع سلاح القطاع بالكامل، وإعادة جميع الأسرى؛ والثاني: «نموذج ويتكوف» القائم بالأساس على وقف القتال، في مقابل إطلاق سراح نصف الأسرى؛ أمّا الثالث: إنهاء الحرب بقرار يُفرض دوليًّا؛ وأخيرًا، النموذج الرابع الذي بلوره الكاتبان فيما سمّياه «Mind Israel»؛ وهو «النصر الذكي» الذي يتحدث عن قبول «إسرائيل» إنهاء الحرب، واعتباره رافعة للإفراج عن جميع الأسرى دفعة واحدة، وتحقيق بقية أهداف الحرب في المدى البعيد.

أوراق نتنياهو.. مغامرات البقاء! | مجلة المجتمع
أوراق نتنياهو.. مغامرات البقاء! | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×


الخيار الأول: ثمن باهظ:

يبين كاتبا المقال أن تحليل جميع النماذج يُظهر أن ثمن «النصر التام» باهظ للغاية، وهو يقود إلى احتلال القطاع حتمًا، وتأسيس إدارة عسكرية فيه، وتحميل «إسرائيل» وحدها عبء المسؤولية عن حياة السكان الفلسطينيين في القطاع، والانزلاق إلى منحدر خطِر نحو وضع «الدولة المنبوذة» تحت طائلة العقوبات.

ويتحدث نموذج النصر التام عن الحسم الكامل في القطاع، عبر دفع سكان غزة إلى مناطق محددة، والسيطرة على توزيع الغذاء، واحتلال المناطق المتبقية و«تطهيرها»، حتى نزع سلاح القطاع كله، ونفي قادة «حماس»، وتطبيق خطة ترمب بشأن الهجرة الطوعية.

ويبين الكاتبان أن نزع السلاح الكامل من غزة حتى الكلاشينكوف الأخير يشبه، إلى حد كبير، تفريغ البحر بملعقة، ويتطلب بقاء «إسرائيل» في القطاع أعواماً، إن لم يكن عقوداً، علاوةً على ذلك، وبما أن «إسرائيل» لا تبني بديلاً من هيمنة «حماس»، فإن الفراغ الذي سيسبّبه الضرر العسكري الذي يلحق بـ«حماس» سيُملأ من جديد، إمّا من جانب «إسرائيل» نفسها، وإمّا عن طريق عودة عناصر «حماس»، ومن دون بديل لـ«حماس»، سينزلق الجيش «الإسرائيلي» إلى داخل غزة، أكثر فأكثر، حتى الوصول إلى تشكيل إدارة عسكرية بحكم الأمر الواقع.

ويلفت المقال إلى أن أثمان احتلال غزة، وتأسيس إدارة عسكرية، وتَحمُّل المسؤولية عن حياة السكان الفلسطينيين، ستكون باهظة جداً بالنسبة إلى أمن «إسرائيل» ومستقبلها؛ وهذا سيكون بمثابة حُكم بالإعدام على الأسرى، وسيتسبّب بإزهاق أرواح جنود نظاميين واحتياطيين في حرب استنزاف عديمة الجدوى، وبعبء هائل على كاهل الجيش والاقتصاد وسوق العمل، فضلاً عن العزلة السياسية وفرض العقوبات، وتأجيل عملية التطبيع والاندماج في المنطقة، والإضرار بالعلاقات مع دول الغرب.

مفاوضات غزة.. تصريحات ترمب تكشف زيف وساطة مبعوثه ويتكوف | مجلة المجتمع
مفاوضات غزة.. تصريحات ترمب تكشف زيف وساطة مبعوثه ويتكوف | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×

الخيار الثاني: نموذج ويتكوف لا ينزع سلاح المقاومة:

وبحسب المقال، فإن نموذج ويتكوف الذي يقضي بوقف القتال مدة شهرين، في مقابل تنفيذ صفقة تبادُل أسرى جزئية، وتقديم ضمانات لـ«حماس» تتعلق بعدم استئناف الحرب، وإجراء مفاوضات بشأن إطلاق سراح بقية الأسرى، هذا النموذج يضع إمكان نجاة جميع الأسرى الأحياء موضع شك، ويُفضي إلى اختيار قاسٍ ينطوي على صفقة يتم فيها إطلاق سراح قسم منهم فقط في المرحلة الأولى، أمّا في المرحلة الثانية، فستُجري الأطراف مفاوضات بشأن إنهاء الحرب واستبدال حُكم «حماس»، وفقاً للمبادرة التي طرحتها مصر ودول عربية لإعادة إعمار القطاع، وذلك من دون أيّ ارتباط لذلك بنزع السلاح، ومع توقّع تعرّض «إسرائيل» لضغوط شديدة من أجل عدم العودة إلى القتال.

الخيار الثالث: استمرار الحرب يبدد الإنجازات:

وفيما يتصل بخيار توسيع الحرب في غزة واستمرارها من دون جدوى، أو نهاية منظورة، يوضح الكاتبان أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تحرّك دولي لفرض إنهائها على «إسرائيل» (نموذج الفرض الدولي)، وربما توقف الولايات المتحدة والعالم -اللذان يفقدان صبرهما إزاء تفاقُم الأزمة الإنسانية والمشاهد القاسية للقتل في صفوف الأبرياء، والجوع في القطاع- «إسرائيلَ»، من خلال قرار في مجلس الأمن، أو التهديد بفرض عقوبات، على سبيل المثال، ويفرضان عليها إنهاء الحرب بشروط سيئة بالنسبة إليها.

ويضيف المقال: في هذا السيناريو، سنفقد القدرة على التفاوض والسيطرة على شروط وقف الحرب، بصورة يمكن أن تبدّد جميع الإنجازات العسكرية ضد «حماس»، ومن المرجّح أن يكون عدد الأسرى الأحياء الذين سيُعادون أقلّ، وأن «حماس» لن تُفكّك.

الخيار الرابع: النصر الذكي وتجنيد العرب لتفكيك «حماس»:

وفي مقابل السيناريوهات الثلاثة السابقة، وما تحمله من أخطار وتكلفة على الكيان، يطرح كاتبا المقال عاموس يادلين، وأودي أفينتال، سيناريو رابعًا سمّياه «Mind Israel»؛ وهو النصر الذكي الذي يدمج مزايا جميع النماذج، ويُقلّل من عيوبها؛ ويضيفان أن الخطة المستندة إلى إنجازات الحرب والضغط الذي تمارسه عملية «مركبات جدعون» على «حماس»، تقضي بموافقة «إسرائيل» على إنهاء الحرب والانسحاب من غزة، في مقابل الإفراج الفوري عن جميع الأسرى، وربط تنفيذ الخطة المصرية - العربية لإعادة إعمار غزة، التي تُقدَّر بعشرات المليارات من الدولارات، بنزع سلاح القطاع ومنع إعادة التسلّح في المستقبل.

وفي حال لم تُعِد «حماس» جميع الأسرى، ولم تنزع سلاحها، أو إذا حاولت إعادة بناء قوتها والتعاظم من جديد، فإن «إسرائيل» ستعود، بموافقة الطرف الأمريكي، إلى بذل جهد عسكري واسع في القطاع، بحيث تُوجَّه المسؤولية عن تجدُّد الحرب والضغوط الدولية نحو «حماس».

وفي المرحلة الأولى من هذه الخطة، ستوافق «إسرائيل» على تقديم مساعدات إنسانية فقط، تشمل الغذاء الأساسي، والوقود الحيوي، ومساكن موقتة للنازحين، وسيجري التوضيح أن إعادة الإعمار الشاملة للقطاع وإزالة الأنقاض بصورة واسعة، وبناء بنى تحتية دائمة للسكن، وشبكات كهرباء، ومياه، ونقل، واقتصاد، أمور كلها ستكون مشروطة بالنزع الكامل للسلاح.

ويلفت المقال إلى أن ثمة تفاهمات واضحة بين جميع الأطراف على أن «حماس» لن تسيطر على غزة، وستسلّم أسلحتها وتفكّك بنيتها التحتية (مواقع إنتاج، ومخازن أسلحة، ومنظومات قيادة وسيطرة، وما شابه) فوق الأرض، وتحتها بصورة خاصة، وستُنفّذ التفكيك قوات عربية وشركات أمنية خاصة، وبناءً على رقابة صارمة ومهنية، ولتحقيق ذلك، سيُطلب من القيادتين العسكرية والسياسية لـ«حماس» مغادرة القطاع، وسيُغلق ممر فيلادلفيا أمام التهريب، بالتعاون بين «إسرائيل» ومصر والولايات المتحدة.

وبحسب كاتبَيْ المقال، فإن هذا السيناريو الرابع يحقق لـ«إسرائيل» أهدافها دون أن تتحمل وحدها عبء احتلال غزة، أو الدخول في مواجهة المقاومة بما يستغرق أعوامًا؛ وذلك عبر ربط إعادة الإعمار بعملية نزع السلاح، وتجنيد دول المنطقة والعالم لتحقيقه.

اقرأ أيضاً: مَنْ يحدِّد اليوم التالي في غزة؟

تعقيب

إذن، هذه سيناريوهات اليوم التالي بغزة من وجهة نظر صهيونية، وهي سيناريوهات لا تأخذ في اعتبارها غياب العالم العربي فحسب، بل تنبني على مشاركته في الضغط على المقاومة ونزع سلاحها! وهو أمر رغم قساوته لا يبدو مستبعدًا؛ إذ تم اختبار هذا الموقف العربي في معركة أقل تكلفة من ذلك، وهي إدخال الطعام وكسر التجويع المفروض على القطاع، وكانت النتيجة مخزية ووصمة عار!

كما تتضمن هذه السيناريوهات الإقرار بصعوبة القضاء على المقاومة، أو احتياج ذلك لسنوات، مع وجود تكلفة باهظة على الكيان نتيجة ذلك؛ وهو أمر يبشِّر بالخير وكان من الممكن أن يتعاظم لو وجد ولو حدًا أدنى من الدعم والمساندة!

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة