صفعة على وجه الكرامة.. ضحيتها مسن السويس

محرر المنوعات

26 أكتوبر 2025

397

في مقطع متداول يعكس اللاإنسانية التي آلت إليها مجتمعاتنا اليوم، يظهر مسن السويس بمصر وهو يتعرض لصفعات متتالية على وجهه من يد خبيثة متبرئة من الكرامة والنخوة والدين، والأصعب في المشهد، أن خلف الكواليس تتصاعد صرخات ابنة المسن، تطلب النجدة من المارة!

ورغم صعوبة المقطع، فإنه لم يكن مجرد مشهد اعتداء، بل مشهد سقوط أخلاقي، وصفعة على وجه الكرامة، وقع ضحيتها شيخ ضعيف تجاوز السبعين من عمره متخبطًا بين المرض تارة، والكدّ تارةً أخرى.

الكرامة حق إلهي لا يُنتزع

تجاوزت واقعة مسن السويس حد الخلاف الشخصي بين العجوز الإنساني والطاغية اللاإنساني لتفتح جرحًا أعمق بكثير؛ إلى أي مدى باتت الكرامة الإنسانية تُهدر بهذه السهولة في مجتمع إسلامي مبني على حفظ كرامة الإنسان؟ يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء: 70)، فكانت الكرامة أصلًا في خِلقة الإنسان، لا فضلًا يمنح، أو منة تسلب، بل إنسانية جعلها الله تعالى فوق كل اعتبار.

الشيخ الكبير له في الإسلام حرمة

لم يكتف الإسلام بحفظ كرامة الإنسان، أو الدعوة إلى الرحمة والرفق واللين، بل جعل ذلك ميثاقًا للتعامل الإنساني، لا سيما إن كان الأمر يتعلق بعجوز أو مسن، قال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا»، بل حتى غير المسلم، له في الكبر والضعف حرمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقف احترامًا لجنازة يهودي، فلما سئل قال: «أليست نفسًا»، فديننا يحترم الكبير ويوقّره، حتى لو كان غير مسلم، أما واقعنا اليوم، نصفع مسن السويس بلا خشية، بلا إنسانية، بلا رحمة!

حين يفقد المجتمع حسه الإنساني

المؤلم في مثل واقعة مسن السويس أنها تتكرر يومًا بعد يوم، وكأن الضمير الجمعي للأمة بدأ يفقد حساسيته تجاه الظلم، فلم تعد مشاهد العنف تثير الغضب  سواء كانت مع شيوخ غزة أو المسنين في أي مكان آخر– بل الفضول والمشاهدة والمتابعة خلف الشاشات، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا: «المسلم أخو المسلم»، وقال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، ولذا كان صمت الناس على الإهانة مشاركة فيها، وحفظهم للكرامة واجب ومسؤولية دينية إنسانية جماعية بلا هوادة أو تقصير.

صفعة تحرك السماء

ربما يظن البعض أن أثر الصفعة ينتهي بانتهاء الموقف، لكن تناسينا أنها تُسجل في ميزان لا يضيع فيه الحق، ولذا حذرنا صلى الله عليه وسلم من دعوة المظلوم فقال: «اتقوا دعوةَ المظلومِ؛ فإنَّها تُحْمَلُ على الغَمَامِ، يقولُ اللهُ جلَّ جلالُهُ: وعِزَّتي وجَلالي لَأَنْصُرَنَّكَ ولو بعدَ حِينٍ»، وهذا ما حدث لمسن السويس، فما أن خرجت الدعوة من جوف قلبه ووسط لسانه إلا ووقع المعتدي الطاغية في قبضة المحاكمة، وتكفّل أحد أصحاب القلوب الصادقة بمنزلٍ يُؤمِّن السكن للمسن وأهله مدى الحياة، وتعهّد آخر بعلاجه إن قبلوا ذلك.

يبين مشهد مسن السويس أن ما يرفع الأمم ليس عمرانها، بل أخلاقها، وما يهدمها ليس فقرها، بل قسوة قلبها، وأن الصفعة لم تنزل على وجه العجوز، بل نزلت كالصاعقة على وجه الكرامة، وليعلم الجميع أن من يهن شيخًا كبيرًا اليوم، لن يجد من يوقّره غدًا، قال تعالى: (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ) (الحج: 18).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة