حفظ اللسان في زمن وسائل التواصل الاجتماعي

اللسان نعمة من
نعم الله عز وجل على الإنسان، به يتواصل مع الآخرين، ويعبر عن نفسه واحتياجاته،
ويتعبد لله عز وجل بذكره، والسعي بين الناس بالخير، والجهر بكلمة الحق، والدعوة
لدين الله، وهو في ذاته قد يكون نقمة حين يستخدم في قول الزور، ويخذل عن طريق
الله، ويتسلط على الأخيار والأبرياء بالغيبة والنميمة، هي صحيفة يملؤها بالخير أو
الشر وهو مسؤول عن نفسه بكامل إرادته، فإما طريق النور والحق، وإما طريق الضلال
والظلمة.
فكيف تتحول
ألسنتنا لمطية نسوقها لتحملنا إلى الجنة، في ظل تعدد وسائل التواصل الاجتماعي
اليوم؟
خطورة
اللسان
أولت الشريعة
اللسان اهتماماً كبيراً بحجم خطورته في تقرير مصير المسلم، حيث يرتفع به إلى أعلى
عليين، أو ينخفض به في الدرك الأسفل من النار.
يقول ابن القيم في
خطورة اللسان: وأما فضول الكلام، فإنها تفتح للعبد أبواباً من الشر كلها مداخل
للشيطان، فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب كلها، وكم من حرب جرتها كلمة!
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «وهل يَكُبُّ الناسَ على مناخرهم في
النار إلا حصائدُ ألسنتهم» (رواه الترمذي).
ومن أوسع مداخل
الشيطان، الكلام والنظر، فالإنسان لا يمل من الكلام، إلا من رحم الله، فيقول الله تعالى:
(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ
إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18)، وقال عز وجل: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْؤُولاً) (الإسراء: 36)، وقال عز وجل: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ
وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النور: 24).
وعن سهل بن سعد
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له
الجنة» (رواه البخاري)، وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن
العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات،
وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في
جهنم» (رواه البخاري).
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِّر (أي تتذلل وتتواضع له) اللسان فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» (رواه الترمذي)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» (رواه البخاري ومسلم)، وعن أبي موس رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» (رواه البخاري ومسلم).
من آفات اللسان
للسان آفات قد
تودي بصاحبه في التهلكة وهي عديدة، ولها مظاهر مختلفة، ومن هذه الآفات التي يمكن
أن يقع المسلم فيها عبر شبكات التواصل:
- الغيبة: وهي
من أكبر عوامل هدم العلاقات والمجتمعات، والأذى الأكبر للمسلم، يقول تعالى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)
(الحجرات: 12)، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه
وماله وعرضه» (أخرجه مسلم).
وقد يكتب المسلم
منشوراً للعامة يتناول فيه أعراض الناس قاصداً به السخرية وهو لا يدري أنها من
كبائر الذنوب، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما عرج
بي مررت بقوم، لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟
قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم» (أخرجه أبو داوود).
وعن أبي برزة
الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل
الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع
الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته» (أخرجه أبو داود).
- النميمة: وهي أعظم إثماً من الغيبة، فالنمام إنسان يحمل الشر في قلبه ويتحرك به بين الناس، يوقع العداوة بينهم، ويفسد المجتمع المسلم؛ ولذلك كانت عقوبة النمام ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام» (متفق عليه)، وعن ابن عباس قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير»، ثم قال: «بلى، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما أحدهما فكان لا يستتر من بوله» (متفق عليه).
وعن أسماء بنت يزيد قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخياركم؟» قالوا: بلى، قال: «الذين إذا رُؤوا ذُكر الله، أفلا أخبركم بشراركم؟» قالوا: بلى، قال: «المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون البرآء العنت» (الأدب المفرد للبخاري).
- السب واللعن
والشتم: وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يطلق المسلم لسانه بشتم الناس
وسبهم أو لعنهم، فعن عبدالله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يكون
المؤمن لعانًا» (أخرجه الترمذي)، وعن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش، ولا البذيء» (أخرجه
الترمذي)، وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن
اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة» (أخرجه مسلم).
- الكذب: ومن آفات اللسان الكذب، وفضل الكلام، فهناك من يتقن ويتفنن في الكذب على صفحات التواصل دون أن يلقي بالاً لكلمة كاذبة يظنها صغيرة وهي من الكبائر، وهناك من يكتب لمجرد الكتابة دون أن يقصد بها خيراً يذكر للمسلم وذلك لمجرد جمع الإعجابات أو الشهرة على تلك المواقع.
الصمت أو حُسن الكلام
والصمت حين يكون
في محله يكون دليل حكمة وتأمل، فالكلام ليس ضرورة حتمية في كل وقت، وإنما قد يكون
الصمت أجدى وأحفظ للسان إن لم يكن الكلام دعوة لله، أو كلمة حق، كما قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)
(البقرة: 83)، وعن ابن مسعود: والذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض شيء
أحوج إلى طول سجن من لسان، وقد كان بعض الصحابة يضع حجراً في فمه ليتجنب كثرة
الكلام.