فقه الدعاء للنجاح والمذاكرة
يشيع في أوساط
طلاب المدارس والجامعات، وبخاصة الذين لا يذاكرون دروسهم جيداً، أن الحل في الدعاء
حتى يجتازوا الاختبارات، راغبين في الحصول على أعلى الدرجات، ويرون أن الدعاء وحده
كفيل بنجاحهم حتى لو قصروا في أداء الواجب عليهم في دروسهم.
الدعاء مطلوب بشرطه
ولا شك أن
الدعاء مطلوب في كل أحوال المسلمين؛ لأن المقصود به حسن التوجه إلى الله تعالى،
وطلب التوفيق منه سبحانه في كل أمورنا، سواء أكانت أمور دين أو أمور دنيا، وقد حث
الله تعالى على الدعاء، ووعد باستجابته من العبد، كما قال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ) (غافر: 60)، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن دعاء المسلم
مستجاب، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.
فقه الأخذ بالأسباب
وإن كان الدعاء
من الأمور التي حث الشرع عليها، فإن المذاكرة واستذكار الدروس بجد واجتهاد هو أيضاً
مما حث الشرع عليه، بل مذاكرة الدروس فرض واجب، والدعاء مستحب، فيجب تقديم الأخذ
بالأسباب، ومذاكرة الطلاب دروسه على الوجه الأكمل، ثم يدعو بعد ذلك.
فكما قال
العلماء: الأخذ بالأسباب من التوكل على الله، ويشهد لهذا حديث عمر بن الخطاب عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم
كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتروح بطاناً» (رواه الترمذي وغيره).
وقد قال عمر رضي
الله عنه: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء
لا تمطر ذهبا ولا فضة.
نماذج قرآنية في الأخذ بالأسباب
إن الله تعالى
بنى الدنيا على قانون السببية، فلا بد من الأخذ بسنن الله تعالى في أمور الحياة،
وهذا من الفقه الواجب تعلمه والتزامه، ولا بد من العناية بفقه الأولويات
والموازنات، فالله تعالى كتب النجاح لكل إنسان بذل جهده ولو كان كافراً، وكتب
الفشل على كل إنسان لم يبذل جهداً ولم يأخذ بالأسباب ولو كان تقياً، فقد أعطى الله
تعالى قارون المال مع كونه كان كافراً.
ووصف الله تعالى
ما آتاه بوصف يتناسب مع ما بذله من أسباب، فقال: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى
عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ
بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) (القصص: 76)، فقد آتاه الله تعالى الكنوز
التي تحار فيها النفوس، ليس محبة من الله له، وإنما لأخذه بالسبب، ولعظم ما آتاه
الله (قَالَ الَّذِينَ
يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ
إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (القصص: 79).
بل يضرب الله
تعالى لنا مثلاً في الأخذ بالأسباب في أضعف الحالات وهي حالة الولادة، فقد أمر
الله تعالى مريم أن تهز بجذع النخلة حال ولادتها، وكان الله قادراً أن يهبها
الطعام والرزق دون أن تفعل شيئاً، فقال لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ
عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) (مريم: 25)، فعلم أن على العبد أن يأخذ
بالأسباب، ثم التوفيق من الله تعالى، ولما كان التوفيق منه؛ طلب من المسلم أن يتبع
العمل بالدعاء؛ إكمالاً للتوكل على الله بجناحيه؛ العمل والدعاء.
وقد أشاد القرآن
الكريم بملك عظيم، كان من مظاهر الإشادة به أنه يأخذ بالأسباب، ألا وهو ذو
القرنين، فقال الله في شأنه: (إِنَّا
مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ
سَبَبًا) (الكهف).
ميزان الأخذ بالأسباب في الشريعة
وقد فقه العلماء
قدر الأخذ بالأسباب وجعلوه من مظاهر توحيد الله تعالى حتى قال ابن القيم: « فلا تتم
حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى، وإن تعطيلها يقدح
في نفس التوكل، وإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في
حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد من هذا
الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه
توكلاً ولا توكله عجزاً» (زاد المعاد 3/ 67).
فلا بد من الجمع
بين الأخذ بالأسباب مع الدعاء، دون الاعتماد على الأسباب وحدها، ولهذا كان الدعاء
مطلوباً معها، لأن اعتماد الأسباب وحدها شرك، وترك الأسباب جهل، كما جاء في «فتاوى
اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى» (1/ 375): «قد ثبت في الكتاب والسُّنة الصحيحة
الحث على الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، فمن أخذ بالأسباب واعتمدها فقط
وألغى التوكل على الله فهو مشرك، ومن توكل على الله وألغى الأسباب فهو جاهل مفرط
مخطئ، والمطلوب شرعاً هو الجمع بينهما».
إن الله تعالى
جعل في كونه أسباباً، وأوجب الأخذ بها، وهي من التوكل عليه، ثم ثنى ذلك بطلب
التوفيق منه؛ لأن المرء قد يأخذ بالأسباب ولا يوفق، ولكنه أيضاً لا يوفق إن لم
يأخذ بالأسباب.
ولهذا كان النبي
صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التوكل على الله، كما ورد في صحيح ابن حبان، أن
رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يترك ناقته وقال: أأعقلها
وأتوكل؟ أو أطلقها وأتوكل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها، وتوكل».
فقه المذاكرة
ولهذا، فالفقه
الواجب على طلاب المدارس والجامعات وطلاب العلم ما يلي:
1- الاستعانة
بالله في كل أمورهم.
2- حضور الدروس
والمتابعة لها.
3- مذاكرة تلك
الدروس واستحضارها.
4- التدرب على
الامتحانات ومعرفة كيفية حلها بالطريقة المثلى.
5- المراجعة
الشاملة الدائمة لكل الدروس.
6- الدعاء إلى
الله تعالى أن يكلل هذه الجهود بالنجاح والتوفيق.
إن الواجب على
الأمة أن تدرك سنن الله في الكون والحياة، وأن تكون مساهمة في الحضارة والعمران،
وأن تأخذ بأسباب النجاح والقوة، لا أن تتعلق بمقابر موتى تتطلب منه العون والمدد،
وهم لا يملكون لأنفسهم موتاً ولا حياة ولا نشوراً، وأن يكون طلاب المسلمين أكثر
حرصاً من غيرهم على الجد والاجتهاد، فهو عبادة، وساعتها ينفعهم الدعاء.