قراءة في كتاب «أزمة الفكر الإسلامي المعاصر»
تعيش الأمة
الإسلامية اليوم مشهداً فكرياً يتسم بالتعقيد والتحديات المركبة، تتداخل فيه
الإشكالات الحضارية مع التقليد الفكري والاستعمار الثقافي، وفي هذا السياق يُعد
كتاب «أزمة الفكر الإسلامي المعاصر» للدكتور محمد عمارة، محاولة صادقة لقراءة جذور
التراجع في الفكر الإسلامي، ويكشف الكتاب عن العقبات التي تعيق الحركة الحضارية
والفكرية، مستمدًا رؤيته من هاجس تحرير العقل، ورفض الانصياع الفكري الأعمى، سواء
للغرب أو للتراث، دون نقد أو تمحيص.
صدر الكتاب عام
1990م ضمن سلسلة «الإسلام دين الحياة» (الجزء الخامس) عن دار الشرق الأوسط للنشر،
ويُعد جرعة فكرية مكثفًا في نحو 124 صفحة، ويستند عرضه إلى خواطر ومقالات مركزة
تستهدف التحديات الفكرية الملحة التي تواجه التجديد الإسلامي، بعيدًا عن السرد
الزمني البحثي التقليدي.
ينقسم الكتيب
إلى محاور مركزة تعكس أبرز التحديات والحلول على النحو التالي:
1-
التحرر من الجمود والتقليد:
ينقض د. عمارة
الجمود والتقليد باعتبارهما عقدتين أساسيتين في الفكر، مؤكدًا أن تجاوز التقليد لا
يتحقق إلا بالإبداع والتجديد.
2-
ثنائية التغريب ومأزق التقليد:
يطرح الكاتب
نوعين من الجمود:
الأول: التيار
التغريبي: الذي يسعى إلى إسقاط الهوية الإسلامية لصالح الحضارة الغربية.
الثاني: تيار
التقليد الموروث: الذي يقف عند النصوص دون قدرة على استيعاب العصر.
ويُفرز د. عمارة
هذا التناقض بعين نقدية، مع طرح التيار الثالث: تيار الإحياء والتجديد، الذي يوازن
بين الهوية والمعاصرة، باستخدام العقل كأداة، لا مانعاً من الانطلاق الحضاري.
3-
أزمات الهوية الثقافية والمشروع الحضاري:
يُضيء د. عمارة
النزاع في العقل المسلم حول مرجعية المشروع الحضاري بسؤاله: هل يسعى لأن يكون
إسلاميًا مستقلًا، أم تابعًا للغرب؟ ويشير إلى أن الهوية الإسلامية الثقافية
تتأرجح بين الأصالة والمعاصرة، ويتناول كيف يمكن صوغ هوية حضارية متكاملة.
4-
علاقة الفكر الإسلامي بالحضارات الأخرى:
يتناول هنا في هذا الجانب د. عمارة وضعية الإسلام
في مواجهة حضارات أخرى، مبرزًا الحاجة إلى تجديد الفكر الإسلامي بوعي تاريخي
وثقافي، يؤدّي إلى خطاب حضاري منافس بما يناسب تطورات العصر.
يُمثل كتاب
«أزمة الفكر الإسلامي المعاصر» رؤية قصيرة لكنها مركزة، تصوّر الأزمة الفكرية في
المشروع الإسلامي الحديث، وتدفع إلى سؤال: كيف ينفتح الفكر الإسلامي على العصر ولا
ينسى جذوره؟ الكاتب لا يقدم وصفة جاهزة، بل يحفّز القارئ على الانطلاق من ذاته نحو
تجديد متصل بالتراث، وليس رفضًا له.
يمثل الكتاب
شرارة فكرية ثمينة لكل باحث عن جذوة التجديد، إذ يلفت النظر إلى أن النهوض الحقيقي
يبدأ بمراجعة صارمة للذات، بعيدًا عن الانسياق وراء ثقافات خارجية أو التمسك
بالتراث دون مبادرة، وهو بمثابة خطاب يبني جسورًا بين الأجيال المعتزة بالماضي
والساعية إلى الحداثة، ويدعو إلى مشروع حضاري يضمن للعقل المسلم أن يكون أصيلًا لا
تابعًا، فاعلًا لا مهمشًا.
ورغم أن هذا
العمل خفيف في حجمه وقليل في عدد صفحاته، لكنه عميق في إضاءاته الفكرية، حيث يخاطب
الباحثين والمفكرين والدعاة، ويُعد خطوة ملهمة نحو بناء فكر معاصر حاضر وفاعل على
أرض الواقع.