قسمة الأموال بين الزوجين.. بين المنع والإجازة

د. فاطمة حافظ

08 سبتمبر 2025

186

ظل نظام الأسرة في العالم الإسلامي محكوماً عبر قرون بالشريعة التي تقضي أن لكل من الزوجين ذمة مالية منفصلة عن الآخر ولا يجوز لأحد الزوجين أن يأخذ من مال الآخر إلا بحق مشروع، وبالتالي لم تثر إشكالية ما يسمى «الثروة المشتركة» أو قسمة الأموال بين الزوجين، إلا حديثاً لدواعي مختلفة منها تقنين بعض الدول الإسلامية مبدأ قسمة الأموال عند انتهاء الزوجية.

صاحب ذلك جدلاً فقهياً بين المجيزين والممانعين، وفي السطور التالية نعرض بإيجاز لأدلة وحجج الفريقين وأقدم ملاحظات بشأنها.

أدلة المجيزين

يتزعم د. سعد الدين الهلالي فريق المؤيدين لاقتسام الأموال الزوجية، وله في ذلك دراسة منشورة تحت عنوان «حق السعاية في الوظيفة المنسية»، وكما يتضح منه فقد رمى علماء السلف أنهم تناسوا -بالأحرى تغافلوا- عن تقنين وظيفة ربة المنزل، ولم يضعوا لها أجرة أو ضوابط أسوة بغيرها من الوظائف المتأخرة التي لم تقنن في مبدأ الإسلام، لكن المتغيرات الاجتماعية فرضتها مثل وظيفة المؤذن ومعلم القرآن للصبية، وغير ذلك.

ويفترض الهلالي أن وظيفة «ربة المنزل» تختلف عن حقيقة الزوجية، فالزوجية هي العلاقة الروحية والوجدانية أو الإنسانية التي عبر عنها القرآن في قوله: (خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21)، ويترتب على صفة الزوجية بالمعنى الروحي أو الوجداني إحدى المكارمتين (المهر والنفقة).

أما وظيفة ربة المنزل فتشمل: الأعمال الخدمية كالعجن والخبز وشراء الطعام وغيرها، وعلى الزوج أن يدبر لزوجته هذه الخدمة عملاً بأقوال الفقهاء، وتشمل أيضاً إرضاع المولود وحضانته.

هذه الوظائف الثلاث تستحق أجراً لأسباب أربعة، هي: إغفال الفقهاء تقنين هذه الوظيفة، وإمكان الفصل بين الوظيفة الزوجية والوظيفة المنزلية كما فصلنا، والاتجاه العالمي نحو التمكين الاقتصادي للمرأة، ولعله أهم الأسباب إذ يشير إليه عدة مرات وبصيغ مختلفة طوال الدراسة.

وبحسب الهلالي، فإن الدول المتقدمة تعمد إلى تأمين المرأة من غدر الزمان بموت العائل لها أو عند الطلاق، وحتى يسوغ ذلك الفعل شرعية يذهب الهلالي إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان «يستفيد من تجارب غير المسلمين بما فيه المصلحة»، فقد كان يسدل شعره، فيما كان المشركون يفرقون، لكنه عدل عن الإسدال لأنه «يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء»، وكذلك كاد ينهى عن الغيلة فنظر في الروم وفارس فإذا هم يغيلون فلم يضر أولادهم شيئاً فلم ينه عنه.

وأما السبب الأخير فهو الاعتراف الحضاري بالأسرة كمؤسسة ذات حاكمية، ويفهم من كلامه أنها مؤسسة مستقلة يحق لها أن تسن لنفسها قوانينها الخاصة التي تحقق مصلحة أفرادها، واستدل على ذلك بذكر بعض بنود القوانين الغربية، وكذلك المدونة المغربية (2004م) التي أشارت إلى استقلال الذمة المالية للزوجين لكنها فتحت المجال أمام القسمة حين أشارت أن للزوجين اختيار ذلك في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.

أدلة المانعين

يقف الفقيه الأصولي محمد التاويل على رأس فريق المعارضين، حيث وضع كتاباً في ذلك أسماه «إشكالية الأموال المكتسبة مدة الزوجية» بيّن فيه الموقف الشرعي من مسألة الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية وفند حجج القائلين بالجواز.

واستهل دراسته بالإشارة إلى أن مشاركة الزوجة لزوجها ليست واحدة، وإنما تتعدد وتنقسم إلى 5 حالات، لكل منها حكمها الخاص، فهناك الزوجة التي لا تمارس أي نشاط لإنتاج المال ودورها ينحصر في العمل المنزلي، وهناك الزوجة التي تشارك في تنمية المال بوسائلها، وهناك المستقلة بعملها ولها أجر، وهناك من تشارك زوجها في العمل ولها مقابل مادي نظير ذلك، وهناك من تقدم مالها طوعاً أو يستولي الزوج عليه كرهاً، وبعد مناقشة لكل حالة يخلص إلى عدم جواز التسوية بين جميع هذه الحالات كما يفترض المجيزين للقسمة.

ويسوق التاويل أدلة شرعية كثيرة تفيد عدم القسمة، ومنها النصوص المتواترة كمثل قوله تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ) (النساء: 32)؛ وهو نص في جعل نصيب الرجال للرجال والنساء للنساء واختصاص كل جنس بكسبه وانفراده، وقوله: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (النجم: 39)، و(لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة: 286)، وكلها تدل على اختصاص كل واحد بكسبه، مفيدة للحصر ودالة عليه، ومن الشواهد حديثية قوله صلى الله عليه وسلم: «والمرأة راعية في بيت زوجها»، وهو صريح في كونها مجرد مؤتمنة وليست شريكة في المال.

ومنها ما جرى عليه العمل في العصر النبوي، فقد ثبت بالتواتر المعنوي طلاق الصحابة لزوجاتهم في حياته صلى الله عليه وسلم، وأن واحدة منهن لم تقاسم زوجها أمواله التي كسبها قبل الزواج أو بعده، كما أنه صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ولم يقاسمها أمواله، كما ثبت أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ساعدت زوجها الزبير بن العوام في أعماله بوجوه الإعانة المختلفة ولم تطلب مقاسمته في ماله ولم يفرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم مالاً نظير ذلك.

ولا يغفل التاويل عن تفنيد حجج القائلين بالقسمة وأهمها فتوى الشيخ ابن عرضون المالكي، وهي فتوى خاصة بنساء البوادي اللواتي يساعدن أزواجهن في أعمال الزراعة بالغرس والحصد وما إلى ذلك هل لهن حق في الزرع بعد وفاة الزوج، فأجاب أنه يحق لهن ذلك، ويعقد التاويل فصلاً لمناقشة هذه الفتوى؛ وخلاصته أن مصادر الفتوى فيها بعض الاضطراب، فصاحب العمل الفاسي لم يزد على نسبتها لابن عرضون، وبنو عرضون كثيرون واختلف الدارسون فيمن هو صاحبها.

من جهة أخرى، فهي فتوى محدودة في مكانها وموضوعها، فهي تخص نساء البوادي دون المدن، والعاملات في الفلاحة دون غيرهن، وموضوعها خاص بالزرع الذي يحصدنه، وهي تختص بحالة الطلاق، ولا تمتد لتشمل استمرار الزوجية أو وفاة الزوج؛ وبالتالي لا يجوز تعميمها على جموع النساء، مضيفاً أن هناك فتاوى معاصرة لها تعارضها مثل فتوى أحمد البعل، وفتوى الشيخ عبدالقادر الفاسي.

وفي الأخير، يمكن القول: إن ثمة جدلاً محتدماً بين المجيزين والمانعين، وكما يبدو فإن دعوى القسمة دعوى حديثة، والقائلين بها يستندون إجمالاً إلى دليلين فقهيين؛ الأول: ما نسب لعمر بن الخطاب من أنه قضى لزوجة عامر بن ثابت بنصف ثروته بعد مماته، وهي واقعة لم ترد في المصادر ولا حتى لدى ابن زمنين الذي قيل: إنها وردت لديه مما يرجح اختلاقها، والثاني: فتوى ابن عرضون السالفة، وهو أساس واهٍ لا يصح أن يؤسِّس عليه أحكاماً شرعية كلية كالقسمة.

من جانب آخر، لا يخفي هؤلاء، ومنهم الهلالي، أن الحضارة الحديثة صارت مرجعية تزاحم مرجعية الشريعة، حتى لقد جعل الهلالي الرسولَ صلى الله عليه وسلم منقاداً لشرائع أهل الكتاب وهو شطط ليس بعده شطط، وغايته تبرير الانسياق وراء الدعاوى الخارجية التي تصادم الشريعة.

وأخيراً، يمكن الإشارة إلى أنه رغم الجهود المبذولة لتسويغ مبدأ المساواة وتضمينه ضمن التشريعات الإسلامية، فإن الدلائل تشير إلى أن الضمير الإسلامي لم يزل يرفضه، فعلى الرغم من مضي قرابة عقدين على صدور مدونة الأسرة، فإن الذين اختاروا طواعية اقتسام الأموال نسبة ضئيلة لم تزد على 5% أو أقل؛ ما دفع بعض الحداثيين إلى المطالبة أن تكون القسمة نصاً إلزامياً وليس اختيارياً، وهو ما يعني حرفياً التنكب لإرادة الناس وإكراههم على القسمة.


اقرأ أيضاً:

العلاقة المالية بزوجتي تؤرقني

المؤسسة الفقهية.. ونوازل الأسرة

الميراث المعطَّل.. عندما يتحول الحق الشرعي إلى فتنة اجتماعية

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة