كيف تجلب الطمأنينة لقلبك؟ 6 آيات للسكينة
قال ابن القيم:
كان شيخ الإسلام ابن تيمية إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة، وسمعْته يقول
في واقعة عظيمة جرت له في مرضه، تعجز العقول عن حملها: فلما اشتد عليَّ الأمر، قلت
لأقاربي ومن حولي: اقرؤوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال، وجلست وما
بي قَلَبَةٌ(1)، وقد جربت أنا أيضاً قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب
بما يرد عليه، فرأيت لها تأثيراً عظيماً في سكونه وطمأنينته(2).
تلك الآيات التي
أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عند اشتداد الكروب، فكانت
بردًا وسلامًا على الفؤاد، وأمانًا يكتنف القلوب، ويقينًا يرسّخ الثبات في ساعة
الاضطراب، فالسكينة ليست مجرد حالة نفسية عابرة، بل عطاء رباني ينزل على القلوب
فيملؤها نورًا وطمأنينة، ويبدد عنها الخوف والقلق، ويقوّي عزائمها على مواجهة
الشدائد.
وأصل السكينة:
الطمأنينة والوقار، وهي السكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدة
المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوة اليقين
والثبات.
وقد تكررت
السكينة في القرآن في 6 مواضع، كلّها جاءت في سياقات الابتلاء والجهاد والتثبيت.
مواضع آيات السكينة الست في القرآن الكريم
1- قال تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ
آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (البقرة:
248).
2- قال تعالى: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا
وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (التوبة: 26).
3- قال تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ
نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ
هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا
وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ
الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 40).
4- قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ
فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ
جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (الفتح: 4).
5- قال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي
قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)
(الفتح: 18).
6- قال تعالى: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا
فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى
وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (الفتح:
26).
درجات السكينة
للسّكينة الّتي
تنزل على قلب المؤمن، وهي الّتي تسمّى سكينة الوقار درجات ثلاث:
الأولى: سكينة
الخشوع، وهي ثمرة السّكينة الّتي تنزّل على قلب الرّسول صلى الله عليه وسلم
والمؤمنين.
الثّانية:
السّكينة عند المعاملة بمحاسبة النّفوس، وملاطفة الخلق، ومراقبة الحقّ.
الثّالثة:
السّكينة الّتي توجب الرّضا بما قسم الله عزّ وجلّ، وتمنع من الشّطح الفاحش(3).
المقاصد الإيمانية لآيات السكينة
1- تثبيت القلوب وقت الشدائد:
السكينة ليست
تعويضًا عن الخوف، بل هي تخطٍّ له وتجاوزٌ بإيمان أقوى من الظروف؛ ولهذا نجد أن
آيات السكينة كلها تؤكد ضرورة تخطي الصعاب وتجاوز العقبات، ففي قوله تعالى: (ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، نجد أنها تحث على مواجهة الخوف
والاضطراب، وقد نزلت يوم «حنين» حين اضطربت صفوف بعض المسلمين، فجاءت السكينة
تثبيتًا للجند ورباطةً للجأش.
أما قوله تعالى:
(إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ
لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ)،
فقد نزلت في الغار في ساعة الهجرة، فكانت أعظم رسائل الطمأنينة في لحظةٍ تشتدّ
فيها الأخطار.
أما قوله عز
وجل: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ
عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي
قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ)، فهو يعبر عن السكينة في
المواقف الصعبة والعهود الكبرى، فقد نزلت هذه الآية في بيعة الرضوان، فكانت
سكينتها تثبيتاً من الله تعالى لقلوب أهل الإيمان.
2- زيادة الإيمان وتعزيز الثقة بالله ووعده:
السكينة برهان
عملي على أن وعد الله حق، وأن نصره قريب، وأن معيته ثابتة لعباده المؤمنين، حين
تنزل السكينة يشعر المؤمن بأنّ وعد الله أكبر من الواقع، وأن الحقّ منصور ولو طال
الطريق، وهذا يعزّز اليقين ويغرس الثقة بأن الله لا يخذل أولياءه، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ
فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ).
3- نشر الطمأنينة في المجتمع:
السكينة لا
تقتصر على الأفراد، بل يُنزلها الله على جمع من الناس، كما في بيعة الرضوان،
فيتحول المجتمع من القلق إلى الثبات، ومن الاضطراب إلى القوة، وهذا مقصود عظيم في
بناء الأمة؛ أن تكون السكينة عنصرًا من عناصر الوحدة والرباط على القلوب عند
الأزمات.
كيف نستجلب السكينة؟
1- كثرة ذكر
الله وتلاوة القرآن: السكينة ثمرة لذكر الله، والقلوب لا تطمئن إلا به، قال تعالى:
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:
28).
2- التوكل على
الله وحسن الظن به: السكينة لا تنـزل إلا على قلبٍ فوّض أمره إلى الله وأحسن
التوكل عليه والظن فيه، ففي صحيح البخاري، ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي».
وعندما تحدث أبو
بكر الصديق رضي الله عنه في الغار أن المشركين لو نظروا تحت أقدامهم لرأوا الرسول
صلى الله عليه وسلم وصاحبه، خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بما يلفت نظره إلى
التوكل على الله وحسن الظن به، حيث قال له: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ
اللهُ ثَالِثُهُمَا»(4)، فكانت كلمته سبباً في سكينة قلبه ونفسه، وأنزل
الله تعالى قوله: (ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ
اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ).
3- الإكثار من
الدعاء: الدعاء يفتح باب السكينة لأن العبد يُظهر ضعفه ويستمد قوته من ربّه،
فيطمئن القلب بقدر ما يقترب من الله، ولهذا حث الإسلام على الدعاء، حيث قال تعالى:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر: 60)، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء في
كل الأحوال.
4- الصبر
والثبات: السكينة لا تُعطى للقلب المضطرب الذي يتراجع عند أول امتحان، بل تُمنح
للقلب الذي تجاوز الخوف، وواجه الموقف بعزيمة، وثبت على ما أمر الله به، وانتظر
الفرج بطمأنينة، ولهذا جاءت آيات السكينة في القرآن بعد مواقف اختبار وصبر؛ في «بدر»،
و«حنين»، والغار، و«بيعة الرضوان»، وكلها معارك للثبات قبل أن تكون معارك للسيوف.
إقرأ أيضا:
استخدام رسائل التأنيس والطمأنينة
لماذا لا تطمئن القلوب إلا بذكر الله
________________
الهوامش:
(1) القَلَبَةُ:
داء يأخذ في القلب، ويُسمَّى أيضًا القُلَاب.
(2) مدارج
السالكين (2/ 471).
(3) منازل
السائرين: الهروي، ص 85.
(4) متفق عليه.