كيف نربِّي أبناءنا على التعامل مع المحتوى الرقمي الحسَّاس؟
في الواقع، الإنترنت صار جزءًا أساسًا لدى البشر جميعًا، بمن فيهم الأطفال، الذين يلعبون الألعاب ويتصفحون المنصات ويستخدمون التطبيقات المختلفة، ويتم ذلك غالبًا من غير إشراف الوالديْن.
تؤكد المفوضية الأوروبية
هذه الحقيقة بقولها: إن واحدًا من كل ثلاثة مستخدمين للإنترنت طفل، بما نسبته 33% من عدد المستخدمين، بما يجعل الطفل عُرضة لمواجهة المحتوى
الرقمي الحسّاس، الذي يشمل العنف، والمشاهد غير اللائقة، والإباحية، والأخبار
الكاذبة.، وغيرها.
تفيد بيانات بأن 12.6% من الأطفال حول العالم (300 مليون طفل) تعرضوا لسنة واحدة فقط لاستغلال جنسي عبر الإنترنت، أو محتوى جنسي غير إرادي، وفق صحيفة «الجارديان» البريطانية.
ورصدت دراسات عديدة في دول
مختلفة؛ عربية وغربية، كثافة التفاعل من جانب الأطفال مع البيئة الرقمية، حيث
يقضون الساعات الطوال أمام الأجهزة، قد تصل إلى 6 ساعات في بعض الدول العربية؛
ومعلوم أنه كلما زادت مساحة التعرّض للمحتوى غير المفلتر، بعيدًا عن الحيز الأسري،
زاد احتمال التأثير السلبي.
طبيعة «المحتوى الحسّاس» وتأثيره
يُعرّف «المحتوى
الحسّاس» بأنه: كل ما يمكن أن يُحدث أثرًا نفسيًّا أو سلوكيًّا في المتلقي، خصوصًا
الأطفال والمراهقين، وعليه؛ فإنه يشمل:
1- المحتوى
العنيف: سواء المشاهد الحقيقية كالحوادث والأنشطة الإجرامية، أو المصطنعة كما في
الألعاب وبعض الأفلام؛ تقول دراسة صادرة عن مركز «بيو للأبحاث» في واشنطن، إن 71% ممن لديهم طفل دون سن الـ12 عاما، قلقون من قضاء أطفالهم الكثير من الوقت أمام الشاشات، وسط مخاوف من التعرض لمحتوى عنيف.
2- المحتوى
الجنسي والإباحي: وهو الأخطر على نفسية وسلوك الأطفال، وهو يصادفهم أثناء تصفحهم
العادي، ففي دراسة صادرة عن المعهد الأسترالي للعلاقات الأسرية، فإن ما يقرب من نصف الأطفال بين 9 و 16 عاما يتعرضون لصور جنسية بشكل منتظم.
3- المحتوى
المضلل: كالشائعات، والأخبار الزائفة، والتحديات التي تحفِّز على سلوكيات خطرة؛ مثل
تحدي «تيك توك» الذي أودي بحياة مراهقين في أكثر من بلد.
4- المحتوى
المتنمّر: أو المحرض على الكراهية، ومهاجمة الأشخاص أو الفئات، سواء في المظهر أو
الدين أو الأصل.
والطفل في
سنواته الأولى لا يملك أدوات نقد أو تمييز متطورة، بل يمتص ما يراه كما هو، فتقع
–من ثم- الخطورة؛ فالمحتوى العنيف يولّد لديه التطبيع مع العنف، فتصير القسوة
أمرًا عاديًّا بالنسبة له؛ والمشاهد الإباحية قد تخلق لديه ارتباكًا في هُويته
الجنسية، أو عدم الرضا عن مظهره مقارنة بمن يراهم، ولذلك كله تأثير سلوكي على
الطفل، الذي قد يميل إلى العزلة والتقليد الأعمى، وضعف التركيز والتحصيل الدراسي،
وانخفاض مهاراته التواصلية، والسعي للشهرة بأي ثمن.
التربية الرقمية الواعية
يُقصدُ بـ«التربية
الرقمية الواعية»: تنشئة الأبناء على استخدام الإنترنت بمسؤولية ووعي؛ كي يكونوا
قادرين على التمييز بين الخطأ والصواب، والخطر والأمان، دون حاجة لتدخل الكبار،
وهي لا تُقاس بكم القيود المفروضة عليهم، بل بقدرتهم على اتخاذ القرار السليم
عندما لا نكون بجانبهم، وعندما نمارس هذا النوع من التربية فإننا نصنع طفلًا أذكى
رقميًّا وأقوى نفسيًّا، قادرًا على ضبط ذاته، يفهم أن الحرية مسؤولية، وهو بذلك
بحاجة إلى قدوة رقمية تعلّمه التفكير النقدي، والوعي بالقيم والأخلاق الرقمية.
ومن أجل ممارسة
التربية الرقمية عمليًّا، يجب:
1- حاور طفلك،
ولا تهدده، اسأله: لو صادفك فيديو كهذا، كيف ستتصرف؟ هذا الحوار يشعره بالثقة
والاحترام، فيتشارك معك ما يراه بدلًا من إخفائه.
2- علِّمه أن
قيمته ليست بعدد المتابعين أو المتفاعلين، أو بالشهرة الزائفة، إنما بما يقدّمه من
أفكار نافعة وأهداف بنّاءة، واضرب له أمثلة إيجابية لمبدعين سلكوا هذا الطريق
السليم.
3- ابنِ وعيَه
ولا تثرْ خوفه؛ فإذا ما تعرّض لمحتوى غير لائق لا توبخه، بل ناقشه واسأله عن
شعوره، وماذا سيفعل في المرة المقبلة.
4- استخدم برامج
الحماية لتفادي المحتوى الحسّاس، في المنزل وخارجه، وامنعه عن طريق تطبيقات
الرقابة الذكية من الوصول إلى «كاميرا الويب».
5- وفِّر له
بدائل واقعية وآمنة، تلبي احتياجاته النفسية والاجتماعية، كأن تشركه في أنشطة
رياضية أو فنية أو تطوعية؛ لتنمية شخصيته وصقل مهاراته.
6- ضع ضوابط
واضحة لاستخدام الأجهزة وأوقات التصفح، بالتوازي مع تعزيز التواصل الأسري، ومع
تعريفه بقواعد الأمن الإلكتروني وطرق الحماية من التنمّر أو الابتزاز الرقمي.
7- تعامل مع
طفلك بجدية في حال أبلغ عن أي مضايقات يتعرض لها على الشبكة، فإهمال هذه الشكاوى
قد يشكِّل معضلة بالغة الخطورة على الطفل.
نحو جيل رقمي مسؤول
إننا لا نستطيع
أن نحجب عن أبنائنا الإنترنت، لكننا نستطيع أن نعلّمهم كيف يعيشون فيه بأمان،
والحل هو التوعية؛ بأن نجعلهم صنّاع محتوى، ومشاركين، ومؤثرين، لا متلقين للغث والسمين؛
أي أن يكون الأهل رفقاء طريق لأبنائهم، لا حُرّاسًا على الأبواب، وأن النجاح ليس
في المنع، بل في المناعة، بناحيتيها الفكرية والأخلاقية، التي تمكِّن الطفل من
حماية نفسه حتى في غياب الأهل، إنها مسؤولية ضخمة، لكنها –في الوقت ذاته- فرصة
عظيمة لبناء جيل رقمي جديد، لكنه مسؤول.
اقرأ
أيضاً:
فقه التعامل الدعوي والتربوي مع جيل «الأون لاين»
انتفاضة لحماية الأطفال من عالم «روبلوكس»
الوعي الرقمي..
سلاح فاعل لمقاومة الفتن الإلكترونية