كيف يتعامل المربُّون مع أطروحات النسوية الإسلامية؟

تحاول النسوية الإسلامية أن تروج أفكارها
الغربية بين المسلمين تحت عنوانين كبيرين؛ الأول: الدفاع عن المرأة وحقوقها ومحاولة
رفع الظلم الاجتماعي الواقع عليها في المجتمعات الإسلامية، والآخر: إعادة قراءة النصوص
الدينية بهدف تخليصها من الأفكار الذكورية والتفسيرات الأبوية التي ساهمت في تكريس
ظلم المرأة واستبداد الرجل عليها.
لا تصطدم النسوية المنتسبة إلى الإسلام اصطداماً
مباشراً مع الدين، ولكنها تدعو إلى إعادة قراءة نصوصه وجهود علمائه قراءة نسوية تلتقي
في نهايتها مع مخرجات النسوية الغربية، وتمزق كثيراً من المعاني الشرعية القطعية المعلومة
من الدين بالضرورة؛ الأمر الذي يعتبره خصومها مرحلة تمهيدية من مراحل إزالة سلطان الدين
عن المجتمعات المسلمة والولوج إلى الإلحاد من بوابة مظلومية النساء.
وهذا ما حصل بالفعل مع الفتاة العمانية زوينة،
التي أقدمت على الانتحار بعد أن ألحدت وتركت الدين بسبب تلك الأفكار النسوية المظلمة.
وللتوضيح هنا، ننوه بأن حديثنا عن النسوية الإسلامية لا يتناول نقدها لبعض أقوال الفقهاء الظنية التي تستند إلى نصوص شرعية محتملة
في ثبوتها ومعناها، التي يمكنك شرعاً أن تميل عنها إلى غيرها من أقوال الفقهاء المعتبرين،
ولكنه يتناول نقد النسوية الإسلامية لبعض قطعيات النصوص الشرعية التي وقع عليها إجماع
الأمة سلفاً وخلفاً؛ كالحجاب وطاعة الزوجة لزوجها ومهرها ونفقتها وامتلاك الزوج لطلاقها
ونحو ذلك من الأحكام، متوسلة إلى ذلك النقد بعضَ المناهج الحداثية المشهورة كإعادة
قراءة النص وتاريخية النص وغير ذلك من المناهج الغربية الغريبة عن منهج تفسير النصوص
في الشريعة الإسلامية.
وعلى الرغم من ذلك الطرح المراوغ الذي تقدمه
النسوية الإسلامية، فإن اعترافها بالدين ومرجعيته –ولو مرحلياً- كفيل بهدم أفكارها
إذا ما أحسن المربي استثمار ذلك الاعتراف، ووظفه لمناقشة تلك الأفكار الشاذة التي تزعم
التجديد والعصرنة لأحكام الدين.
ومن الأمور الإجمالية التي يحسن بالمربي التأكيد
عليها في تفنيد مقولات النسوية الإسلامية ما يلي:
أولاً: إبراز النصوص الشرعية والأقوال التراثية
التي تهتم بالمرأة وتوصي بها، وتؤكد دورها ووظيفتها التكاملية مع الرجل، وتنفي أصل
فكرة الصراع مع الرجل التي تتكئ عليه النسوية عموماً في ترويج أفكارها، مع بيان بعض
الشواهد التاريخية الحية التي تدعم هذه النصوص وتؤكد حضورها في التاريخ الإسلامي، مثل
سيدات عصر النبوة وأمثالهن من خالدات الحضارة الإسلامية في كل عصر.
ثانياً: التذكير بمقاصد الشريعة وغايات خلق
الإنسان التي لأجلها شرع الله تعالى تلك الأحكام المنظِّمة لأدوار الرجال والنساء في
المجتمع المسلم، وبيان تناسق تلك التنظيمات الشرعية مع نفسها ومع تلك الغايات الكبرى،
ومع العقل والفطرة وما طبع الله عليه الوجود كله، ومآلُها تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا
والآخرة، وتنظيم حركته لحمايتها من أي إفراط وتفريط.
وعلى المربي أن ينبه على أن أي تلاعب أو تبديل
في هذه المنظومة التشريعية الربانية المتكاملة سيؤدي إلى نشوز وتشوهات تفسد مقصد التشريع
كله.
ثالثاً: التحذير من تلك الدعوات المتطرفة
التي تستغل مظلومية المرأة في بعض المجتمعات لتخرجها عن دورها الأسري الذي ارتضاه الله
لها؛ ما يحرمها من أقرب حقوق فطرتها في الزواج والأمومة ونحوها، ويحولها إلى مجرد سلعة
وشيء في أسواق الاستهلاك المادي العالمي التي لا تعرف إلا البيع والشراء وقيم العرض
والطلب.
رابعاً: على المربي أن يبين للمتربي الفرق
بين المقدس من النصوص وغير المقدس من الاجتهادات الشرعية البشرية التي تدور حول النص،
كما أن عليه أن يبين له الفرق بين الحكم الشرعي الظني الذي اختلفت فيه الأنظار، والحكم
الشرعي القطعي الذي أجمعت عليه الأمة، فليست كل النصوص صحيحة من حيث الثبوت، وليست
كل الأفهام المنسوبة إلى النص مقبولة، وبعض الأفهام المنسوبة إلى النص مقبولة محتملة
في النظر، وبعض الأفهام لا يحتمل النص غيرها، ومع وعورة هذا التفصيل إلا أنه ضروري
لترتيب الأولويات وعدم الإضرار بالمحكمات.
خامساً: ومع كل هذا، يحتاج المربي إلى بيان
فساد بعض المناهج التي اعتمدت عليها النسوية الإسلامية في استخراج المعاني الشرعية
كإعادة قراءة النص وتاريخية النص وإنكار الإجماع والقياس وإنكار السُّنة وغيرها، وبيان
مدى مخالفة هذه المناهج للمناهج الشرعية المعتبرة
في استخراج تلك المعاني.
وهذا يتطلب دخولاً في التفاصيل، واستشارة
لأهل العلم، وحواراً معمقاً مع المتربي، خاصة في عصر السيولة المعرفية وسرعة الحصول
على المعلومة.
سادساً: وبما أن الفكر النسوي الإسلامي فكر
هجين يحاول الجمع بين الشرع والعرف ومنتجات الحضارة الغربية، فهو بلا شك فكر مليء بالتناقضات،
وقد ثبت ذلك عمليا، ولهذا يحتاج المربي إلى بيان تلك التناقضات، وبيان ما بين دعاة
النسوية من تنافر وتشاكس لا يقدم رواية منهجية متماسكة تعبر عن هذا الفكر المنسوب إلى
الدين.
سابعاً: على المربي ألا يغفل عن بيان أخطاء
الأفكار النسوية في الغرب، وأصولها المادية الإلحادية، وكيفية ظلمها للمرأة وإضرارها
بمصالحها، وما في شواهد الحضارة الغربية من أمثلة واقعية على ذلك، وذلك أن النسوية
الإسلامية وإن زعمت براءتها من النسوية الغربية، فإنها لا تخرج في المنهج والنتيجة
عنها، وإنما الفرق بينهما في الطريقة وأسلوب العرض فقط.
فإذا استطاع المربي استفزاز النسوية الإسلامية
لمهاجمة النسوية الغربية والرد عليها؛ فقد استطاع أن يبطل كثيراً من مقولاتها، كما
تُثبت ذلك التجربة العملية.
هذا بعض ما يمكن أن يُقال للمربين في معالجة
ظاهرة النسوية الإسلامية التي تتسلل إلى عقول المسلمين باسم الدين، وقد أثرت للأسف
الشديد في بعض المحجبات والمتدينين، وما يمكن أن يقال أكثر، والشيطان في مثل بحثنا
هذا لا يكمن في التفاصيل كما يقولون، بل الدخول في التفاصيل هو الذي يغلق أبواب الشياطين.
اقرأ أيضاً: