لماذا تنهار البيوت بعد شهر العسل؟

في البداية، كانت القلوب تخفق، والعيون
تلمع، والسعادة ترفرف بجناحيها في سماء الزوجين، والكل يبارك بداية الحياة الجديدة،
لكن ما إن تمر شهور العسل، حتى يبدأ كثير من الأزواج في منطقة الخليج –بل وفي
العالم العربي عامة– في مواجهة تصدعات مبكرة داخل عش الزوجية.
تنقلب الرومانسية إلى صمت، ويتحول الحلم
إلى ضغوط، والسعادة إلى إحباط وحزن وهَم، وتبدأ الأسئلة المؤلمة: لماذا تغير؟
لماذا تغيّرت؟ هل أخطأنا من البداية؟
هل هي لعنة «ما بعد الفرح»؟
تشير الإحصاءات الحديثة في عدد من الدول
الخليجية إلى ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الثلاث الأولى من الزواج.
ففي السعودية مثلًا، تُظهر بيانات وزارة
العدل أن نسبة الطلاق خلال أول عامين من الزواج تشكل جزءًا كبيرًا من إجمالي
الحالات المسجلة، وقد سجلت المملكة أكثر من 57.595 حالة طلاق خلال النصف الأول من
عام 2025م، بمعدل 157 حالة يومياً، بحسب صحف سعودية.
وتظهر إحصاءات كويتية ارتفاع عدد حالات
الطلاق خلال العام 2024م بنسبة 3.9% مقارنة بعام 2023م، حيث سُجلت في البلاد 8168
حالة.
وفي الإمارات، أكدت دراسات اجتماعية أن
ما يقرب من ثلث حالات الطلاق تحدث في أول سنة زواج.
وقد وثقت المحاكم الإماراتية 3023 حالة
طلاق خلال 5 سنوات، من عام 2020 حتى نهاية 2024م، في 4 إمارات هي الشارقة وعجمان
وأم القيوين والفجيرة، بحسب الإحصاءات المتوفرة.
ويفيد جهاز التخطيط والإحصاء القطري
(حكومي)، بارتفاع حالات الطلاق من 10.1 لكل 1000 رجل في عام 2013م، إلى 13.1 في
عام 2022م، ومن 8.5 لكل 1000 سيدة إلى 10.9 في عام 2022م.
ويبلغ عدد حالات الطلاق في سلطنة عمان 4122
خلال العام 2024م، بحسب بيانات المجلس الأعلى للقضاء، بينما بلغت في البحرين 2969
حالة، بحسب إحصائية صادرة عن وزارة العدل والشؤون الإسلامية في العام 2020م.
هذه الأرقام تطرح سؤالًا مرًّا: هل أصبح
الزواج مشروعًا هشًا في مجتمعاتنا؟ أم أننا نبدأ رحلة الميثاق الغليظ دون استعداد
حقيقي؟
أفكار وردية وأحلام غير واقعية
في كثير من الحالات، يبدأ الشريكان
حياتهما بأفكار وردية مستوحاة من المسلسلات أو تجارب سطحية، دون حوار عميق حول
المسؤوليات، أو تفاهم على الأولويات، أو حتى إدراك الفروقات بين شخصيتين نشأتا في
بيئتين مختلفتين.
في شهور العسل، تُغَطّي المشاعر على
الخلافات، لكن مع بدء الحياة الواقعية، تبدأ الخلافات، بعضها مالي، وبعضها حول
تباين الأدوار والمسؤوليات، وبعضها ناتج عن الضغوط الأسرية، وكثير منها حين يتوقع
كل طرف من الآخر توقعات غير واقعية، وهنا تبدأ التصدعات في جدار الزوجية الهش.
سُمٌّ بطعم النصيحة
كثير من حالات الانهيار المبكر في البيوت
الشابة تعود إلى تدخل الأهل –بنية الحب والحماية أحيانًا– لكن النتيجة تكون زعزعة
الثقة بين الزوجين.
تجد الزوج يشكو لأمه، والزوجة تستفتي
أختها في كل خلاف، ومع الوقت، يتحوّل البيت من عش مستقل إلى مسرح صراع بتدخل أطراف
ثالثة.
لا أحد من الناصحين يخبر الطرفين أن
البيوت تُبنى بالرحمة لا بالحب وحده، لا أحد يعلمهما أن القرآن الكريم لم يجعل
الحب وحده هو أساس الزواج، بل قال: (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21)، والمودة
في أبسط معانيها هي تبادل المشاعر الطيبة، من الرحمة، واحتمال التقصير، والتغافل،
ودعم الآخر عند الضعف.
كيف نحمي بيوتنا من الانهيار المبكر؟
يرى خبراء واختصاصيون أن هناك خطوات لا
بد من اتخاذها من كلا الطرفين، للحفاظ على البيوت من هذا الانهيار المبكر، تدور
كلها حول دعم المسؤولية الفردية عن تلك الحياة المشتركة، ومنها:
1- الوعي قبل الزفاف: من حيث إدراك أن
الزواج ليس حفلة، بل شراكة حياة.
2- دورات التأهيل الأسري: فكثير من
المجتمعات –مثل ماليزيا وبعض دول الخليج– بدأت تفرض برامج توعوية للمقبلين على
الزواج، وهو اتجاه جدير بالتعميم.
3- الخصوصية الزوجية: يجب أن يكون للبيت
حرمته، وألا يتسرّب منه شيء إلا عند الضرورة القصوى.
4- التواصل الحقيقي: فليس المهم أن نتحدث
كثيرًا، بل أن نستمع بصدق ونفهم بعمق.
5- غرس المعنى الروحي: حين يكون الله
حاضرًا في العلاقة، يكون كل خلاف فرصة للارتقاء، لا للانفصال.
6- إدراك الفوارق: فبين الرجل والمرأة من
حيث النوع فوارق تستلزم الإدراك والفهم من كل طرف، ليستطيع التماس الأعذار للطرف
الآخر، وبين الطرفين كذلك اختلاف نابع من البيئة الحاضنة لكل منهما قبل الاجتماع
في تلك الشراكة الزوجية، وفهمها هي الأخرى يجعل الحياة الزوجية أكثر نضجاً وأوثق
عرى.
وفي النهاية، فإن الزواج ليس ميدانًا
للمثالية، بل ساحة للنضج المشترك، والتغافل والتعلّم، ومَن يظن أنه سيدخل بيتًا لا
خلاف فيه، فربما لم يدخل بيتًا بعد!
لكنّ مَن يملك الإرادة لبناء حياة قائمة
على الوعي والمودة والرحمة، فستُزهِر بيوتُهم حتى بعد أن ينتهي شهر العسل.
اقرأ أيضاً: