لماذا نجحت تجارة عبد الرحمن بن عوف؟

 

يعتقد بعض الناس أن الضوابط الشرعية تقلل سبل الربح، وتحجّم التجارة، وأن التحرر من هذه الضوابط هو الخطوة الأولى للكسب وزيادة الدخل. إلا أن الدين الإسلامي لم يغفل يومًا عن تحقيق الرفاهية لأتباعه، ووضع بين أيديهم السبل المشروعة التي تمكنهم من تعزيز تجارتهم وزيادة أرباحهم ومكاسبهم.

والتاريخ الإسلامي مليء بالنماذج التي استطاعت الجمع بين دينها ودنياها. ومن هذه النماذج؛ الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، فعلى الرغم من غناه الذي بلغ حد الشهرة، ومهارته التجارية غير المسبوقة، إلا أنه كان ورعًا ملتزمًا بالضوابط الدينية، وكان من العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين الأولين في الإسلام. الأمر الذي يجعلنا نتساءل: لماذا نجحت تجارة عبد الرحمن بن عوف؟

السعي من أسباب نجاح تجارة عبد الرحمن بن عوف

حينما قدم عبد الرحمن بن عوف إلى المدينة، آخى النبي ﷺ بينه وبين سعد بن الربيع، وكان سعد من أثرياء المدينة، فقال لعبد الرحمن: "إني أكثر الأنصار مالًا فأقسم لك نصف مالي". لكن عبد الرحمن أبى وقال: "بارك الله لك في مالك، لكن دلني على السوق". ثم خرج إلى سوق بني قينقاع فجاء بشيء من سمن وأقط، فباع واشترى فربح.

ولم يستغل عبد الرحمن هذه الصفقة الكفيلة بتغيير حياته بعدما ترك ثروته بمكة، وفضّل الكسب من جده واجتهاده. وهذا ما نفتقر إليه اليوم؛ فالبعض يريد المال بلا سعي أو عناء، وسرعان ما يقع ضحية للعناوين المغرضة، والمواقع المزيفة التي تستجلب ضعاف النفوس. لذا أمرنا المولى سبحانه وتعالى بالسعي والأخذ بالأسباب كما فعل عبد الرحمن بن عوف. قال تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ) (النجم:39-41).

انظر أيضًا: «الوقف» وإدارته.. فهم شامل لأحكام الملكية والنظارة وشراكة القطاع الخاص

الصدق من أسباب نجاح تجارة عبد الرحمن بن عوف

إذا ما نظرنا إلى واقع تجارتنا اليوم، فسنجدها تدور بين ادعاءات بعيدة عن الواقع، وصفات لا توجد في السلعة، أو مبالغة في مزاياها، وأيمان بالله على أمور باطلة، وجشع في الكسب والربح. على الرغم من أن الدين الإسلامي يأمرنا بالصدق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء".

وهذا من أسرار نجاح تجارة عبد الرحمن بن عوف، فحينما سئل رضي الله عنه عن سبب البركة في ماله وتجارته قال: "ما رددت ربحًا قط، وما كتمت عيبًا قط".

فمن أراد تعزيز تجارته ومضاعفة أرباحه فلابد أن يكون صادقًا في قوله، وألا يبتدع مزايا لسلعته، أو يبالغ في وصفها.

الذكاء التجاري من أسباب نجاح تجارة عبد الرحمن بن عوف

الإسلام لا ينهى عن الفطنة والذكاء في التجارة، بل يحث على ذلك، لكن في ضوء الضوابط الدينية والأسس الشرعية.

والمتأمل في حياة عبد الرحمن بن عوف كتاجر؛ يرى أنه تميز بذكاء تجاري ساعده في زيادة تجارته ومضاعفة أرباحه.

فقد كان حسن الكلام، يكسب ثقة الناس واحترامهم، ولا يترك فرصة للربح إلا استغلها، حتى ولو كان الربح قليلًا أو لا يستحق العناء.

فحينما سئل عن سبب ربحه الكثير، ونجاح تجارته قال إنه لم يرد ربحًا قط، أي مهما كان هذا الربح قليلًا من وجهة نظر التجار، إلا أنه لم يرده، وكان يستغل الفرص. فبدأ في سوق المدينة بشيء يسير فبارك الله له، حتى أصبح من أغنى أغنياء الصحابة. وهذا يدل على أن الفرصة الصغيرة اليوم، قد تفتح لك أبوابًا لن تتخيلها غدًا، فلا تستهن بربح بسيط أو خطوة متواضعة. وهذا ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، في أمور ديننا ودنيانا، فعن أبي ذر أن رسول الله ﷺ قال: "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق".

انظر أيضًا: بهذه الخطوات.. يمكنك أن تكون تاجراً ناجحاً

الصدقة من أسباب نجاح تجارة عبد الرحمن بن عوف

اشتهر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بالكرم والجود، وكان كثير الإنفاق في سبيل الله. وروي أنه باع أرضًا بأربعين ألفًا وأنفقها على فقراء المسلمين، وأمهات المؤمنين. وقال ابن المبارك: أنبأنا معمر، عن الزهري قال: تصدق ابن عوف في عهد رسول الله ﷺ بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، وحمل على خمس مائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على خمس مائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة.

انظر أيضًا: كيف يكون النجاح المهني وسيلة إلى الجنة؟

من هنا يتبين أن الحياة التجارية لعبد الرحمن بن عوف جمعت بين الورع والفطنة، والصدقة والكسب الحلال، والصدق والذكاء التجاري، ولم يخش الخسارة أو الإنفاق يومًا.

ومن أجمل ما قيل عن هذا التاجر الصادق الصدوق: "أهل المدينة جميعًا شركاء لابن عوف في ماله، ثُلثٌ يقرضهم، وثُلثٌ يقضي عنهم ديونهم، وثلثٌ يصِلهم ويُعطيهم."

______________________________

سلمان بن فهد، دلوني على سوق المدينة.

كتاب المؤتمر العالمي الرابع للسيرة والسنة النبوية والمؤتمر العاشر لمجمع البحوث الإسلامية.

https://n9.cl/lnuwq

https://n9.cl/h07vr

 


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة