مع أول جمعة في غزة بعد وقف الإبادة..
ما حكم إقامة صلاة الجمعة في غير المساجد؟

صلاة الجمعة في غزة بعد الحرب
مع أول جمعة تقام في غزة بعد وقف الإبادة
الجماعية التي قام بها الكيان الصهيوني الكافر ضد أهل غزة، لم يجد عشرات الآلاف من
أهل غزة مسجدًا يصلون فيه الجمعة، فصلوا الجمعة في مصليات، وذلك بعد أن دمر الكيان
الصهيوني الكافر 1160 مسجدًا، منها 909 مساجد دُمرت بالكامل، و251 مسجدًا دُمرت بشكل
جزئي، وذلك من أصل 1244 مسجدًا في قطاع غزة؛ ما يعني أن 84 مسجدًا فقط هي ما تبقت من
إجمالي 1244 مسجدًا.
حكم الجمعة في ظروف الحرب والطوارئ
وفي مثل ظروف الحرب والطوارئ لأهل غزة أو
غيرهم، إذا لم يتمكنوا من أداء صلاة الجمعة؛ فإنها تسقط عنهم إن لم يقدروا على صلاتها،
وتجب عليهم صلاة الظهر ويصلونها على قدر استطاعتهم.
وجوب صلاة الجمعة بعد انتهاء الحرب
أما الآن، ومع وجود الأمن ووقف الحرب وتهدم
مئات المساجد وتعطل البعض الآخر في أنحاء قطاع غزة، فإنه لا تسقط عنهم صلاة الجمعة
إن توافرت شروط وجوبها، ويجب عليهم أداؤها، ولو في غير المسجد.
رأي جمهور الفقهاء في مكان إقامة الجمعة
فقد ذهب جمهور الفقهاء -إلا المالكية، ومحمد
بن الحسن من الحنفية- إلى أن المسجد ليس شرطًا من شروط صحة صلاة الجمعة، بل يصح أداؤها
في غير المسجد.
أدلة جواز إقامة الجمعة في غير المسجد
والدليل على عدم اشتراط المسجد أنه لم يرد
نص يوجب صلاة الجمعة فيه، ولا ما في معنى النص، والأصل عدم الاشتراط، ولم يرد، كما
ورد أن مصعباً بن عمير رضي الله عنه وقيل: أسعد بن زرارة، جمع بالأنصار في هَزْمِ النبيت
من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات. (رواه أبو داود)، وقال ابن جريج:
قلت لعطاء: يعني أكان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولأنه موضع لصلاة العيد،
فجازت فيه الجمعة.
هل يشترط المِصْر الجامع لصحة الجمعة؟
ولا يُشترط لصحة الجمعة المِصْر، روي نحو
ذلك عن ابن عمر، وعمر بن عبدالعزيز، والأوزاعي والليث، ومكحول، وعكرمة، والشافعي، وروي
عن علي رضي الله عنه أنه: «لا جمعة ولا تشريق إلا في مِصْرٍ جامع»، وروي ذلك عن النبي
صلى الله عليه وسلم، وبه قال الحسن، وابن سيرين، وإبراهيم، وأبو حنيفة.
وقد ورد من حديث أسعد بن زرارة، وروى البخاري
بإسناده عن ابن عباس أن أول جمعة بعد جمعة بالمدينة لجمعة جُمِّعَتْ بجواثا من قرى
عبدالقيس بالبحرين، وروى أبو هريرة أنه كتب إلى عمر يسأله عن الجمعة بالبحرين وكان
عاملًا عليها، فكتب إليه عمر: «جمعوا حيث كنتم» (رواه الأثرم)، كما أن صلاة الجمعة
صلاة عيد، فتصح في المصلى، كصلاة الأضحى. (راجع: «المغني» لابن قدامة (3/ 209)، و«الشرح
الكبير» (2/ 173 – 174)).
قول الإمام النووي في المسألة
وقال النووي في «المجموع شرح المهذب» (4/
501): «قال أصحابنا: ولا يُشترط إقامتها في مسجد ولكن تجوز في ساحة مكشوفة».
مذهب المالكية: اشتراط المسجد لصحة الجمعة
أما المالكية، فهم يشترطون لصحة صلاة الجمعة
أن تكون في المسجد، قال عبدالوهاب المالكي في «المعونة على مذهب عالم المدينة» (ص
300): إنما شرطنا المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم صلاها في المسجد، ولم يُصَلِّها إلا
فيه، وقد قال: «صَلُّوا كما رأيتموني أصلي».
مناقشة أدلة المالكية والأصل في مكان الصلاة
وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة في
المسجد ليس دليلًا على وجوبه، لأنه مع وجود المساجد، فلا معنى لصلاة الجمعة في غيره،
ونحن مأمورون بعمارة المساجد، كما قال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا
اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة: 18)،
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وسلف الأمة حريصين على إقامة الصلوات الخمس
في المساجد، فكيف بصلاة الجمعة؟!
ولا شك أنه مع وجود المساجد تُصلى الجمعة
فيها، أما إذا تهدمت المساجد، أو لم تكن هناك مساجد لأي سبب كان، فلا تسقط الجمعة عنهم،
فإن إقامة الشعائر من مقاصد الشريعة، ولأن الفريضة تعلقت بمكان لم يثبت وجوبه، فلا
تسقط الشعيرة بسقوطه، فإن فريضة الجمعة أقوى من إقامتها في مكان ما، فهي قد أقيمت في
المسجد، وهو الأولى، كما أنها إن أقيمت في غير المسجد؛ فقد أقيمت، ما دامت قد توافرت
فيها شروط وجوبها وصحتها.
ويشهد لهذا –أيضًا– ما ورد عن النبي صلى الله
عليه وسلم: «وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» (رواه مسلم)، بل أخرج ابن سعد وأهل السير
من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الجمعة في بطن الوادي.
تحليل العلماء لأسباب الخلاف
قال الشيخ محمود خطاب السبكي في «المنهل العذب
المورود شرح سنن أبي داود» (6/ 217): «ولو سُلِّم عدم صحة ذلك لا يدل فعلها في المسجد
على اشتراطه، وتقدم أيضًا في عبارة الروضة الندية ما يفيد أن اشتراط المسجد والقرية
وغيرهما مما ذكر لا دليل عليه من الكتاب ولا من السُّنة، بل هي كغيرها من الصلوات».
ثم ساق قول ابن رشد في «بداية المجتهد»:
«سبب اختلافهم في هذا الباب هو الاحتمال المتطرّق إلى الأحوال الراتبة التي
اقترنت بهذه الصورة عند فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياها هل هي شرط في
صحتها أم وجوبها أم ليست بشرط؟ وذلك أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصلها
إلا في جماعة ومِصْر ومسجد جامع، فمن رأى أن اقتران هذه الأشياء بصلاته مما يوجب كونها
شرطًا في صلاة الجمعة اشترطها، ومن رأى بعضها دون بعض اشترط ذلك البعض دون غيره كاشتراط
مالك المسجد وتركه اشتراط المصر والسلطان.. وهذا كله لعله تعمق في هذا الباب ودين الله
يسر، ولقائل أن يقول: إن هذه لو كانت شروطًا في صحة الصلاة لما جاز أن يسكت عنها صلى
الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا أن يترك بيانها لقوله تعالى: (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ)» اهـ. والحديث أخرجه البخاري والبيهقي.
الخلاصة: جواز صلاة الجمعة في غير المساجد للضرورة
فبان من ذلك كله أنه لا يُشترط المسجد لصحة
صلاة الجمعة، وبخاصة في مثل هذه الأحوال التي يعيشها أهل غزة من تهدم المساجد وصعوبة
وصول الناس إلى ما تبقى من عشرات المساجد مع تهدم مئات منها، مع الحفاظ على إقامتها
في المساجد الموجودة ما أمكن.