بعد إنشاء مديرية خاصة لها في وزارة الدفاع الصهيونية..
ما مسار خطة تهجير الغزيين؟ وهل ينجح الاحتلال في تنفيذها؟

تقف غزة على أعتاب لحظة عابرة، بل تعيش بكل ما تحمله الكلمة من معنى لحظة
فارقة في تطورات الأحداث للمنطقة، تُعاد فيها صياغة الخرائط لا بالحبر، بل بالدم
والنار.
ففي سباق مع الزمن، تستعجل دولة الاحتلال تنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد
ترمب القاضية بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى بلدان أخرى، وفي خطوة عمليّة تصب
بهذا الاتجاه صادق الكابينيت الصهيوني على إنشاء إدارة خاصة للهجرة الطوعية لسكان
قطاع غزة، مهمتها تولي تنفيذ هذه الخطة، وهذا يعني أن الجيش سيعمل كأداة لتنفيذ
سياسة تهجير السكان من خلال العديد من الوسائل والإجراءات.
برامجها وإجراءات تنفيذها
1- الضغط العسكري والإقليمي: وهو ما سعت إليه دولة الاحتلال من خلال حربها
وعدوانها وتحركاتها العسكرية، الهادفة إلى ارتكاب المجازر من خلال القتل الممنهج
والمجازر اليومية لإرهاب الناس وإخافتهم للهروب من الموت، وتدمير البنية التحتية
في غزة؛ ما يزيد من صعوبة الحياة اليومية للسكان الفلسطينيين.
2- التصعيد الأمني والضغط الاقتصادي: وهو ما تمارسه دولة الاحتلال وجيشها
من خلال إغلاق المعابر، ومنع دخول المواد الغذائية والمساعدات، وفرض حصار اقتصادي
شديد، وتشديد القيود على التنقل، أو تنفيذ إجراءات تتسبب في تدهور الأوضاع
الإنسانية في القطاع بشكل يضغط على السكان لمغادرة المنطقة.
3- تسويات إقليمية ودولية: وقد يشمل ذلك محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى
دول مجاورة مثل مصر أو الأردن، ودول أخرى، وهو ما قد يتطلب تدخلات مع هذه الدول
وهذا ما فعله ترمب بداية فترة رئاسته.
لم تكن هذه الخطة وليدة اللحظة، إذ سعت دولة الاحتلال منذ سنوات وما زالت
إلى تقويض قدرة سكان غزة على البقاء، من خلال فرض حصار خانق، وشن عمليات عسكرية
متكررة، وتدمير البنية التحتية؛ ما يجعلها غير قابلة للحياة، وقد زادت وتيرة هذا
التخريب والدمار الواسع خلال الحرب الدائرة اليوم على غزة، ولقد كشفت تصريحات بعض
المسؤولين الصهاينة عن نوايا واضحة لإجبار الفلسطينيين على مغادرة القطاع عبر
الضغط المستمر، وقد كشفت تقارير متعددة عن لقاءات دبلوماسية بين مسؤولين أمريكيين
وصهاينة مع حكومات بعض الدول الأفريقية والآسيوية، ومنها دول عربية، لمناقشة مدى
استعدادها لاستقبال أعداد من اللاجئين الفلسطينيين، كما تزامنت هذه اللقاءات مع
تكثيف العمليات العسكرية في غزة، وهو ما يُعد بمثابة تهيئة ميدانية لإجبار السكان
على المغادرة.
عوامل دافعة للتهجير
فمن خلال خلق ظروف معيشية قاسية وتضييق الخيارات المتاحة أمام السكان في
غزة، التي تجعل البقاء في القطاع تحديًا يوميًا، تبرز مجموعة من العوامل التي تهدف
إلى دفع سكان غزة نحو الهجرة:
1- التدهور الإنساني وتدهور البنية التحتية: فقطاع غزة يواجه أزمة إنسانية
خانقة نتيجة للحصار المستمر منذ أكثر من 16 عامًا، الذي تفاقم بشكل كبير بسبب
الحرب الأخيرة التي أدت إلى تدمير البنية التحتية، التي قد يستغرق إعادة إعمارها
عقودًا في ظل الظروف الحالية، إضافة الى انقطاع التيار الكهربائي، الذي يؤثر سلبًا
على جميع جوانب الحياة اليومية، وتدمير البنية التحتية للمياه أدى إلى نقص حاد في
المياه النظيفة؛ ما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية.
2- انهيار البنية التحتية الصحية: تعرض النظام الصحي في غزة لأضرار جسيمة
نتيجة للعمليات العسكرية المستمرة، وقد أدى تدمير المستشفيات والمرافق الطبية ونقص
الإمدادات والأدوية إلى تقويض قدرة المستشفيات على تقديم الخدمات الأساسية؛ ما
جعلها غير قادرة على تلبية احتياجات السكان المتزايدة.
3- تكثيف الضغوط السياسية والدبلوماسية: بالإضافة إلى الحصار والعمليات
العسكرية، تمارس دولة الاحتلال ضغوطًا سياسية ودبلوماسية على الدول المجاورة
والمجتمع الدولي لقبول فكرة إعادة توطين سكان غزة في دول أخرى، وتسعى هذه الجهود
إلى خلق بيئة تدفع الفلسطينيين إلى مغادرة القطاع، مستخدمة الأزمة الإنسانية
المتفاقمة كوسيلة للضغط.
آليات مواجهتها وتحديات تنفيذها
إن التحديات التي تواجه هذه الخطة كبيرة ومعقدة، وهي غير قابلة للتنفيذ
بسهولة دون دفع ثمن باهظ على المستويين الإنساني والسياسي، وقد تصطدم بالعديد من
العوائق والتحديات التي تجعل من تنفيذها أمراً معقداً:
1- المقاومة والصمود الفلسطيني: لا شك أن الفلسطينيين في غزة سيرفضون هذه
الخطة، وسيواجهون هذه السياسة بمقاومة شديدة، ومواجهات عسكرية، وهو ما قد يؤدي إلى
تصعيد أمني كبير في المنطقة.
2- الرفض الشعبي: لقد أظهر الغزيون في العديد من المرات قدرة على الصمود
والتصدي لمحاولات التهجير أو الإخلاء، من خلال الاحتجاجات السلمية؛ ما يجعل أي
محاولة تهجير لهم تواجه برفض شديد من السكان.
3- الوضع العسكري والأمني: من الناحية العسكرية، يمكن أن تكون محاولات
تهجير الفلسطينيين في غزة جزءًا من إستراتيجية أوسع تستهدف تغيير الوضع في
المنطقة، وأي عمل من هذا النحو قد يؤدي إلى تصعيد أمني خطير، ليس فقط في غزة، بل
في المنطقة بأسرها.
4- الموقف القانوني والدولي: المجتمع الدولي بشكل عام، بما في ذلك الأمم
المتحدة، يعتبر تهجير الفلسطينيين انتهاكًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وتعارض
العديد من الدول العربية والغربية هذا المشروع وتدعم الحقوق الفلسطينية، بما في
ذلك حق العودة.
5- المعارضة داخل دولة الاحتلال: قد يواجه هذا النوع من الخطط معارضة
داخلية من بعض الأحزاب السياسية الصهيونية، التي قد ترى أن تنفيذ سياسة تهجير
فلسطينيي غزة يتعارض مع مصالح دولتهم الأمنية والدبلوماسية على المدى البعيد.
6- ردود فعل الحكومات العربية والإقليمية: معظم الحكومات العربية لا تدعم
خطة التهجير، بل تدعو إلى دعم حقوق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم وفقًا
للقرارات الدولية، وأي تهجير قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية من هذه الدول ويؤثر على
العلاقات الإقليمية.
7- الآثار الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية: تهجير السكان الفلسطينيين من
غزة قد يؤدي إلى كارثة إنسانية ضخمة، مع وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الذين
سيكونون في حاجة إلى مأوى ورعاية طبية وتعليمية، وهذا سيضع عبئًا ثقيلًا على الدول
المضيفة ويخلق وضعًا معقدًا من الناحية الإنسانية، وقد يفاقم الأوضاع الاقتصادية
والإنسانية ويؤدي إلى زيادة المعاناة.
لا يبدو الأمر مجرد تصريحات الهدف منها الاستهلاك الإعلامي كما يروج البعض،
بل إن الأمر جد خطير، وهذه الخطة يتم الترويج لها لتنفيذها فعلياً على أرض الواقع،
فهل ستنجح دولة الاحتلال من خلال التبني الأمريكي لها بتنفيذها؟ أم سيكون نجاح
تنفيذها مشكوكًا فيه؟ وماذا عن ردود الفعل التي قد تواجهها دولة الاحتلال الصهيوني
على المستويين المحلي والدولي؟ وهل يمكنها كبح جماحها الساعي لإنهاء القضية
الفلسطينية الى الأبد؟