متاهة ويتكوف!

يستمر المبعوث الأمريكي الخاص للشرق للأوسط ويتكوف في ماراثونات المفاوضات
غير المباشرة بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين لوضع اتفاق جديد على طاولة التنفيذ
بما يتماشى مع تلاقي الأطراف عند نقطة التراضي.
وتنتشر بين الفينة والأخرى أخبار عن قرب توقيع اتفاق وقف لإطلاق النار تزامناً مع انتشار تفاصيل مقترحات وبنود يُقال: إنها تسريبات، بينما الواقع والتصريحات لا تتلاقى مع ما يُذاع عن مقترح ويتكوف.
قناص
لدى ويتكوف تجربتان سيئتان في الالتزام بتعهدات واتفاقيات سابقة، حيث وقبيل
تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في يناير 2025م، شارك ويتكوف في المفاوضات
لإعلان وقف إطلاق نار توطئة لشعارات ترمب التي كان يرددها بأنه فور وصوله للبيت
الأبيض ستتوقف الحروب وخاصة غزة وأوكرانيا، وبالفعل تحدث المنصرف جو بايدن عن
إنجاز الاتفاق، والحالي ترمب عن أنه إنجاز إدارته، ولكن المهم أنه لم يكن إنجازاً
بقدر ما كان وقفاً مؤقتاً للدم والإبادة.
فهذا اتفاق تم توقيعه على وقع ترحيب دولي واسع، ورغم الانتهاكات المتكررة
في تفاصيل المرحلة الأولى، فإن نتنياهو خرق الاتفاق بعدم الدخول في المرحلة
الثانية وجدد الحرب على غزة، وهذه كانت صفعة للمجتمع الدولي والوسطاء بمن فيهم
الأمريكي الذي لم يرد ولو بكلمة واحدة، بل زود «إسرائيل» بالأسلحة وغطاها أمام
المحاكم الدولية والمؤسسات، وكان ويتكوف عراب الاتفاق ولم يرفض انتهاك نتنياهو له.
وفي محطة أخرى، حينما تم الإفراج عن الجندي «الإسرائيلي» عيدان ألكسندر
كبادرة حسن نية من المقاومة في نهاية الثلث الثاني من مايو قبيل زيارة ترمب لمنطقة
الخليج العربي، كان ويتكوف عراب هذه المبادرة، ودمج جهوده مع جهود جانبية أسفرت عن
لقاءات مباشرة بين «حماس» وأمريكا في عدة جلسات، وكان الوعد للمقاومة أن هذه
اللفتة سيكون في مقابلها شيء عظيم من ترمب، في إشارة على إدخال المساعدات، ومع ذلك
أخفق ويتكوف في ذلك وصعّد من تصريحاته ضد «حماس».
وهذه الأيام يتم الحديث عن مقترح جديد لويتكوف عرضه على الفلسطينيين
فوافقوا وقالوا: إنه يتضمن تعهدات أمريكية بوقف إطلاق النار والذهاب لحلول جذرية
ومنها طويلة الأمد، ونسخة من المقترح رفضها نتنياهو وقال: نحن سنوافق على مقترح
ويتكوف الذي يتضمن وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار.
بين هذا المقترح والنسخ المكررة والمعدلة والمثبتة والسابقة واللاحقة، بات الأمر متاهة واسعة تُسهل على الأمريكي تفسير أي بند بناء على المتاح بين يديه وتعطيه مساحة أكثر للمناورة في التنصل من التعهدات أو من الالتزامات المستقبلية باعتماد مصلحة «إسرائيل» فوق كل شيء.
الأفق؟!
وفي ظل الميدان الذي يسعى «الإسرائيلي» أن يبقيه معيار الضغط عسكرياً
وأمنياً وجوعاً وعطشاً في تحد واضح للقانون الدولي ولجامعة الدول العربية ومنظمة
المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة؛ يبقى نتنياهو يناور ليثبت نظرية الضغط العسكري،
وأضاف لها سلاحاً يفتك بالشعب الفلسطيني وهو الجوع ليحقق ما خسره وما زال في ميدان
السياسة والعسكر.
تفسيرات «إسرائيل» لبنود مقترحات ويتكوف تثير التخوف والتساؤل عن جدية
الأخير في هذه المرحلة بعد سلبيته التي وصلت حد التواطؤ في محطتين سابقتين على
الأقل، ناهيك عن سياسته المتبعة في تقليص المقلص وإبرازه على أنه مقترح معدل.
لدى «إسرائيل» يعتبر استمرار الحرب مهمة دينية تاريخية أخذتهم لمربع
التفكير بالتوسع والتقدم الجغرافي في المنطقة؛ ما يعني أن الأفق السياسي ينعدم
يوماً بعد يوم بالتزامن مع الصمت الدولي وعدم الرقابة وغياب جدية عربية في وضع حد
لما يجري؛ ما يفتح شهية نتنياهو على الهروب للأمام وأخذ ما يريده من مقترحات
ويتكوف ونفي ما يتعارض مع مخططاته كما حدث سابقاً، لأن الرعاية بقيت كما هي، ولأن
الأمريكي لا يملك حتى اللحظة ولا تتوفر لديه نية الحل السياسي للقضية الفلسطينية،
وشغله الشاغل فقط إعادة الأسرى «الإسرائيليين» والقضاء على المقاومة الفلسطينية.
تلك معادلات تتلاقى فيها دولة الاحتلال مع أمريكا ما يقلل حجم ومساحة الأمل
لدخول أطراف دولية على الوساطة لفرض حل ملزم يلبي حقوق الفلسطينيين، خاصة أن
الأمريكي ما زال ينجح في تضليل العالم أنه يعمل على إنهاء الملف، وأنه الوسيط
الساعي لوقف الحرب، كما أنه في الوقت نفسه يبقي المشهد الفلسطيني ضعيفاً وعلاجه
مؤقتاً وفقط أمنياً وإنسانياً، أما الحل الجذري فيبقى شعارات يرددها كل رئيس
أمريكي حتى نهاية دورته، والثابت هو استيطان وتوسع على حساب الفلسطيني وفقط حلول
وهدن مؤقتة أمنية وإنسانية على مدار 3 عقود ونصف عقد من وهم الرعاية الأمريكية.
لا يمكن كسر هذا الوهم إلا بكسر هذه الرعاية بتوسيع الرعاية الدولية ووقف
استفراد أمريكا بالقضية الفلسطينية، وذلك من خلال إعلان صريح أنه لا وسيط ولا راعي
بين احتلال وشعب يواجه، وأنه من يريد الرعاية عليه الانطلاق من رعاية واسعة غير
حصرية، وكذلك على قاعدة القانون الدولي وليس على معايير «إسرائيل» وأمريكا.