محنة مسلمي الروهنجيا.. أزمة ممتدة بين الجوع والخذلان الدولي

أحمد درويش

25 أغسطس 2025

132

منذ تهجيرهم القسري عام 2017م، يعيش مئات الآلاف من مسلمي الروهنجيا في واحدة من أكبر المخيمات الإنسانية بالعالم في «كوكس بازار» ببنغلاديش، ومع مرور السنوات لم تتراجع المعاناة، بل ازدادت تعقيدًا، حيث يواجه هؤلاء اللاجئون وضعًا مأساويًا تتشابك فيه أبعاد إنسانية وسياسية وقانونية، ورغم كثافة النداءات الدولية، فإن المؤشرات الأخيرة تُظهر أن الأزمة آخذة في التفاقم على نحو يهدد ليس فقط حياة اللاجئين، بل أيضًا مصداقية النظام الدولي في حماية الفئات الأكثر ضعفًا.

أولًا: توقف مسار العدالة الدولية بسبب نقص التمويل:

كشف «الآلية الدولية المستقلة» التابعة للأمم المتحدة للتحقيق في جرائم الإبادة التي ارتكبت ضد الروهنجيا في ميانمار، أن عملها أصبح مهددًا بالتوقف شبه الكامل نتيجة عجز مالي يقدّر بحوالي 6.2 ملايين دولار، وقد انعكس هذا النقص مباشرة على قدرة الهيئة في حماية الشهود وتقديم الدعم النفسي للضحايا، فضلًا عن تعطيل عملية جمع الأدلة وتوثيق الانتهاكات.

ويحذر خبراء حقوقيون من أن تعطيل التحقيق سيُرسل رسالة خطيرة للجهات المتورطة، مفادها أن الجرائم الكبرى يمكن أن تفلت من العقاب إذا تراجعت أولويات المجتمع الدولي.

ثانيًا: انهيار التعليم في المخيمات:

في خطوة صادمة، أُغلق أكثر من 4500 مركز تعليمي كان يديرها شركاء منظمة «يونيسف» داخل المخيمات، وهو ما أدى إلى حرمان ما يقرب من 227 ألف طفل روهنجي من فرص التعلم.

ولا شك أن هذا الانقطاع قد ترك آثارًا اجتماعية خطيرة، من أبرزها:

- تفاقم عمالة الأطفال في أعمال شاقة وغير آمنة.

- ارتفاع معدلات الزواج المبكر، كوسيلة للهروب من الفقر وتقليل الأعباء على العائلات.

- تفشي الأمية في جيل كامل من الأطفال اللاجئين؛ ما يهدد مستقبل المجتمع الروهنجي على المدى الطويل.

ثالثًا: تحركات إقليمية خجولة:

على الصعيد السياسي، أبدت دول، مثل ماليزيا وبنغلاديش وإندونيسيا، استعدادها لتشكيل وفد إقليمي للتوسط في ملف عودة اللاجئين وضمان سلامتهم، إلا أن هذه المبادرة لا تزال في مراحلها الأولى، ولا يُعرف بعد ما إذا كانت قادرة على إحداث اختراق حقيقي في ظل تصلب موقف السلطات في ميانمار.

الجدير بالذكر أن دولة بنغلاديش، التي تتحمل العبء الأكبر من الأزمة، أصبحت تضغط على المجتمع الدولي بشكل متزايد لتقاسم الأعباء التي تفوق قدرتها، سواء عبر التمويل أو إعادة التوطين.

رابعًا: وضع إنساني يتدهور يومًا بعد يوم:

وذلك على النحو التالي:

- الغذاء: تقلصت الحصص الغذائية التي يحصل عليها اللاجئون إلى أقل من النصف مقارنة بما كانت عليه قبل عامين، بسبب نقص التمويل.

- الصحة: تعاني المراكز الطبية من نقص حاد في الأدوية والمعدات؛ ما يعرض المرضى والأطفال لخطر متزايد.

- الأمن: تشهد المخيمات تناميًا للجريمة المنظمة، بما في ذلك تهريب البشر والمخدرات، وسط غياب شبه كامل للحماية.

للأسف، تُظهر أزمة الروهنجيا اليوم واحدة من أبشع صور التناقض بين مبادئ العدالة الدولية وواقع السياسة، فبينما يتحدث العالم عن حقوق الإنسان وحماية المدنيين، يُترك مئات الآلاف من البشر في دائرة الجوع واليأس، بلا تعليم ولا أفق واضح للمستقبل.

إن استمرار تقليص التمويل وغياب الإرادة السياسية لحل جذري لا يهددان حياة اللاجئين من مسلمي الروهنجيا فحسب، بل يوجهان ضربة عميقة لمفهوم العدالة الدولية ويقدح بشكل واضح في مصداقيتها وجدواها، وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل وفعّال، فإن هذه الأزمة ستتحول إلى جرح مفتوح في الضمير الإنساني لعقود قادمة؛ لتكون شاهدة على أبرز أمثلة الفشل الإنساني والاجتماعي والصحي والأمني على مستوى العالم في هذه الحقبة من الزمن.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة