منهج الحب النبوي.. كيف ربى النبي ﷺ جيلاً فريداً من الأطفال؟

الطفولة روح البشرية ومستقبل كل أمة، وهي المرحلة التأسيسية التي تتشكل فيها شخصية كل إنسان، فالطفل كالصفحة البيضاء، أو هو صفحة بيضاء بالفعل يسطر فيها الآباء والمعلمون والمربون الهوية الأساسية للطفل، التي ستستمر معه حتى يكبر، فيكون من الصعب تغييره، أو التشكيك فيما تلقاه وتبلور في وجدانه، حيث تترسخ في عقله وقلبه مجموعة القيم والمعتقدات والاتجاهات التي سوف توجهه في مسار حياته المستقبلي.

لماذا اهتم النبي بمرحلة الطفولة؟

لقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال ليعلّم الأمة كيف تكون منهجية التعامل معهم، وذلك بالتربية المباشرة بالقدوة العملية، وبإظهار الحب والعطف والرعاية والفهم لطبيعة مراحلهم المختلفة.

وقد اهتم القرآن الكريم بالطفولة فقال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) (الأنعام: 151)، وحذر سبحانه من يقومون بوأد البنت فقال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) (التكوير)، والأبناء مدعاة للفخر والسعادة إذا أحسن المرء تربيتهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك فقال تعالى: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) (الفرقان: 74)(1).

ولذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالأطفال، فعن أنس قال: «ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم» (رواه مسلم)، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما، فرآه الأقرع بن حابس فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لا يَرحم لا يُرحم» (رواه البخاري).

وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟!»؛ وهو طائر صغير كالعصفور، قال: فكان يلعب به. (رواه مسلم).

التربية بالقدوة في حياة النبي

ومن أعظم وسائل التربية، التربية بالقدوة، يتابع المربى مربيه فيلتمس الصدق في سلوكه فيتبعه دون جدال طويل، خاصة الأطفال الذين يحركهم الذكاء الفطري وصدق المربين.

وقد كان ذلك نهج النبي صلى الله عليه وسلم هو تطبيق أي حكم قبل أن يأمر به غيره، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جسد هذا المنهج في حياته كلها، مع الكبار والصغار، فقد شهد الله عز وجل له، فقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21).

ولتعليم الأمة الرحمة بالطفولة والأمومة، فكان حين يصلي إذا سمع بكاء طفل يخفف من صلاته رحمة بالأم، فعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأقوم في الصلاة، وأريد أن أطوّل فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه» (رواه البخاري).

النبي يغرس القيم في الأطفال

لم يتوقف حب النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال عند مشاركتهم اللعب، وتقدير اهتماماتهم الصغيرة، وإنما تحولت تلك العاطفة لغرس قيمة تربوية في كل موقف من مواقفها.

لقد كان ابن عباس طفلاً صغيراً بينما يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم كلمات، فعن عبدالله بن عباس قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: «يا غلام، إني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» (رواه الترمذي).

العدل بين الأطفال

وقد يتهاون البعض في تطبيق قيمة العدل بين الأبناء ظناً منهم أنهم لا يتأثرون أو لا يلاحظون الفرق في المعاملة؛ ما ينتج عنه ضغائن بين الإخوة في البيت الواحد، أو في الفصل الدراسي الواحد، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مغبة الوقوع في التمييز بين الأطفال، فعن النعمان بن بشير قال: قال والدي: إني نحلت ابني هذا غلامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكل ولدك نحلت مثله؟»، قال: لا، قال: «فأرجعه» (رواه البخاري)؛ وبهذا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم الآباء والمربين والقائمين على أمور الأطفال أن العدل بينهم ليس استقراراً للأسرة وحدها، وإنما استقرار للمجتمع كله، وتنشئة للأطفال بعيداً عن مشاعر الغيرة أو الكراهية بينهم.

احترام شخصية الطفل

والأطفال أذكياء بطبيعتهم، يدركون ويعلمون ويفهمون من يعاملهم بلطف، ومن يحترمهم ويقدرهم أو يستهين بهم، فعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب، فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟»، فقال الغلام: لا والله، لا أوثر بنصيبي منك أحداً، فناول النبي صلى الله عليه وسلم الغلام. (رواه البخاري).

الدعاء للأطفال والاهتمام بمستقبلهم

وقد كان عليه الصلاة والسلام حريصاً على الدعاء للأطفال بالبركة، فعن أسماء بنت أبي بكر أنها جاءت بابنها عبدالله بن الزبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره ثم دعا بتمرة، فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أول ما دخل جوفه ريق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه ودعا له وبرّك عليه. (رواه البخاري.

ويشهد التاريخ أن تلك التربية قد أثمرت جيلاً من الصحابة الذين حملوا رسالة الإسلام بوعي وقوة وثبات وإصرار، فهؤلاء الأطفال الذين تربوا بالقدوة والحب على يد نبيهم صلى الله عليه وسلم، قد صاروا قادة الدنيا.




____________________

(1) تفسير الطبري جامع البيان ج11 ص 386.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة