الرسول ﷺ.. والتربية الوالدية (3)

د. عادل هندي

07 أبريل 2025

78

سبق بنا في مقالنا الفائت بيان بعض أدبيات المنهج النبوي في التربية الناجحة، وكان من بين ذلك: الأخذ بالأسباب عند الزواج ابتداء، ثم الأبوة الحانية، ومرافقة العلم للتربية، فما كان منهجه قاصرا ولا جزئيًّا، فضلا عن صبره الراقي عند التعامل مع الأطفال، واستكمالا لما سبق، فإنّ من بين أدبيات التربية النبوية للأولاد (أيضًا)، ما يأتي:

سادسًا: مشاركة الأولاد مهاراتهم:

لقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعمل على مشاركة الصبيان في مهاراتهم ويُشْعِرهم بأهمية مهاراتهم، فقد جاءت امرأة إلى رسول الله تشكو ولدها، وكان من بين صفات هذا الولد أنه كان شاعرًا ويقرِض الشِّعر، فقال: أريده، ولنترك صاحب القصة يحكي هذا الموقف؛ حيث روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث عَمْرِو بْنِ الشّـَرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: «هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «هِيهْ» فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: «هِيهْ» ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: «هِيهْ» حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ(1).

يقول الإمام النووي: وقوله صلى الله عليه وسلم: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئا؟ فهكذا وقع في معظم النسخ شيئا بالنصب، وفي بعضها شيء بالرفع، وعلى رواية النصب يقدّر فيه محذوف، أي: هل معك من شيء، فتنشدني شيئًا(2) وما هذا إلا مشاركة له.

كما أنّ مرافقته صلى الله عليه وسلم للصبيّ مشاركة واهتمام، وطلبه الاستماع منه إلى ما كان يقول من شِعْر، هو نوع من الإشعار بالأهمية، حتى عدّلَ له النبيّ صلى الله عليه وسلم شيئًا من الفهم في ميزان الشِّعر الذي ينبغي أن يُقال، فقد ثبت في رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال له: «أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل..»، فوفقًا لهذا يدلّه على الحسن من الشِّعْر، ونصحه بالأحسن بعد أن شارَكَهُ.

وفي موقف مشاركته مع الصبيان عند رمي النبال وتذكيرهم بأبيهم إسماعيل عليه السلام(3) دليل على عظمة مشاركة الآباء لأبنائهم في هواياتهم ومهاراتهم.

فليت الآباء والأمهات يشاركون أبناءهم وبناتهم المهارات الخاصة بهم، فإن هذا يُشعر الأبناء بالرعاية والاهتمام، فضلاً عن أنه يصرفهم عن لهو باطل وانحراف ربما يجرّهم إلى سُبل ضالّة معوجة يتعسّر معها العلاج بعد أن تتراكم وتتفاقم.

سابعًا: الحكمة في التربية والتوجيه:

المُرَبِّي كالطبيب يصف لكل مريض ما يناسبه من دواء، وها هو صلى الله عليه وسلم يُراعِي حال من يربيهم ويقوّمهم، مراعيًا الفروق الفردية بينهم، فقد اختصّ سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه بإعلامه بثواب من قال: «لا إله إلا الله»، ومات لا يشرك بالله شيئًا.

لم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر في تعامل أغلبهم مع المواقف والأحداث –خاصة مع الأبناء بالعاطفة دون العقل والتعقل والحكمة والفهم، فها هو صلى الله عليه وسلم يراعي حال من يُربيه ومَن يلقيه النصيحة؛ فلا شك أن ثمت فروقًا فردية بين الأولاد في الفهم والتلقي والتعلم والاستيعاب؛ فربما وجدناه يعلّم صبيًّا منهم أمرًا عقديًّا قد لا يستوعبه غيره، كما فعل في اختصاصه معاذ بن جبل بثواب حديث «لا إله إلا الله»(4)، وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله للحديث بقوله: (بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا)، كما اختصّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما بحديث «إني أعلّمك كلمات»(5)، وبالتأمّل في التوجيهيْن النبويّيْن للغلامَيْن رضي الله عنهما يتضح مدى استعمال الحكمة والعقل ووضع كل شيء موضعه المناسب وبذل التوجيه المُناسِب، في الوقت المُناسِب، وقد أثمر هذا التوجيه ليس في زمن الصحابة فقط بل في الأُمّة كلها.

وهي أمور اعتقادية، يستوعبها عقل كلا الغلامَيْن، ولا يعني ذلك جهل غيرهما، لكنهما أقدر على تحمّل المسؤولية فهمًا وتبليغًا، وتلك هي عين الحكمة التربوية في التربية؛ باختيار الوقت المناسب للنصيحة والموعظة، حكمةٌ باختيار الوسيلة المناسبة للتربية، حكمةٌ بالإجابة على التساؤلات المتعددة التي عُرِضت عليه صلى الله عليه وسلم وفقًا لما يتوافق مع واقع السائل والمستشير.

ثامنًا: استخدامه التشويق في التربية:

فكان مع تربيته صلى الله عليه وسلم يستخدم وسائل متعددة لتشويق الأبناء لما يقول ولما يعلمهم إياه؛ فمثلا كان يستخدم القصص كقصة الغلام مع الساحر والراهب والملك(6)؛ اهتداءً بما ورد في القرآن الكريم من إيراد القصص للأطفال والكبار، وكان يستخدم ضَرْب المثَل في تصحيح الأخطاء، حتى أنّ واحدًا من الصبيان كعبدالله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما كان يقول: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألْفَ مَثَل(7)، وهكذا كان المربي الأول صلى الله عليه وسلم ينوّع أساليب التشويق في تربية الأبناء، وهذا مما ينبغي أن يهتم به المربون؛ فللقصة والمَثَل والتشبيهات أثر كبير في نفسية المتلقِّي.



أسس المنهج النبوي في التربية الوالدية (1) |  مجلة المجتمع الكويتية
أسس المنهج النبوي في التربية الوالدية (1) | مجلة المجتمع الكويتية
مما لا شك فيه أن التربية الوالدية تعد إحدى أهم ال...
mugtama.com
×


تاسعًا: بعْث الطمأنينة والثقة في نفس المُرَبِّي:

فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يبعث أحد الصبيان أو الغلمان حديثي السنّ لأمر مَّا، كان يشجعهم ويبعث برسائل الطمأنينة والأمان في النفس وأنهم قادرون على الإنجاز والقيام بالأعمال.

ولا شكّ أن الثقة فيمن يوكل إليه عمل أو تُسنَد له مهمة تُؤتي ثمارها الطيبة، أما الخوف الزائد من عدم إنجاز المهمّة فإنّه يصنع جيلا قلقًا مُضطربًا لا يقوى على اتخاذ قرار، ضعيفًا في مواجهة أعباء ومتطلبات الحياة،

ومما يؤكّد ما سبق ما ثبت عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين حدَّثَ بقوله: بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً، فقلت: يا رسولَ الله، تُرسِلُني وأنا حديث السِّنِّ ولا عِلْمَ لي بالقضاء؟ فقال: "إنَّ الله عزّ وجلّ سيَهدى قلبَكَ ويُثبِّت لِسانكَ، فإذا جَلَسَ بينَ يديكَ الخصمان، فلا تقضِيَنَّ حْتى تَسْمَعَ مِن الآخَر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يَتَبيَّن لك القضاء" قال: فما زلتُ قاضياً، أو ما شككتُ في قضاء بعد(8)، فعملَ على تثبيته وتشجيعه والدعاء له بالتسديد والنجاح في مهمّته،

عاشرًا: انتقاء الكلمات واللمسات التربوية الطيبة:

فلقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يستخدم الكلمات الحانية عند تصويب الأخطاء للأولاد؛ فما جرَح مشاعر واحدٍ منهم، ولا أراق ماء وجهه؛ بل كانت كلماته حانية، وعباراته هادئة، وتوجيهاته سديدة، نلحظ ذلك مما فعله النبيّ صلى الله عليه وسلم مع ربيبه عمر بن أبي سلمة، حين أخذ في تعليمه آداب الأكل، فقال: «اجْلِسْ يَا بُنَيَّ، وَسَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»(9)، وربما صرّح بلفظ الحب لمن يربيه ويعلّمه، كما فعل مع معاذ، وصرّح له بحبّه إياه، وكان يدعو للأبناء ويشجعهم ويحفّزهم كما دعا لابن عباس: «اللهم علِّمه الكتاب».

وعند النصيحة كان يلامس النبيُّ صلى الله عليه وسلم الطفلَ بيديه لمسة حنان ورقة ورفق ومن ذلك ما فعله صلى الله عليه وسلم مع سيدنا عَبْدِالله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه حين أَخَذَ بِمَنْكِبِيه فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيل»(10)، وكان يطلق كلمات الثناء والحب التي تشجّع على الإنجاز، ومن ذلك ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلني عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلا الله، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ»(11)، ولا شكّ أن سيدنا أبا هريرة رضي الله عنه قد نال دفعة معنوية قوية وكبيرة بثناء الرسول وتشجيعه له ستدفعه لمزيد من الحرص والاهتمام بالبحث وتلقي العلم، وقد كان،

وإذا كان هذا الثناء من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم على بعض الغِلمان يحفّزهم ويدفعهم إلى الأمام وإلى مزيد من الإنتاج والعطاء والحرص على طلب العلم، فإن سيدنا أوس بن معير (أبو محذورة الجُمحيّ)(12) قد وقع له مثل ذلك مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أم عبدالملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة، قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، خرجت عاشر عشـرة من مكة نطلبهم، فسمعتهم يؤذنون للصلاة، فقمنا نؤذّن نستهزئ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت»، فأرسل إلينا، فأذّنّا رجُلاً رجُلاً، فكنت آخرهم، فقال حين أذّنت: «تعال»، فأجلسني بين يديه، فمسحَ على ناصيتي، ثم قال: «اذهب، فأذّن عند البيت الحرام»، قلت: كيف يا رسول الله؟ فعلّمني الأولى كما يؤذنون بها، وفي الصبح: «الصلاة خير من النوم»، وعلَّمني الإقامة مرَّتين مرتين.. قال الواقدي: كان أبو محذورة يؤذن بمكة إلى أن توفي سنة تسع وخمسين، فبقي الأذان في ولده وولد ولده إلى اليوم بمكة(13).


حادي عشر: القدوة والنموذج التطبيقي:

لن يصل المربي إلى بغيته من التربية إلا إذا كان قدوة أمام من يربّيه؛ فلا يليق بأي مربٍّ أن يأمر بشيء ولا يفعله، قال تعالى: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (الصف: 3)، وقد وُصِف النبي صلى الله عليه وسلم ببعض ملامح القدوة في شهادة الجُلندي ملك عُمان، حين بعث إليه النبيّ بعمرو بن العاص، يدعوه إلى الإسلام، فقال: (لقد دلّني على هذا النبيّ الأميّ، إنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شرّ إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يهجر(14)، وأنه يفي بالعهد، وينجز الوعد، وأشهد أنه نبيّ)(15).

هكذا أقنعه بالإسلام أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان قدوة، يوافق قوله فعله، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشخصيته وشمائله وسلوكه وتعامله مع الناس، ترجمة عملية بشـرية حية لحقائق القرآن وتعاليمه وآدابه وتشريعاته، ومن دلائل القدوة في التربية النبوية ما جاء عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: (لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته ينقل من تراب الخندق، حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشعر(16)، وهذا يُظهِر عِظَم المشاركة النبوية في حفر الخندق، وتلك هي القدوة بعينها التي تزرع الثقة في فريق العمل.

وعلى هذا فإن تربيته صلى الله عليه وسلم قد اتَّسمت بالعديد من السمات، ولا يدّعي الباحث أنه حوى في هذه النقطة كل عناصر التميّز التربوي للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يأتي:

أولاً: وضوح الهدف من التربية في التصحيح العقلي، والضبط النفسي، والتوظيف السلوكي المتميّز بحكمة وتدرج وتنوّع في الوسائل المستخدمة للوصول إلى الأهداف المرجوّة، فإن مشكلة المشكلات عند بعض الآباء والأمهات غياب الهدف من التربية، وربما غياب الهدف من الزواج وبناء الأسرة من الأساس، غير أنّ هدْي النبيّ في تربية الأطفال له هدفه السامي المتمثّل في بناء المجتمع وتماسكه والحفاظ على وحدته ورعاية مشاعر أبنائه.

ثانيًا: ربانية المصدر، وشمولية التربية؛ فلقد كان عليه الصلاة والسلام مربيًا شموليًا بتربيته؛ يربي الأطفال في كل جانب حياتي، علميًّا وفكريًّا وبدنيًّا واجتماعيًّا وصحيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وأخلاقيًّا، فما ترك جانبًا من جوانب الترقية في التربية إلا وكان له فيه عطاء، وقد تعدّدت جوانب الشمولية في منهجه التربوي؛ فشملت الزمان والمكان والإنسان، والمضمون التربوي والوسائل والأساليب المستخدمة في التربية، ومن شمولها للإنسان التركيز على تربيته وإعداده قبل أن يولد وعند ولادته وبعد ولادته وفي مراحل عمره المختلفة، يُضاف إلى ذلك أنّ المناهج التربوية غير الإسلامية، قد ركّزت في ملامح تربيتها على جانب معين من جوانب الحياة، فمنها ما يتعلق بتحقيق التميز والاستقلالية، ومنها ما ينشغل بالمادة وحدها، ومنها ما شرُد نحو الرّوحانية المزعُومة دون الانشغال بالتحصيل المادي، أما المنهج الإسلامي فهو على عكس ذلك، من خلال المتابعة لهدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثًا: التوازن والجمع بين احتياجات الروح والبدن: وتلك دلالة عُظمى لتربيته صلى الله عليه وسلم، فقد كانت تربية واقعية تتسق مع واقع المراحل العمرية المختلفة، بل وأنماط الشخصية الإنسانية المختلفة؛ حيث راعَى النمط العقلي فخاطبه بالعقل، وراعَى صاحب الإحساس المرهف فخاطبه بالمشاعر والعواطف، وراعَى صاحب المهارة فخاطبه باللسان الذي يفهمه ويرقِّيه.

رابعًا: الإنسانية ومراعاة المشاعر؛ فلا يُعقل أن يخرج من رائد تربية أسلوبًا أو طريقة تتعارض مع الإنسانية والمشاعر الراقية؛ فما جرح ولا فضح ولا أهان ولا أساء أبدًا صلى الله عليه وسلم لأحد، حتى لخدَمِه كما ثبت في أحاديث سيدنا أنس بن مالك، خادم النبيّ صلى الله عليه وسلم.

خامسًا: واقعية التربية النبوية: فقد كان يراعي واقع المُرَبَّى في زمانه ومكانه وثقافته وظروف حياته الاجتماعية والاقتصادية، ومع واقعية هذه التربية النقيّة خرج إلى الواقع جيل فعّال في المجتمع، فَهِمَ عُمق رسالة الإسلام، وارتبط بدينه ارتباط الولد بأمّه الغالية، وهكذا هي تربيته صلى الله عليه وسلم للأولاد بمزاياها المتعددة، وقد اتضح بجلاء أن التربية النبوية مدرسة رفيعة المقام، وفيها أحسن بيان، وأقوم بنيان لمن أراد أن يتعلّم وأن يتعايش بسيرته في تصويب ما طرأ على حياتنا ومناهجنا من أخطاء، فكيف يستفيد المربُّون المعاصرون من هذا الهدْي الشريف؟ ويمكن التعرّف على الجواب في المقالة التالية بمشيئة الله تعالى.





___________________

(1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الشِّعْر، حديث رقم (2255).

(2) شرح النووي على مسلم: ج15، ص12.

(3) إشارة إلى حديث البخاري في الصحيح، وفيه: عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ» قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟»، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ» (صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير، بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْيِ، حديث رقم (2899)).

(4) إشارة إلى حديث فيه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ»، قَالَ: أَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا» (صحيح البخاري: كتاب العلم، بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا، حديث (129)).

(5) إشارة إلى حديث ابن عباس، وفيه: أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشـَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَـيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» (سنن الترمذي: (المُتَوَفَّى: 279هـ)، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر وآخرون، حديث رقم (2516)، ط2/ 1395هـ/ 1975م، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر، وقال عنه الشيخ أحمد شاكر: (حديث صحيح)).

(6) القصة أوردها الإمام مسلم في صحيحه، برقم (3005) من حديث صهيب بن سنان، كتاب الزهد والرقائق، باب قِصَّةِ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ وَالسَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَالْغُلامِ.

(7) سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (ت 748هـ)، تحقيق مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط، ج3، ص87، ط3/ 1405هـ/ 1985م، مؤسسة الرسالة، بيروت.

(8) سنن أبي داود: أول كتاب الأقضية، باب كيف القضاء، حديث رقم (3582)، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في التحقيق: حديث صحيح بطرقه.

(9) أخرجه أبو بكر الشافعي في الفوائد: بَابُ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالأَكْلِ مِنْ جَوَانِبِ الْقَصْعَةِ، وَلا يُؤْكَلُ مِنْ أَعْلاهَا، (بسند حسنِ)، (يُنظر: كتاب الفوائد، أبو بكر محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن عبدوَيْه البغدادي الشافعي البزَّاز (ت 354هـ)، حققه: حلمي كامل أسعد عبدالهادي، ط1/ 1417هـ/ 1997م، دار ابن الجوزي السعودية)، وأصل الحديث أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب: الأطعمة، باب: التسمية على الطعام والأكل باليمين: حديث رقم (5376)، وأخرجه مسلم في كتاب: الأشربة، باب، آداب الطعام والشراب وأحكامهما: حديث رقم (2022).

(10) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، حديث (6416).

(11) صحيح البخاري: كتاب العِلْم، بَابُ الحِرْصِ عَلَى الحَدِيثِ، حديث (99).

(12) مؤذّن المسجد الحرام بمكة المكرمة، وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم كان من أندى الناس صوتًا وأطيبه، كما قال ذلك الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: ج3، ص117.

(13) المرجع السابق.

(14) أي: لا ينطق بكلام قبيح أو مُسْتَهْجَن.

(15) الإصابة في تمييز الصحابة: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود وعلى محمد معوض، ج1، ص637، ط1/ 1415هـ، دار الكتب العلمية بيروت.

(16) صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب، حديث (4106)، ج5، ص110.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة