من «الأقصى» إلى «الأذان».. فصول من العدوان على هوية القدس الإسلامية

علي إبراهيم

23 نوفمبر 2025

94

شهد العامان الأخيران تصاعدًا في استهداف المسجد الأقصى المبارك، شمل المصلين والحراس، ووصل إلى خطباء المسجد وأئمته، وسعت أذرع الاحتلال إلى تكميم أفواه هؤلاء، ومنعهم من التعبير عن آرائهم، بالتوازي مع تصاعد اقتحامات المسجد، وأداء الطقوس اليهوديّة العلنية.

ولم تكتف سلطات الاحتلال باستهداف «الأقصى» فقط، بل شهدت الأعوام الماضية استهداف عدد من أئمة مساجد القدس، وأصدرت بحقهم قرارات سجن، على أثر مضامين خطبهم، بل وعادت إلى الواجهة مشاريع قوانين تستهدف صوت الأذان في القدس المحتلة، في سياق تحريض متصاعد لكل ما يتصل بهوية القدس الإسلامية.

ويرصد هذا المقال أبرز أشكال العدوان على الهوية الإسلامية في القدس المحتلة، والاستهداف الممنهج للرموز الدينيّة الإسلامية، ابتداءً بالمسجد الأقصى، والأذان، ووصولًا إلى الخطباء والأئمة في القدس و«الأقصى».

استهداف خطباء القدس و«الأقصى»

بالتزامن مع حرب الإبادة في غزة، تصاعدت الرقابة الأمنية «الإسرائيلية» على مضامين خطب الجمعة في القدس و«الأقصى»، وشهدت الأشهر منذ أبريل 2025م استهدافًا ممنهجًا للخطباء، ففي 11 أبريل اعتقلت قوات الاحتلال الشيخ محمد سليم، على أثر دعائه لغزة وأهلها من على منبر المسجد الأقصى، وهو ما عدّته سلطات الاحتلال «تحريضًاً»، وسلمته لاحقًا قرارًا بإبعاده عن «الأقصى» لمدة أسبوع.

وفي 25 يوليو، عتقلت قوات الاحتلال مفتي القدس الشيخ محمد حسين من داخل المسجد الأقصى، على أثر استنكاره في خطبة الجمعة سياسة التجويع التي انتهجها الاحتلال بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وعلى أثر الاعتقال أصدرت سلطات الاحتلال قرار إبعاد بحق الشيخ لـ8 أيام، وفي 6 أغسطس جدد قائد منطقة القدس في شرطة الاحتلال أمير أرزاني قرار الإبعاد لـ6 أشهر أخرى.

وفي 1 أغسطس، اعتقلت شرطة الاحتلال الشيخ إياد العباسي أثناء خروجه من باب الأسباط، واحتجزته عدة ساعات، قبل أن تفرج عنه لاحقًا، وجاء احتجاز الشيخ العباسي على خلفية حديثه في الدرس الذي يسبق خطبة الجمعة عن حرب الإبادة، وأشارت مصادر فلسطينية إلى أن قوات الاحتلال هددت الشيخ بعدم ذكر غزة مرة أخرى.

وفي 19 سبتمبر، اعتقلت قوات الاحتلال الشيخ محمد سرندح بعد صلاة الجمعة، ثم أفرجت عنه لاحقًا وسلمته قرارًا بالإبعاد عن «الأقصى» لمدة أسبوع، وعلى الرغم من عدم إيراد سبب الاعتقال والمنع، فإنه جاء في سياق تهديد الخطباء وترهيبهم.

وإلى جانب خطباء «الأقصى»، تعرض عددٌ من خطباء القدس إلى قراراتٍ قاسية، على خلفية مضامين خطبهم بالتزامن مع حرب الإبادة، ففي 12 أكتوبر 2023م اعتقلت قوات الاحتلال الشيخ المقدسي عصام عميرة بتهمة «التحريض» من قرية صور باهر، على إثر دعوته الجيوش العربية والإسلامية لمحاربة الكيان.

وفي 29 يناير 2025م، حكمت واحدة من محاكم الاحتلال على الشيخ عميرة بالسجن الفعلي لنحو 3 سنوات (34 شهراً)، وقبل صدور الحكم مددت سلطات الاحتلال اعتقاله مرارًا على الرغم من بلوغه 75 عاماً، ويأتي هذا القرار المجحف بحق الشيخ عميرة، ضمن سعي الاحتلال لقمع الخطباء في القدس المحتلة.

وإلى جانب الشيخ عميرة اعتُقل عددٌ من خطباء القدس، فقد حُكم بالسجن الفعلي على الشيخ نعيم عودة مدة 16 شهرًا، وهو أحد خطباء مساجد بلدة سلوان، إضافة إلى اعتقال كل من الشيخ جمال مصطفى، خطيب في مساجد بلدة العيسوية، الذي صدر قرار بسجنه 3 سنوات، والشيخ محمود أبو خضير، خطيب مسجد بلدة شعفاط، الذي حوكم بالسجن لعام وشهر، وتُشير المعطيات إلى أن النيابة العامة التابعة للاحتلال وجهت تهمة التحريض للخطباء الأربعة، بسبب نصرتهم لغزة في خطبهم في بداية العدوان.

الاعتداء على مساجد القدس وهدمها

شهدت الأعوام الماضية جملة من الاعتداءات على المساجد في القدس المحتلة، فلم تكتف سلطات الاحتلال بسجن الخطباء فقط، بل أصدرت قرارات تستهدف هذه المساجد بشكلٍ مباشر، ففي عام 2023م، أجبرت بلدية الاحتلال أهالي قرية بيت صفافا في القدس المحتلة، على تقصير ارتفاع قبة مسجد الرحمن وتغيير لونها من الذهبي الى الفضي لعدم هدم القبة والطابق العلوي من المسجد، وجاء القرار على أثر تشابه القبة مع لون قبة الصخرة داخل المسجد الأقصى.

وشهد يوم 19 نوفمبر 2024م هدم أحد مساجد القدس المحتلة، فقد هدمت جرافات الاحتلال مسجد «الشياح» في بلدة جبل المكبر، بذريعة البناء من دون ترخيص، ويقع المسجد على مساحة تقدر بنحو 80 مترًا مربعًا، ويتكون من طابق واحد، وقد بُني قبل 20 عامًا، وإلى جانب كونه مكان عبادة، يحتضن المسجد مدرسة لتعليم القرآن الكريم، إلى جانب جمعية «كتاتيب الإيمان» التي تقوم بتحفيظ القرآن الكريم وتعليم السُّنة النبوية لأطفال الحي.

وبعد أقل من شهر أخطرت سلطات الاحتلال أهالي بلدة سلوان بهدم مسجد «الإسراء» في حي وادي ياصول، وهو ما يعني أن الاحتلال سيهدم المسجد في أي وقت، على غرار ما جرى مع مسجد الشياح.

إحياء قانون «الأذان» في القدس

سعت أذرع الاحتلال في عام 2016م، إلى إقرار قانون في الكنيست، يحاصر صوت الأذان في القدس المحتلة، والأحياء الفلسطينية القريبة من المستوطنات، وعلى الرغم من إقراره بالقراءة الأولى، فإنه لم يتحول إلى قانون نافذ.

وفي الأشهر الماضية، عاد إلى الواجهة مجددًا، ففي مايو الماضي كشفت مصادر عبرية بأن وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير عقد في مكتبه اجتماعًا، شارك فيه عددٌ من كبار ضباط الشرطة، وطالب خلاله بن غفير خلال الاجتماع، بفرض إجراءات صارمة لمنع الأذان، واصفًا صوت الأذان بـ«الضجيج المزعج».



وعلى الرغم من عدم وجود دلائل رسمية واضحة على أن بن غفير أعطى أوامر لتقييد الأذان، فإن هناك شواهد تشير إلى هذا التغير في سلوك الشرطة «الإسرائيلية» التي بدأت بفرض بعض الإجراءات.

ففي 21 أكتوبر الماضي، اقتحم أحد عناصر الشرطة مسجدًا في بيت حنينا في القدس المحتلة، وأجبر شابًا على ترك الصلاة ليقدم له بطاقة الهوية، في مشهدٍ يعكس التضييق والاستفزاز الذي تقوم به أذرع الاحتلال الأمنية، وقبل أن يغادر الشرطي المسجد حرص على تحرير مخالفة بقيمة 5 آلاف شيكل (نحو 1500 دولار أمريكي) بحق المؤذن بادعاء ارتفاع صوت الأذان.

أخيرًا، تُظهر هذه الاعتداءات محاولات الاحتلال الحثيثة تقويض الوجود الإسلامي في المدينة المحتلة، وسعيه إلى استهداف هويتها الإسلامية الأصيلة، وهو سعي يتسق مع مخططات الاحتلال الرامية إلى فرض سيطرته الكاملة على القدس، وعلاقة هذه السياسات بفرض السيطرة شبه الكاملة على الأقصى، مرورًا بمنع المظاهر الإسلامية المرتبطة بمواسم العبادة وخاصة في شهر رمضان، وصولًا إلى هدم المساجد، ومحاولة تقييد الأذان وغيرها.

وهو ما يشير إلى مشروع تهويديّ شامل يسعى إلى تكريس السيطرة «الإسرائيلية» على المدينة وإعادة تشكيل هويتها الدينية والثقافية.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة