ناقوس خطر!

حين تبتعد
السيرة النبوية عن مناهجنا ومجالسنا وأحاديثنا اليومية، يبدأ الخيط الدافئ الذي
يربط المسلم بجذوره في الضعف شيئًا فشيئًا، حتى يغدو واهيًا لا يقوى على حمل قلبه
نحو المعنى الأصيل للإسلام.
السيرة ليست
مجرد قصص تاريخية تُروى في حصص محدودة أو مناسبات موسمية، بل هي الذاكرة الحية
للأمة، والنموذج العملي الذي تجسد فيه القرآن، والمرآة التي يرى فيها المسلم صورته
الحقيقية، وحين نقلل من تدريسها أو نحصرها في أحداث متقطعة، فإننا في الحقيقة نقطع
عن الجيل الطريق لمعرفة كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفكر، ويتعامل، ويصبر،
وينتصر، ويواسي، ويقود.
الطفل الذي لا
ينشأ على مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في الرحمة، ولا يعتاد سماع قصص صبره
وجهاده وصدقه، يكبر وهو يبحث عن قدوته في أماكن أخرى، وقد يجدها في رموز بعيدة عن
قيمه ودينه.
والشاب الذي لا يحمل في قلبه ووعيه تفاصيل حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف كيف صنع جيل الصحابة، سيجد أن هويته تتشكل من ثقافات عابرة وشخصيات هشة، فيفقد شيئًا فشيئًا وضوح الاتجاه.
وحتى الشيخ حين
تضعف صلته بالسيرة، قد يجد أن ذاكرته الإيمانية فقدت وقودها، وأن حرارة الإيمان
التي كانت تتقد داخله لم تعد كما كانت.
الفكاك بين
المسلم وجذوره لا يحدث فجأة، بل يبدأ حين يغيب عن حياته النموذج العملي للإسلام،
ويصبح الدين بالنسبة له مجرد شعائر مجتزأة بلا روح.
وحين لا تحضر
السيرة النبوية في تفاصيل يومه، لا في طريقة تعامله مع أهله وجيرانه، ولا في نظرته
للمحن والنعم، فإنه يظل مسلمًا بالاسم، لكن الهوية العميقة التي تصنع الثبات
والمناعة أمام الانحرافات والتقلبات تظل غائبة.
إن تدريس السيرة
النبوية ليس ترفًا معرفيًا ولا جزءًا ثانويًا من الثقافة الإسلامية، بل هو تأسيس
للهوية، وغرس للانتماء، وربط للأمة بقائدها الأول صلى الله عليه وسلم، وكلما
أحيينا حضورها في المدارس، والبيوت، والمجالس، وكلما جعلناها جزءًا من حديثنا
اليومي؛ ضمنا أن يظل الجذر متينًا، والهوية حية، وأن تبقى قلوبنا وقلوب أبنائنا
على صلة بمن كان رحمة للعالمين.